كاتب وصحفي سعودي
«الحياة» صحيفة عريقة وكبيرة ورصينة، ولا تحتاج إلى شهادة مني. القرّاء يعرفون مواقفها وسياستها التحريرية، ومن يعمل بها ينهمك سريعاً في التحدي، ويطمح إلى تحقيق النجاح كما هي حال زملائه ومن سبقوه.
ناشر «الحياة» الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز يستحق الشكر على وقفاته ودعمه وجهده لتطوير هذه الصحيفة، حتى أصبحت أيقونة في عالم الصحافة العربية، وفق ميثاق شرف واضح، وسياسة تحريرية رصينة، في قالب تحريري تتمازج وتتباين فيه أقلام من كل الألوان والأطياف الفكرية، لما فيه المصلحة السعودية أولاً، والعربية ثانياً.
شكراً لرئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس الموقرين الذين كنت واحداً منهم على الدعم والمساندة طوال السنوات الماضية.
لكل الزملاء محبة وتقدير كبيران في قلبي وأنا أغادر الصحيفة، بعد أن أمضيت فيها ١٤ عاماً مسؤولاً للتحرير، ثم مديراً للتحرير، فرئيساً لتحرير طبعات «الحياة» في السعودية.
لا شك في أن الحياة لا تخلو من الأشواك، إذ صاحب انطلاق مشروع الطبعات السعودية محاولات تشكيك متسرعة من البعض، ما حدا ببعضهم إلى الاتصال بي لاحقاً مبدياً تراجعه، ومباركاً النجاح الذي تحققه عند القرّاء، وفي السوق السعودية، وقدرتها على توسيع قاعدتها خلال فترة زمنية وجيزة.
كانت الثقة سلاح الزملاء في صحيفة «الحياة»، كما أننا كنّا نحاول في كل عام رفع السقف الصحافي مهنياً، وإضافة المستجدات على تبويب الصحيفة، بما يتوافق مع المتغيرات وروح العصر.
لا شك في أن بعض الأعيرة النارية كانت تصيبني وتؤلمني، لكنني كنت أتعالج من الكدمات والإصابات التي لا تكسر ظهري، ولا تشل قلمي، وأعود كما كنت حتى بعد حجب الصحيفة عن الصدور لمدة أربعة أيام في عام ٢٠٠٨.
لقد تحمل الناشر والزملاء تبريراتي بأن ذلك «سبق صحافي» ومن «المهنية الصحافية». وعلى مدى عقد ونصف العقد تحملني الزملاء والزميلات في كل مكاتب المملكة، بلا استثناء.
وللحق، أننا نوجّه يومياً في اجتماع التحرير نقداً لاذعاً لا يسلم منه أحد حتى نفسي، وكل ذلك من أجل تطوير الصحيفة وبيئة المهنة التحريرية. نتابع ونبحث عن التميز والانفراد بمادة جديدة، ودائماً ما نغامر بصفحات جديدة تضيف لتبويب الصحيفة نحو توسيع قاعدة القراء والمشتركين والمعلنين، عسى أن يميزها عن غيرها من الصحف الزميلة في سوق سعودية تنافسية وواعدة، خصوصاً أن غالبية السعوديين كانوا يعتبرونها صحيفة عربية سياسية موجهة للنخبة فقط.
لا أقول إنني نجحت كما أتمنى، لأسباب احتفظ بها لنفسي، لكنني أخرج اليوم من بوابة الحياة الواسعة وأنا راض نصف الرضا عن نفسي وعن أداء وقدرات زملائي الذين راهنت عليهم، وأثبتوا علو كعبهم ولهم في قلبي مكانة كبيرة لا تتزحزح للأبد، سواء من غادر منهم قبلي أم من هو باق. كانوا يغضبون مني، لكنني أحبهم ويعبّرون عن حب كبير لهذا الكيان الإعلامي المرموق.
أخرج اليوم من «الحياة» ونسبة الصحافيين السعوديين في مكاتب «الحياة» في المملكة 75 في المئة، جلهم من الشباب المميز والمتفوق، واعتذر منهم إن قسوت عليهم، لكن كل ذلك من أجل مصلحتهم ومستقبلهم ومهنتهم.
أعترف بأنني ليلة تقديم استقالتي للناشر سقط من عيني جبل من الدموع، وجافاهما النوم، وارتعد قلبي والتهمت حبات من «البنادول»، لكنها الحياة، ومن الطبيعي أن تغادر، مثلك مثل غيرك.
لا شك في أن «دار الحياة» لن تشعر بمن يغادر، سواء أنا أم غيري، لكونها مؤسسة إعلامية عريقة، وتقوم على أسس مهنية راقية، ولديها ميثاق شرف لا يتوافر لغيرها، ويقف خلفها صمام أمان هو الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز.
أملي أن يُمنح الشباب السعودي فيها الفرص، ويفسح الطريق له لإبراز مواهبه الصحافية ومعارفه وقدراته المهنية.
شكراً لكل الزملاء الكتّاب بلا استثناء الذين أسهموا في كل كلمة حرة بلا مواربة، بعيداً عن الانتهازية والوصولية، من أجل الوطن الكبير، المملكة العربية السعودية.
وأنا أغادر «الحياة» أدعو لها بالتوفيق، وسأفتقد كل ملامحها ومبناها وروحها وفريقها وصحافييها وكتّابها وإدارييها وفنييها.
شكراً من القلب لكل الزملاء بلا استثناء. شكراً حتى لمن كان يملأ فمي كل صباح ومساء بالقهوة التركية وهو مبتسم. وشكراً لكل من باركوا وهنأوا عبر «تغريداتهم» على موقع «تويتر» من الوسط الصحافي وخارجه.
شكراً للقراء، طالباً المعذرة منهم إن خيّبت ظنهم يوماً ما.
وفق الله الزميل سعود الريس وهو صحافي وطني كفء وقادر على تقديم أفضل مما قدمت، أعانه الله.
معذرة لكل من تجاوزت عليه أو خرجت مني إساءة بحقه من دون قصد.
محبتي لكم.. وشكراً لكم.
المصدر: الحياة