وجوه كفانا الله شرها، وغدرها، وكدرها، ومكرها، وسبرها، وجبرها، وكبرها، وسحرها، وضيرها، وبحرها، وبرها، وحذرها، وخدرها.
وجوه تطلع عليك، مثل الأعشاب الشوكية، تعرقل سفرك، وتعيق طريقك، وتفرغك من إنسانيتك، وتكسر أغصان أشجارك، وتميت فيك السنابل والمفاصل، والفواصل والجداول، وتجعل الحياة في عينيك مثل الأرض الخراب، وتشيع في خاطرك الشؤم، واللؤم، والسقم، وتثلم أطباق لقمتك، وتجرح شفة سعيك، وكلما دهمتك شعرت أن نهاية العالم قد قربت، وأن الأرض تشققت، والسماء ادلهمت، والبحار سجرت، والجبال مادت، ومارت، والطيور نتفت ريشها، واقتعدت التراب تبحث عن مصيرها، والكائنات الوديعة برزت لها أنياب من شرور، وحرور.
وجوه لو نظرت إليها غشت غمامة سوداء، واعترتك قشعريرة الرمق الأخير، وانتابتك رعشة نفخة الموت، وطوتك حشرجة الروح الزائلة.
وجوه لا قدّر الله لو هيأ لها حكم العالم لنفخت في صوره، وعبثت في مصيره، وعصفت في دهره، ونسفت أصله وفصله، وخسفت في ملته وحلته، وأطاحت خيره وفضيلته.
وجوه هكذا خلقت مثل الطحالب والطفيليات وظيفتها تشويه الحياة، والتسويف والإسفاف، والاستخفاف، بكل ما هو جميل في الحياة.
وجوه نشأت على تحويل الأبيض إلى أسود، وتغيير لون سجادة الحياة الناصع إلى الفاقع، وجوه خلقت هكذا، وباء ينشر الكراهية، ويثير العدمية، ويبسط العبثية، ولا ينمو إلا في المناطق القذرة.
وجوه وظيفتها تحويل الحلم الزاهي إلى وهم يتراكم على الأفئدة مثل غبار الأراضي السبخة، وجوه تمارس الحياة مثل أفيال هندية هائجة تفتك، وتهتك وتغربل، وتسربل، وتكبل، وتجندل، وتحندل، وتمضي في مصير الناس كما هي الكوارث الطبيعية، وجوه لها لون البؤس، وطعم الحنظل، وشكل الموجة العارمة.
وجوه هي أشبه برماد المراحل ما بعد الفراغ، وهي أشبه بقدور كاتمة إن فتحتها أثارت في وجهك دخانها الحارق، وإن تركتها تأججت، ودمرت، وألبت، وخربت، وأفشلت مشروع الحياة الثرية المعنى والمغزى.
وجوه تسكن في المكان مثل الجرثومة تحت الجلد، مثل الفيروس في الهواء، مثل قارعة قابعة في ضمير الكون، مثل جاثية تجتث من القلوب، شمعة الضوء، وتنتزع من الأرواح لمحة النور.
وجوه لا أرانا الله إياها، أنها لعنة الوجود، وغضب السماء، إنها عدم الوعي بأهمية أن يكون الإنسان إنساناً، وأن تكون الحياة بستاناً، وأن يصبح العالم موئل السلام، والطمأنينة.
وجوه لا تحلم، وإنما تهيم في الأضغاث، كما تهيم الضواري في الغابات الموحشة.
المصدر: الاتحاد