خاص لـ هات بوست: يعد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، من الشخصيات البارزة التي قدمت جهودًا جبارة للمحافظة على اللغة العربية، وتعزيز مكانتها، ودورها الفاعل في المجتمع الإماراتي على وجه الخصوص والعربي بوجه عام، لأن إيمانه القوي بمبادئه الخاصة، جعله يعد اللغة العربية “أمانة في أعناق الجميع”، لذا كرس نفسه شخصيا ليكون حارسا أمينا على رفعتها وسمو مكانتها في المجتمع على مر الأيام والأزمان. ولسان حاله يقول: “لابد من إعادة الزخم الذي كان للغتنا ولمعطياتها في الآداب من الشعر والقصة والرواية وغيرها في السابق، لابد من إحيائها مرة أخرى بجهود الفضلاء والعلماء”.
لقد تفانى سمو الشيخ القاسمي واهتم اهتماما بالغا بالتراث العربي اللغوي، فتم الترويج للغة العربية بوصفها وسيلة حضارية وثقافية، لها دور محوري في الحفاظ على الهوية العربية، لأن اللغة تشكّل أبرز ركائز الهوية، وتأتي في مقدمة الحضارة، لذا سعى دائماً إلى تعزيز مكانتها، فسلامتها سلامة الفكر وسلامة الثقافة، وهذا ما أكده مراراً وتكراراً من خلال مكرماته ومبادراته التشجيعية القيمة، التي تعكس رؤيته في الحفاظ على اللغة العربية، رؤية طموحة نحو تعزيز التواصل اللغوي والثقافي داخل مجتمعه وخارجه.
غير أن الاهتمام باللغة العربية (لغة الضاد) شملها (كتابة/ ونطقا/ وخطا) من خلال دعمه المستمر للمشاريع التعليمية والثقافية التي تسهم في تعزيز استعمالها، وإعادة حيويتها، عبر إطلاق مبادرات رائدة وبرامج مبتكرة تمثّلت في مختلف ميادين الحياة اليومية؛ سواء في التعليم، أم الإعلام، أم المجال الثقافي، فضلاً عن مشروعاته الكبرى التي ظللت سماء الشارقة وامتدّ نورها ليشمل أقطار العالم كافة، مثل إنشاء جمعية حماية اللغة العربية، ودائرة الثقافة والإعلام وبيت الشعر وبيوت الخطاطين ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، فهو بمثابة تشجيع للأدباء، ومن ثم نشر إبداعاتهم عبر الهيئات الثقافية الموجودة في الإمارة، كل هذا يدل على رؤية استشرافية، وبصيرة نافذة، واستلهام محقق للتاريخ، ومقاصد نبيلة من سموه.
كما تبرز جهوده الجبارة في خدمة اللغة العربية ماثلة للعيان في رعايته الحكيمة وعمله غير المحدود في تعزيز مكانة هذه اللغة، انطلاقا من كونها الركيزة الحضارية والمحور الرئيس في صلابة الهوية العربية والثقافة الإسلامية، في إنجاز علمي فريد يسمى” المعجم التاريخي للغة العربية” الذي عمل عليه 500 متخصص وعالم لغة. هذا المشروع اللغوي العربي الرائد، هدف من خلاله صاحب السمو حفظ اللغة العربية وحمايتها والتعريف بتاريخها وتطورها عبر العصور. وسيكون بمثابة المرجع الأكبر، والمورد الأعظم، الذي يعودُ إليه المثقفون والمتخصّصون في جميعِ المجالات، وكذا طلابُ الجامعات والأكاديميّون، والشعراءُ والأدباءُ.. وكلّ من يهوى هذه اللغةَ العظيمة التي يقول عنها: “حريصون على تقدير جهود المتخصصين بتكريمهم وتحفيزهم للبحث في كنوز اللغة العربية”.
هذا من منطلق إيمانه “بأنّ هذا “المعجمَ لا يشرحُ الألفاظ ولا يُعرّف بدلالات الكلمات ويعطي تواريخ استعمالها فقط، وإنّما يحفظ تاريخ الأمّة من الاندثار، ويصون حضارتها من الزّوال، ويخلّد مآثر العرب وأيّامهم، ويحافظ على الذّاكرةِ العربيّة من أقصى الجزيرة العربيّة شرقا إلى المحيطِ الأطلسيِّ غَرْبًا، ويؤرّخُ للنُّصوص والأشعار، ويُثبِتُ الأخبارَ والأقوالَ التي نطقَ بها المسلمون وهم في بلادهم وراء النهرين وأقاصي آسيا، ويحفظ تاريخَ إفريقيّة المسلمة التي عُنِيَ أصحابُها بالفقه المالكي وعلوم اللغة ومتونها.”
لقد حدث سمو الشيخ نفسه كثيرًا: “لماذا لا يكونُ للعربِ مُعجمٌ تاريخيٌّ يؤرّخُ للغتهم؟ هل اللغويون والمعجميّون العربُ عاجزون عن إنجازِ هذا المشروع؟”
تجيبه: كلاّ، أبناء العربيّة ومحبّوها وعلماؤها ليسوا عاجزين عن كتابة هذا المعجم وإخراجِه للعالمين، فقط يحتاج هذا المشروعَ إلى حشْد القوى وتحفيز النفوس وتوحيد الصّفوف وتنظيم الجهود، وإلى تغطيةٍ ماديّة تناسبُ عظمةَ هذا المشروع. والحمد لله لقد وفّقه الله تعالى مع “علماء اتّحاد المجامع” إلى تذليل كل الصعوبات والعوائق التي كانت تقفُ أمامَ المشروع. وما كان حُلْما وضَرْبًا من الخيال قبلَ ثمانين عاما أصبح اليومَ واقعًا مَشْهودا.”
وبفضل الله وتوفيقه نجح سمو الشيخ القاسمي في هذه العمل الجبار، وبرزت جهوده الدؤوبة، التي تعكس التزامًا مؤصلاً في الحفاظ على تراثنا اللغوي العربي وتطويره، وأظهرت السياسة الرشيدة في خدمة اللغة العربية، الأمر الذي يؤهله ليكون رمزًا للريادة والقيادة، والرعاية الثقافية بشكل لافت في الحفاظ على لغتنا، وتعزيز مكانتها في الساحة العلمية والثقافية.
يتألق سمو الشيخ القاسمي، بإشرافه الحكيم وجهوده في خدمة اللغة العربية، بذل ولا يزال يبذل جهداً خلاقاً في الدفاع عن اللغة والعلم والثقافة، ومن هنا أقام صرحاً علمياً، حتى غدت إمارة الشارقة مركز إشعاع ثقافي وحضاري وإنساني، وملتقى للثقافات والأفكار، وداعما للمبادرات التي تعزز اللغة العربية، ومحفّزاً للأبحاث فيها، من خلال اجتماع العلماء والباحثين ، في شكل مؤتمرات أو ندوات علمية، وتقديم كل الدعم المتواصل للمراكز العاملة في ذات المجال لضمان استمرارها، وتقدير جهود المتخصصين والباحثين بتكريمهم وتحفيزهم، مع أهمية نشر أطروحاتهم وأبحاثهم، إلى جانب اهتماماته المتنوعة بالمسرح العربي، والشعر والآداب، وتعليم العربية لغير الناطقين بها، وغيرها، وذلك لأهمية استمرار أعمال هذه المراكز التي تمثل نهضةً حقيقية في الوطن العربي ونقاط إشعاعٍ علمي ومعرفي، لخص ذلك سموه قائلا: “أنا آخذ اللغة العربية على محمل الجدّ ولا أقول على هامش الحياة، لأنها جزء من الإيمان، ولابد لكل مسلم أن يتعلم ويتحدث اللغة العربية.”
صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، جهود جبارة.. التزام وتفانٍ.. مسيرة مضيئة في تاريخ اللغة العربية في الشارقة وفي الوطن العربي كافة.