مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
لجبران خليل جبران قصيدة يتداولها الكثيرون، يقول فيها: «أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم، أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم، طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم، ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم، وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم».
لم أحب القصيدة ولا طريقة تعبيره عن الفكرة، وجدت فيها ازدراء ونظرة دونية لدور الأهل والوالدين، الأبناء يسكنون المستقبل الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى في أحلامكم!! لماذا كل هذا الإصرار على قطع الصلات وطرق الالتقاء، ومع أنه يتحدث عن الأبناء ووالديهم، إلا أنك تشعر بأنه يتحدث عن أعداء بينهم ما صنع الحداد!
والقصيدة بالرغم من أنها تعطي الوالدين بعض الإشارات التي تعترف لهم بالفتات، إلا أنها تلح على فكرة قاطعة وتبدو قاسية جداً (مع أنهم يعيشون معكم إلا أنهم ليسوا ملككم)، (حاولوا أن تصيروا مثلهم، لكن لا تحلموا بأن تجعلوهم يكونون مثلكم)..
لماذا هذه العدائية التي تضرب في بنيان علاقة عظيمة قائمة على التواشج لا على التخادم والمصالح، فلم يقل لي أب يوماً إنه يربي ابنه ليستخدمه، أو يستعبده، أو يجعله نسخة منه، لكنه ليس مطلوباً منه أيضاً أن يربي ابناً ليدفعه إلى الشارع بحجة أنه ابن الحياة، والوالد ابن الماضي، بينما الماضي والمستقبل لا يلتقيان!!
أراها قصيدة مسمومة تدل على نفسية كاتبها، وعلى تأثره بتلك الأفكار الغربية التي تطلق العنان للشباب بالانفصال عن آبائهم وأسرهم باعتبارهم ماضياً ليس عليهم أن يشبهوه أو ينتموا إليه، وإن تدريسها وتداول أفكارها أمر تجب مراجعته، لا أتحدث عن تراث جبران، لكنني أرى في هذه القصيدة دعوة لقطع علاقات التراحم والمودة، وتناقل المورثات والموروثات، فنحن لا نورث أبناءنا لون بشرتنا وعيوننا وأسماءنا فقط، ولكن نورثهم أفكاراً ومعتقدات وأصولاً وثوابت.
المصدر: البيان