كاتب إماراتي
هم فئة جديرة بالتكريم والتحفيز والنظر لهم بمزيد من الاحترام؛ لأنهم يقومون بعمل يعف عنه الكثير، ويؤدون واجبهم تجاه نظافة المدن واستدامتها على الدوام؛ لذا الأمم المتحضرة تجل أعمالهم، وتخصص لهم العديد من الجوائز والشهادات السنوية والمكافآت، ولا تخجل مدينة متقدمة من أن تنصب تمثالاً لأحد عمال النظافة تقديراً لهذه المهنة الكريمة، وإن عدها الكثيرون مهنة بسيطة، لكن من بيوت عمال النظافة ظهر الكثير من نوابغ المجتمعات في العديد من التخصصات، وهذا التميز كان بفضل حرص عامل النظافة على تعليم ابنه وابنته من أجره البسيط، وإن اختلفت عند بعض الأبناء المعادلة حينما كبر البعض وتكبر على المهنة، وظهر عليه الخجل من مهنة أبية، في حين بعض الأبناء كانت الشهادة تتويجاً وقبلة دائمة على رأس الأب المكافح.
غضب عمال النظافة عادة لا يأتي بخير، بل يجلب الأمراض للمدن؛ لذا تتحاشى الكثير من المدن الكبيرة غضبهم أو من محاولة إغضابهم، لأن القمامة ستتكوّم أرتالاً، وتعج الشوارع بالمخلفات، مستدعية الجرذان والقوارض من تحت الأرض لتعيث في المدن خراباً وأمراضاً، وقد جرّبتها مدن مثل لندن وباريس وبيروت وبعض العواصم الأوروبية، فكانت كارثة عطلت دورة الاقتصاد، وقطعت الأرجل من زيارة المكان، وعجز الناس عن تنظيف بيوتهم، والمحافظة على طهارة مدنهم، ساعتها عرفوا قيمة عامل النظافة الذي يستيقظ ليلاً حين ينام الآخرون، ويكنس وينظف الشوارع، ويأتي زملاء آخرون له يجمعون صناديق القمامة والمخلفات الكثيرة وينقلونها إلى المكبات وأماكن بعيدة عن المدن من أجل تدويرها وإحراقها أو تكبيسها، لتغدو المدن في صباح اليوم التالي تلمع من النظافة.
وقد رأيت مرة تصويراً لعامل النظافة الطروب، لقد حظي ذلك الشريط بمتابعة بالملايين حول العالم، مع نظرة إعجاب من الجميع لا يخفونه، كان يتلقى قبلات واحتضان من العابرين تقديراً لما يقوم به من عمل يحبه بصدق، ويجمله بالغناء، ويساعده على أدائه بطريقة متقنة خفة روحه، وانشراح صدره، كان يمر بالشوارع وهو يصدح بصوت رخيم، ويتراقص بين الحاويات بلياقة وسرعة حركة، ثم يودع الحي بأغنية مشهورة يعرفها الجميع.
في اليابان تصل أجور عامل النظافة إلى ألفيّ دولار أميركي، ويسمى «مهندس الصحة»، ولهم تماثيل تحتل زوايا الساحات، والأماكن العامة في المدن، في حين في أوروبا والدول الاسكندنافية يتراوح أجر عامل النظافة بين 2200 و3000 يورو، واليوم ساعد التطور الصناعي في تخفيف وتسهيل عمل العامل، وقدمت له التكنولوجيا الكثير من الحلول، وساعدته في ذلك أحزاب أنصار البيئة والخضر، وما استجد على المدن من تطور وتقدم والسعي للمحافظة على البيئة واستدامة المدن.
لقد تناول الأدب العربي والعالمي والسينما شخصية عامل النظافة، فقدمت السينما العربية فيلم «الزَبّال»، وفيلم «انتبهوا أيها السادة» وكان من بطولة محمود يس وحسين فهمي وناهد شريف، وظهر كشخصيّة في قصص وروايات الآباء في ثقافات العالم.
اليوم أصبح لعامل النظافة يوم عالمي تقديراً لعمله واحتراماً لشخصه، وتم إطلاق المسميات اللطيفة على عمل هذا الإنسان بدلاً من الزبال، أطلقوا عليه «مهندس النظافة»، وغيرها من المسميات اللطيفة، وأدخلت المدارس في المدن في مناهجها التعليمية دروس توعية للطلبة في حسن استقبال والتعاطف مع هذا العامل الذي يقوم بعمل جبار، لا يستطيع الكثيرون القيام به.
المصدر: الاتحاد