كاتبة إماراتية
اضطررت منذ فترة قصيرة للتخلص من بعض الموجودات الباهظة التي كنت أمنّي نفسي بسعادة بالغة قبل امتلاكها. في البداية كان الأمر في غاية الصعوبة وغلبني تأنيب ضمير وشعور بالغ بالهدر الذي كنت أراه أحياناً في سلوكيات الآخرين، ولم يخفف من حالتي تلك إلا أن الموجودات ذهبت لأشخاص أحبهم وأعتقد أنها ستفي بغرض لديهم. ولكن يبدو أن هناك دواعي أخرى كانت ستجعلني أكثر سعادة بقرار التخلص لو كنت قد فكرت فيها كما تعتقد اليابانية «ماري كوندو» في كتابها The Life-Changing Magic of Tidying والمتوافر باسم سحر الترتيب في المكتبات العربية.
تشرح «ماري» في كتابها -الذي طُبعت منه ملايين النسخ بلغات العالم- كيف يمكن لترتيب محيطنا المادي أن يخلصنا من الفوضى النفسية قبل المادية، وأن السر يكمن في الطريقة التي نرتب بها أشياءنا، والتي تعتمد أساساً على فكرة «التخلص» بتقدير! فحسب ما واجهته الكاتبة في الميدان العملي، أن أصعب ما يعرقل تقدمنا في عملية الترتيب تلك الرغبة القوية التي تعترينا في التمسك بالأشياء والاحتفاظ بها لدواعي شتى، ولهذا فهي تشرح كيف لنا أن نتجاوز تلك العقبة، وما علينا فعله عندما نعجز عن فعل الترك، عبر «التخلص بتقدير»، وهو مفتاح السر الحقيقي في عملية الترتيب، وهذا ما وجدته أكثر الأفكار إثارة في الكتاب، إذ كيف لنا أن نُكن التقدير لما نقوم بالتخلص منه، فهذا الفعل مرتبط بالنبذ والرغبة في البعد؟!
عندما نواجه الرغبة في التمسك بشيء لا نستخدمه فعلاً ويشغل حيزاً في محيطنا بلا أدنى فائدة متحققة، علينا أن نفكر ملياً في سبب امتلاكه أساساً، وطرح سؤال متى ولماذا حصلتُ عليه؟ لندرك أهميته لنا وقتها. وهذا السؤال حسب «ماري» يعيد لنا الشعور المتحقق في تلك الفترة، والذي لم يعد موجوداً الآن، بما يفيد أن هذا الشيء قد حقق غرضه وقتها وعلينا أن نكون مقدرين لدوره المتُحقق سابقاً، وأنه أشبع رغبة وقت الحصول عليه. في هذا أطرح فوائد عدة، أولها التحقق من أن فعل اللامبالاة لم يكن من دون جدوى، فقد أشبعت رغبة فعلية في ذلك الوقت، ثانياً اعتناق فكرة أخرى مفادها أن هناك أشياء لا تستمر في إشباعنا للأبد، وعلينا تركها وقت انتهاء دورها. أما الفائدة الثالثة وهي الأهم بالنسبة لي، فإن هذا الشيء أعطاني درساً فيما يجب عليّ أن أقتنيه مستقبلاً، ونسبة وفترة السعادة المتصورة والمتحققة منه قبل امتلاكه. وهذه الدروس يجب استحضارها بتقدير وقت التخلص من الأشياء ومن بعض الناس المحيطين، الذين أدوا دورهم سابقاً، وربما أصبح وجودهم عبئاً بلا معنى، وقتها يتحقق التخلص برضا وهدوء.. مع وافر الشكر والتقدير.
المصدر: الاتحاد