في زمن تتحرك فيه مراوح الحياة بسرعة البرق، في زمن تسير فيه مركبات الفرط صوتية، نحتاج كثيراً إلى قوة سحرية تمنع عنا الترهل، وتصد عنا موجات هوائية عاتية، قد تهشم جدران الوعي، وتحطم زجاج نوافذ الوعي، ويتحول الإنسان من قارئ متبصر لعناوين الحياة إلى طفل بدائي لا يفقه غير التأتأة، ولثغة اللسان تعيق قدرته على قراءة الواقع.
في زمن تتصادم فيه رياح الأفكار، فنحن في أمس الحاجة إلى قاموس محيط، يدلنا على مفردات اللغة، ويقودنا إلى منازل الوعي بـ«سنعنا»، ومذاهب الأولين الذين صنعوا مجد الماضي، وأسسوا لقواعد النهوض في الحاضر، ودفعوا بالعربة نحو مستقبل زاهر، باهر، واعد بخطوات أشمل، وأوسع، وأبدع، وأكثر براعة وبلاغة.
اليوم تبدو العاصمة أبوظبي في المحيطين القريب والبعيد، بوصلة التطلعات نحو حياة زاهية، ومشاعر بهية كأنها حلم الطير، كأنها رفرفة وريقات التوت وهي تصفق للربيع، وتستمتع بنغمات المطر على وجنة وجبين.
اليوم في العاصمة الزاهية، نحتاج إلى تراثنا، كما تحتاج الأرض إلى المطر، كما يحتاج الطير إلى عناق النسيم العليل.
اليوم نحتاج لهيئة تسدد الخطا، وتمنح العقل استراحة من بعد رحلة شاقة عبر قنوات اتصال مع المستقبل، وخلال سفر طويل على طائرة نفاثة تحرك في الوجدان مشاعر الرهبة، كلما فكر المرء بالماضي، وابتعد عنه قليلاً.
اليوم أصبح لهيئة مختصة، وذات شأن رفيع مع ثلاثي الماضي، والحاضر، والمستقبل، دور عميق في تلافي خضات الدهشة أمام معطيات حاضر تتنوع فيه المثيرات، وتتلون فيه الرغبات، وهذه الهيئة التي جاءت هدية من قمة الهرم، من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لتؤكد الرؤية الحصيفة لدولة آمنت أنه ما من فجوة تفصل بين الماضي والحاضر، والمستقبل، بل الطريق مفتوحة باتجاه التقدم، وتحقق كل ما يصبو إليه الإنسان، فالماضي ليس جزءاً من زمن، بل هو كل الزمن، ومن يقطف الحاضر رغيف عطائه، ويأخذ المستقبل نصيبه من هذا العطاء.
الإمارات اليوم في أمس الحاجة إلى بوتقة تستحضر الماضي، كما تعيش الحاضر، كما تعانق المستقبل، فالزمن واحد، وليس ثلاثة أزمنة، والإنسان واحد وليس أكثر، والذاكرة هي محفظة التاريخ، وهي منزله، ومنزلته، الذاكرة هي الضوء الذي يسلط شعاعه على أضلاع التاريخ الثلاثة، ليبقى الزمن حقل زراعة مجد الإنسان، وسؤدده، وسده، ومنعته ورفعته، وقوته، ونصوعه، ويفوعه وصرامة إرادته، ومتانة عزيمته.
«هيئة للتراث»، يعني في المفهوم الإنساني، رواقاً لقراءة الحياة، وتأمل تفاصيلها، في الأبعاد الزمنية الثلاثة، ولا مكان للذين يقفزون على المراحل، لا موقع للذين يجعلون من الماضي مجرد مكب نفاية.
المصدر: الاتحاد