لندن: عضوان الأحمري – الرياض: فتح الرحمن يوسف –
يبدأ الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، زيارة رسمية إلى جمهورية الصين الشعبية، والتي يتوقع أن تشهد مباحثات تشمل ثلاثة ملفات مهمة سياسية واقتصادية وعسكرية في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين البلدين نموا متواصلا على جميع المستويات. وشهد التبادل التجاري بين البلدين نموا قياسيا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث تجاوز أكثر من 73 مليار دولار في 2013. وتشهد العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظا تعززه الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في الرياض وبكين.
وتعود العلاقات السعودية – الصينية إلى أكثر من سبعة عقود خلت .
يذكر انه في القرن التاسع عشر أطلق الجغرافي الألماني فرديناند فون ريتشهوفتن اسم «طريق الحرير» على الطرق البرية والبحرية التي كانت القوافل والسفن تسلكها مرورا بجنوب الصين وعبر الروابط البحرية والبرية مع أنطاكيا التركية وجغرافيات أخرى، وهو الطريق الذي كان سببا في ازدهار عدد كبير من الحضارات القديمة مثل الحضارة الهندية والرومانية والصينية وحضارات أخرى. وما بين القرن التاسع عشر والقرن الحادي والعشرين، توسع طرق الحرير ليشمل الأرض والبحر والجو، ولتصبح الصادرات والواردات لا تسلك طريق حرير واحدا، بل طريق الذهب والنفط والتحالفات الاستراتيجية التي جعلت من الاقتصاد السعودي يرسم طرقا حريرية أخرى أساسها النفط.
74 عاما تاريخ العلاقات بين السعودية والصين، حين قررت الرياض في عام 1939 لبدء تسهيل الطريق نحو علاقات سياسية مع بكين، هذا القرار استغرق ستة أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في الخامس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1946 في جدة. توقفت العلاقات بين البلدين لمدة 20 عاما بدءا من 1949 وحتى 1979، وهو التاريخ الذي لم يخلُ من علاقات واتصالات دائمة، لكنها ليست بذلك المستوى الرسمي رفيع المستوى، وحين بدأت جمهورية الصين الشعبية علاقاتها من جديد مع العالم.
السعودية بدأت بالبحث عن شركاء جدد وحلفاء اقتصاديين وسياسيين، لتبقي خياراتها مفتوحة دائما، وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، حين شهدت العلاقات السعودية – الأميركية فتورا وتوترا، كانت الصين أحد الخيارات الأساسية في توجهات السعودية السياسية الجديدة.
وعلى مستوى العلاقات السعودية – الصينية، ورغم الغياب الرسمي للتواصل الدبلوماسي في تلك الفترة من 1949 وحتى 1979، كانت العلاقات مستمرة بين البلدين في ثلاثة اتجاهات، أولها بدء عودة أول قوافل للحجاج الصينيين في نهاية السبعينات، وثانيها فتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى السعودية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وثالثها وليس آخرها عودة العلاقات الرسمية السياسية بين البلدين بشكل فاعل وقوي عند عقد توقيع تأسيس شراكة سياسية واتفاقية تفاهم بين الرياض وبكين في 21 يوليو (تموز) 1990م. وكانت الاتفاقية تروم تحقيق دعم متبادل في مجال تعزيز أمن واستقرار البلدين.
في الفترة بين 1991 و1998 شهدت العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظا تلخص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات، لتتوج بزيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان وليا للعهد في 1998، لتعد حينها الزيارة الأعلى مستوى من ناحية الوفد الرسمي للجانب السعودي إلى الصين، وهي الزيارة التي وصف فيها الملك عبد الله الصين: «أفضل صديق للسعودية».
في الجانب الصيني كانت زيارة الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين إلى السعودية في 1999 هي الأعلى من الجانب الصيني، وفي 2006 كانت الصين أبرز محطة ضمن جولة خادم الحرمين الشريفين إلى الشرق الآسيوي.
السعودية اختارت الصين كأهم الشركاء الاستراتيجيين في الشرق الآسيوي، وذلك في نظرة سعودية إلى شرق آسيا كحليف استراتيجي جديد على مستويات عدة أهمها الجانب الاقتصادي، حيث تعدُّ الصين أن السعودية هي خيارها الاقتصادي الأول في نواحٍ متعددة أبرزها جانب استيراد النفط، وفي العلاقات الاقتصادية تجاوز التبادل التجاري بين البلدين ما قيمته 70 مليار دولار.
ويواصل الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء، تعزيز العلاقات بين البلدين في زيارته للصين، والتي تأتي ضمن جولته الآسيوية التي شملت باكستان واليابان والهند.
وتعد زيارة الأمير سلمان للصين الأولى منذ توليه ولاية العهد. ولهذا فإن هذه الزيارة تتمتع بأهمية كبيرة في توطيد العلاقات بين السعودية والصين وتعميق التعاون المتبادل. وستجري القيادات الصينية محادثات مع الأمير سلمان، لتبادل وجهات النظر على نطاق واسع حول العلاقة الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك. ويؤكد السفير الصيني في الرياض لي تشنغ ون، أن زيارة ولي العهد إلى المملكة لها أهمية كبيرة، وقال: «نتمنى ونثق بأن تكون هذه الزيارة ناجحة ومثمرة، مما يدفع علاقات الصداقة الاستراتيجية إلى الأمام».
ترى السعودية والصين أن الزيارات بين البلدين على المستوى الرفيع هي عوامل لتعزيز العلاقة وتثبيتها وتنميتها في جوانبها الكثيرة، ولهذا جاءت الزيارات المكثفة بدء من عام 1991، ثم في عام 2006 حين تبادل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس هو جينتاو وهو ما نتج عنها التوصل إلى اتفاق إقامة ما سمي «الصداقة الاستراتيجية» التي دخلت وقتها إلى مرحلة جديدة.
وفي عام 2008، زار تشي جينبينغ (حين كان نائبا للرئيس) المملكة وجرى توقيع بيان مشترك سمي «البيان المشترك لتعزيز التعاون وعلاقات الصداقة الاستراتيجية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية». وبعد عام واحد من تلك الاتفاقية، قام الرئيس الصيني هو جينتاو بزيارة ثانية للمملكة شهدت الزيارة حينها توقيع خمس اتفاقيات للتعاون في مجالات الطاقة والصحة والحجر الصحي والمواصلات والثقافة. ويثمن الصينيون الموقف السعودي في مايو (أيار) عام 2008 بعد وقوع الزلزال في سيتشوان الصينية، حين قرر الملك عبد الله وقتها التبرع بـ50 مليون دولار أميركي وتقديم المساعدة المادية بقيمة عشرة ملايين دولار، والتي عُدَّت وقتها أكبر مساعدة خارجية، ألحقتها المملكة بتقديم المملكة 1460 غرفة متنقلة والتبرع بـ1.5 مليون دولار لإعادة الإعمار في منطقة الزلزال.
وحرصا من السعودية لمواصلة تعزيز الشراكة الاقتصادية، استثمرت المملكة 150 مليون دولار لبناء «الجناح السعودي» في «إكسبو شنغهاي الصين 2010»، حيث يُعدُّ الجناح السعودي أكثر من الأجنحة الأكثر زيارة وإقبالا وقتها. وفي عام 2013، وجهت الدعوة للصين كضيف شرف في مهرجان الجنادرية السعودي، حيث تلاقت الفعاليات الثقافية الصينية مع التراث السعودي وحظيت الفعاليات الصينية بإقبال كثيف. وبعد هذه الدعوة حضرت السعودية كضيف شرف في الدورة العشرين لمعرض الكتاب الدولي في بكين 2013، حيث عرضت للشعب الصيني الثمرات الإنسانية السعودية بما فيها الثقافة والآداب والطب.. إلخ.
وتقوم العلاقات السعودية – الصينية على الاحترام المتبادل على جميع الأصعدة، العلاقات السعودية – الصينية تتلاقى في كثير من الملفات وأهمها العمل على دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، ومنها الدعم الصيني لموقف السعودية من القضية الفلسطينية ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وترى الصين أنه من الواجب كذلك دعم القضية السورية من خلال جهودها المتواصلة لتخفيف الأزمة الإنسانية السورية ودعم حل الأزمة عن طريق الحلول السلمية.
وترى الصين أن السعودية تقوم بدور إقليمي محوري ومهم لحل النزاعات من خلال سياساتها الهادفة إلى تحقيق الاحترام المتبادل للدول الأخرى وتعزيز مفهوم حسن الجوار.
تُعدُّ السعودية من أهم شركاء الصين في التعاون الاقتصادي والتجاري، وأكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا وأفريقيا. وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة الاقتصادية والتجارية بين البلدين تطورا ملحوظا ومستقرا، ويتوسع نطاق التعاون باستمرار. ووفقا لإحصاءات الجمارك الصينية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 72.2 مليار دولار في عام 2013، كما شهدت زيادة كبيرة في حجم مشاريع المقاولات للشركات الصينية في السعودية. وتولي الصين اهتماما بالغا للتعاون في مجال الطاقة مع السعودية وتتمتع الرياض وبكين بإمكانات التكامل القوية في هذا المجال.
في عام 2013، استوردت الصين 53.9 مليون طن من النفط الخام من السعودية، ما يمثل خُمس إجمالي واردات النفط في الصين. وإضافة إلى ذلك، لدى البلدين آفاق واسعة في التعاون في مجال الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة الرياحية وغيرها. إن القدرة الإنتاجية للخلايا الكهروضوئية في الصين تبلغ 80 في المائة في العالم، وسترتفع في 2015 إلى ما فوق 35 غيغا واط، لتحتل المركز الأول في العالم. وأصبحت الصين أكبر دولة من حيث قدرة توليد الطاقة بالرياح، التي تبلغ 75.38 غيغا واط في نهاية عام 2012.
في مجال البنية التحتية السعودية، تشارك الشركات الصينية في المقاولات بعقد مشاريع كبيرة في كل نشاط، وتأتي بالتقنيات والخبرات الناجحة من الصين، بينما تلتزم بسياسة السعودة لتقديم فرص عمل أكثر محليا. الصين بنت عشرة آلاف كيلومترات من خطوط سكك حديدية عالية السرعة، وستبلغ خطوطها قبل نهاية العام الحالي 12 ألف كيلومتر، وهي الأطول في العالم. كما تحتل الصين مقاما متقدما من حيث التقنيات وسرعة البناء في هذا الصدد، علما بأن السعودية وضعت الخطة الضخمة لبناء شبكة السكك الحديدية وترقيتها، ويمكن للطرفين تعزيز التعاون في هذا المجال. إن الصين على استعداد لتبادل تجارب التنمية مع السعودية، وتشجيع شركات صينية ذات قدرة عالية وسمعة جيدة على الاستثمار والمشاركة في بناء المملكة، وتقديم المنتجات والخدمات ذات الجودة والتقنية العالية، بما يعزز ويعمق التعاون الثنائي.
تجدر الإشارة إلى أن الصين قد طرحت مبادرة بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري في القرن الـ21» مع دول آسيا وأوروبا، وتقع السعودية في منطقة التلاقي بين طريقي الحرير البري والبحري، وذلك سيخلق فرصا وآفاقا جيدة للتنمية والازدهار المشتركة للبلدين. ويرى خبراء أنه يجب بذل جهود مشتركة لإحياء قيم طريق الحرير القديم، مما يعود على الشعبين الصيني والسعودي وشعوب الدول العربية الأخرى بمزيد من المنافع الملموسة.
المصدر: الشرق الأوسط