عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
في كتابه الموسوم «بورقيبة.. سيرة شبه محرمة»، أطلق الصحافي والكاتب التونسي المخضرم الصافي سعيد، أحد مرشحي الرئاسة حالياً، وصفاً على الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة عندما أسماه «وحيد القرن التونسي».
الوصف مقتبس من حقيقة زمنية هي ميلاد بورقيبة في العام الثالث للقرن العشرين (1903) ووفاته في نهاية القرن عام 2000. لكن الوصف بليغ بشكل مذهل، لأنه يحيلنا إلى القرن العشرين في تونس، الممهور وبشكل لا ريب فيه بتأثير بورقيبة الطاغي، مناضلا من أجل الاستقلال ورئيساً.
يبدو أن بورقيبة ما زال يؤثر في تونس بعمق وبقوة، فبقدر ما يبدو فوز حزب نداء تونس في ظاهره «تصويتاً عقابياً» من الناخبين التونسيين لحركة النهضة، مثلما ذهب غالبية المعلقين، استوقف المعلقين ما رافق ذلك من تقدم للأحزاب العلمانية الصغيرة أيضاً، وموقف حركة النهضة التي أقرت بالهزيمة مبكراً، ما اعتبر موقفاً ينم عن نضج سياسي.
في كل هذا المشهد، يبدو بورقيبة حاضراً بقوة. في سجل بورقيبة نفس ما في سجل حكام آخرين غيره؛ من قمع للمعارضين واستبداد، كما أن عهده شهد انفجارات اجتماعية وحكم تونس بيد قوية.
لكن في سجل بورقيبة، في المقابل، مكتسبات حقيقية أكثر عمقاً وتأثيراً في أجيال من التونسيين، والمكتسبات التي حققها بصبر ومثابرة وعناد، هي ما تبين تأثيره اليوم.
وأهم ما في سجل بورقيبة هو التعليم، فمن قراره المبكر في الخمسينات بإقرار مجانية التعليم وإلزاميته، استثمر بورقيبة في التعليم ما مكن أجيالا من التونسيين من تعليم جيد، وكانت تونس هي البلد العربي الوحيد الذي تفوق فيه ميزانية التعليم ميزانية الدفاع والأمن.
لكن التعليم، ليس بناء مدارس فحسب، بل منظومة متكاملة وأبرز ما حرص عليه بورقيبة هو تقديم تعليم نوعي، حتى بالحدود الدنيا من الإمكانيات. التعليم وحده قد لا يكون كافياً، لكن ارتباطه بمجتمع مدني مشبع بالقيم الحداثية، هو ما أنتج في النهاية نخبة متعلمة ومؤهلة ومنفتحة على العالم.
بورقيبة لم يستثمر من الصفر، فهو جاء من مجتمع كان يتلمس طريقه نحو الحداثة منذ بواكير القرن العشرين، وخاض نضاله من أجل الاستقلال في خضم حركة وطنية ونقابية قوية.
ويبدو تركيز بورقيبة على التعليم تسريعا لوتيرة مجتمعية كانت قد انطلقت مبكراً.
كما أن بورقيبة لم يبتكر المجتمع المدني ولا الحركة الوطنية أو النقابية لأنها أقدم منه، لكنه ورغم صراعاته مع اليسار بالدرجة الأولى ومع تيار صالح بن يوسف وفصوله اللاحقة، أسهم بسياساته المتعلقة بالتعليم وتحرير المرأة وتوجهاته الحداثية عموماً، في تشكيل النخبة التونسية الموجودة في تونس، ومن بينها خصومه من إسلاميي حركة النهضة.
إن قياديي النهضة وكوادرها جاؤوا من نفس المدارس والجامعات التي تعلم فيها خصومهم أيضاً، لكنهم على العكس من غالبية إسلاميي دول عربية أخرى، يتمتعون بخلفية تعليم جيدة جعلتهم ثنائيي اللغة، يتحدثون الفرنسية والإنجليزية.
واللغات ليست ميزة بحد ذاتها، لكنها أداة معرفية ضرورية، وهذا يتبين لدى إسلاميي النهضة في معرفتهم ببقية العالم بشكل افضل من باقي الإسلاميين في دول عربية شتى، وخفف نزعة الإقصاء لديهم، على العكس من إسلاميي المشرق.
أما الدور الفعال الذي لعبته النساء في تغيير المشهد التونسي، فالعبرة فيه واضحة.
فنساء تونس المحسودات من شقيقاتهن العربيات، كان لديهن ما يخسرنه بالتأكيد: منظومة تشريعية وترسانة من القوانين التي وفرت للتونسيات حماية قانونية عز نظيرها، منذ الخمسينات إلى اليوم، وهي منظومة تحسب لبورقيبة بالطبع.
وأسوأ ما أثار مخاوف التونسيين في الفترة الماضية، لم يكن حركة النهضة بحد ذاتها، بل تنامي قوة السلفيين المتشددين على أكثر من وجه. ولمجتمع اعتاد الاعتدال واحترام الحريات والجدل الثقافي والفكري وذي تقاليد عريقة في النضال المدني، بدا هذا المسار مستورداً من أسوأ تجارب المشرق العربي.
هنا تبرز حقيقة أخرى ارتبطت ببورقيبة أيضاً، وتبدو الآن ميزة بعد أن كان ينظر إليها على أنها نقيصة: عزل تونس عن المشرق العربي. لهذا يقول التونسيون إن الحركة الإسلامية حديثة نسبياً، وغالب روادها من أولئك الذين عملوا في دول المشرق.
إن تصويت التونسيين بكثافة لحزب يقوده أحد رجالات بورقيبة البارزين، قد يكون نوستالجيا لزمن بورقيبة في تعبيره الثقافي، لكن من المؤكد أنها استيقظت – في بعدها الواقعي – في مواجهة كابوسٍ متنامٍ. أما فعاليتها فقد تحققت عملياً بأدوات وثقافة وتقاليد، أسهم في صنعها ذلك الراقد في قبره في بلدة المنستير منذ إبريل 2000.
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-11-18-1.2246670