رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
من الطبيعي أن تصل المرأة في الإمارات إلى أعلى المناصب، وأن تتشارك مع الرجل في بناء هذه الدولة المتطورة، فالمرأة الإماراتية حصلت على نصيبها من التعليم والتأهيل والدعم اللامحدود لتتولى المسؤولية عن جدارة واستحقاق، ولكن من غير الطبيعي أن تفوق حماسة الإماراتية حماسة غيرها من فتيات العالم في التسابق لشغل أصعب الوظائف وأعقدها، وهذا ما بدا واضحاً خلال حفل أقيم في أبوظبي الأسبوع الماضي!
هذا الحفل كان مخصصاً لتخريج طلبة الدفعة الأولى من برنامج تأهيل المسعفين الإماراتيين، الذين تخرجوا أخيراً في البرنامج الذي أطلقه «الإسعاف الوطني»، بالشراكة مع جامعة الشارقة، وشهده الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، حيث كرم سموّه ثلاثة عشر طالباً وطالبة، بعد إكمالهم البرنامج بنجاح، لينضموا رسمياً إلى طواقم الإسعاف الوطني.
واللافت أنه من بين الثلاثة عشر شخصاً الذين أنهوا البرنامج، وحصلوا على التكريم، كان هناك خريج رجل واحد فقط، مقابل 12 خريجة إماراتية سيعملن مسعفات على سيارات الإسعاف في الطرق الخارجية والداخلية، لإنقاذ الأرواح طوال ساعات النهار والليل!
دخول المرأة في هذه المهنة أمر صعب، ليس في الإمارات فقط، بل في جميع أنحاء العالم، حيث تعاني معظم الدول الأوروبية وغير الأوروبية قلة عدد المسعفات، وذلك لصعوبة هذه المهنة، خصوصاً أن معظم قلوب الرجال لا تحتمل مشاهدة نتائج الحوادث المرورية، فكيف بقلب المرأة، والمسعف يتعامل مع حالات حرجة كثيرة، ويحتاج إلى قوة بدنية وذهنية، وقوة قلب، وتركيز ورباطة جأش، لذلك فمن الطبيعي أن تكون غالبية المسعفين في جميع دول العالم من الرجال، إلا الإمارات! فما حدث هنا هو فعلاً إنجاز غير عادي، قد لا يتكرر في مكان آخر، فالإماراتية لم تكتف بالدخول إلى هذه المهنة الصعبة، بل اكتسحتها في أول تجربة، وأول دفعة، والمؤشرات تؤكد أن هذا الاكتساح سيستمر في الدورة التالية!
سُئلت إحدى الخريجات: هل تعرفين معنى أن تكوني مسعفة في سيارة إسعاف؟ هل تدركين ماذا يمكن أن تشاهدي من مناظر مؤلمة قد لا يحتملها الإنسان؟ قالت بثقة: نعم أُدرك كل ذلك، لكنني أدرك أيضاً أن هذه المهنة ستجعلني أُنقذ حياة الناس، فهل تدركون معنى إنقاذ روح بشرية من الموت؟!
خريجة أُخرى سُئلت إن كان اختيارها هذه المهنة جاء لأسباب مالية، فقالت: أُقسم بالله إنني لا أعرف إلى الآن كم سيكون راتبي بعد الالتحاق بالوظيفة، فأنا أتقاضى الآن مكافأة، ولا يهمني أن أعرف، فلم أُفكر حتى في السؤال عن الراتب، وحتى لو قرروا الإبقاء على المكافأة ذاتها، فأنا سعيدة جداً بهذا العمل، ومردوده الحقيقي على المجتمع يُغني عن الكثير من المال!
يا لها من حماسة نادرة! ويا له من برنامج موفّق! ويا لها من مبادرة تعليمية ممتازة لإعداد كوادر إسعافية إماراتية، عبر إكسابهم المعرفة، وتمكينهم من مهارات العمل الإسعافي، بما يشمل الجانبين العلمي والعملي، لتجهيزهم لمزاولة المهنة ميدانياً، بعد استكمالهم البرنامج بنجاح.
المصدر: الإمارات اليوم