كاتب سعودي
في مصر ما يزيد على مليون سعودي حسب إحصاءات شبه رسمية، وفي أمريكا عشرات الآلاف من الطلاب والمهاجرين، ومثلهم في أوروبا وإندونيسيا والمغرب.
هذا ليس معيباً ولا طارئاً، فهجرة السعوديين من أبناء الجزيرة العربية قديمة جداً، لعل أشهرها رحلات العقيلات – قبل ظهور النفط – الباحثين عن عمل في العراق والشام ومصر والهند وشرق الساحل الأفريقي في أرتريا والسودان، أسفر الكثير منها عن إقامة دائمة في تلك البلدان وأصبحت الزبير في العراق مثالاً لاستيطان دائم لمهاجرين من أصول سعودية استطاعوا الاندماج في المجتمع العراقي مبكراً، والتحول إلى رجال أعمال وأعيان يشار لهم، عاد بعضهم إلى السعودية بعد نشوء الدولة السعودية الثالثة وبقي الكثير.
التجارب البشرية في الهجرة عديدة يبرز من أهمها الاستيطان الحضرمي في شرق آسيا، والسوريون أو «الشوام» بصفة عامة في الأرجنتين والبرازيل، وهجرات الجزائريين والمغاربة والتونسيين إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.
لكنها سعودياً توقفت أو انخفضت كثيراً خلال الخمسين السنة الماضية بسبب الطفرة الاقتصادية والتنموية التي دفعت بالكثير للبقاء والمشاركة، إذ انتهت الحاجة الاقتصادية التي دفعت أجدادهم للخروج بحثاً عن لقمة العيش.
اليوم أصبح البحث عن أسلوب للحياة أو التعليم أو التقاعد هو الدافع الأكبر في العيش خارج البلاد، ولذلك من المفيد أن يتحول المواطنون المغتربون لقوة ناعمة وكتلة تنتمي إلى أمتها السعودية تخدم مصالحها وتدافع عن قضاياها.
الأمريكان من ذوي الأصول الإيطالية والأيرلندية والأفريقية والإسبانية لديهم مشاعر وولاء حقيقي لمواطنهم الأصلية دون مواربة، بل إن الكثير منهم منخرطون في «لوبيات» ويأخذون قراراتهم الانتخابية بناء على ما يقدمه المرشحون لصالح أوطانهم الأم.
من التجارب الملفتة والمثيرة للاهتمام التي يهمنا الاقتراب منها.. «المهاجرون الإيرانيون»، وكيف تحولوا من جالية مناوئة لنظام الملالي بعد الثورة 1978، إلى أكبر «اللوبيات» النشطة والعاملة على حماية والدفاع عن المصالح الإيرانية في الغرب.
تنقسم الهجرة الإيرانية إلى أمريكا إلى موجتين، الأولى قبل الثورة وهي من أسست المصالح التجارية ومعظم أبنائها من المحامين والفنانين والأثرياء، الموجة الثانية بعد انتهاء حكم الشاه مباشرة، واندفعت للخارج بسبب الاضطهاد وبطش الملالي والبحث عن حياة آمنة مدنية خارج السجن الإيراني الكبير الذي حول حياتهم إلى رهينة بيد أفكار ماضوية رجعية متخلفة.
وعلى الرغم من أن الجالية الإيرانية كانت تحمل عداء مبدئياً لطبيعة نظام طهران وتصرفاته واستبداده وتحويله حياة مواطنيه إلى جحيم، كما أن هناك ملايين من الإيرانيين يتوقون للانعتاق من الهيمنة التي يفرضها الملالي عليهم، إلا أن الجيل الجديد الذي ولد في الغرب لم يحمل معه نفس حماس الآباء المؤسسين للهجرة والمعارضين فطرياً للنظام الإيراني، ويحمل في الوقت نفسه حماساً عرقياً دفعهم للتغاضي عن الاستبداد وتحولوا لحائط صد داخل المهجر من أجل أمتهم الفارسية، بالطبع يوجد الكثير من المعارضين الذين لا ينخرطون في أعمال معارضة، إلا أن طهران وظفت الناشطين لخدمة مصالحها ونجحت في ذلك.
ولعل أشهر مصاهرة اخترقت البيت الأبيض تؤكد ذلك الاختراق، كانت حضور نجل وزير الخارجية الإيراني «جواد ظريف» زواج ابنة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من رجل أعمال إيراني العام 2015، فهل تم ذلك بالمصادفة، لقد تحول كيري وزير خارجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أهم مسوقي الاتفاق النووي الإيراني ومدافع شرس عن مصالح طهران.
السؤال كيف استطاعت حكومة طهران بصبر وطول نفس استخدام معظم الجالية الإيرانية الواسعة وتحويلها من معارضة مناوئة خاصة التي استوطنت في أمريكا، إلى موالية، وإدخالهم مفاصل القرار في الحكومة الأمريكية ودعم وجودهم في مهن مؤثرة وذات مستقبل منها المحاماة والطب والصحافة، إضافة إلى العمل في مفاصل مهمة بوزارة الخارجية ومجلسي الشيوخ والكونغرس، ومن يعرف كيف تطبخ وتصاغ القرارات في واشنطن، يعلم أن موظفي البحث والمساعدين هم من يعدون الملفات والقرارات، ويصيغون التوصيات لقياداتهم وفي الأغلب تؤخذ بتلك التوصيات.
السعودية القادمة والمنفتحة على العالم، والتي لديها جاليات متناثرة حول العالم، من المهم أن تصنع من أبنائها رسلاً يعبرون عن رؤيتها وتحولها وعن ثقافتها وتراثها ويدافعون عن مصالحها، في زمن لا حروب تقليدية فيه بل صناعة سياسات ذات نفس طويل تخترق عميقاً داخل المؤسسات المدنية والرسمية في الغرب.
المصدر: عكاظ