كاتبة وإعلامية
الجمعة الماضي كان قاتما في تاريخ الأدب العالمي المعاصر، إذ رحل ثلاثة من أشهر الروائيين بدءا من أقصى الغرب ثم الوسط الى أقصى الشرق، ففي وسط العالم انتهت رحلة الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو الذي ترجمت أعماله إلى عشرات اللغات، ما جعله معروفا على نطاق واسع تماما كما هو الإيطالي أيضا البرتو مورافيا الذي اشتهرت له “العصيان” فيما اشتهرت لإيكو روايته التاريخية “اسم الوردة” التي تعود الى الثلاثينيات الميلادية لترصد متغيرات الواقع الكنسي وتأثير صراعاته في حياة المجتمعات الأوروبية، وهي في الواقع تسجيل لفصول ربما لا تزال معاشة حول الخروج عن سلطة الكنيسة التي أصبحت تعج برجال الدين الفاسدين الذين ينتهون بالمقدسات الى انتهازية تستغل سذاجة العامة وبحثهم عن اليقين.
تلك الرواية انتهت الى فيلم سينمائي مثّل دور البطل فيه نجم هوليوود الشهير شون كونري الذي قدّم سلسلة من أبرز أعمال “جيمس بوند” ومن آخر أعماله فيلم الألفية مع كاثرينا زيتا جونز، وفي فيلم “اسم الوردة” جسد كونري شخصية راهب في القرن الرابع عشر يكافح الخرافات من أجل حل لغز جريمة قتل في دير، وتلك الرواية صنعت الكثير للأديب الراحل، وجعلته بحق أحد أهم الروائيين العالميين، وكما قالت صحيفة “لاريبوبليكا” فإن “العالم فقد واحدا من أهم وجوه الثقافة المعاصرة”، ونضيف الى ذلك ايضا رحيل الروائية الأمريكية المعاصرة هاربر لي، وهي من الأهمية الثقافية والإبداعية بما لا يقل عن إيكو فقد قدمت خلال حياتها حزمة من الأعمال الأدبية التي جعلتها في المقدمة المقروئية وذلك بما أهلّها للحصول على جائزة بوليتزر الأدبية، والميدالية الرئاسية للحرية نظير مجمل أعمالها الأدبية.
وتبدو القيمة الفائقة للروائية الأمريكية في احتلالها لصدارة قائمة أكثر الروائيين مبيعا في الولايات المتحدة الأمريكية في يوليو العام الماضي بعد أن بلغ عدد مبيعات روايتها “اذهب وضع الحارس” أكثر من مليون نسخة عالجت خلالها مسألة التفرقة العنصرية التي عاشتها منذ طفولتها، فيما تمت ترجمة روايتها “أن تقتل عصفورا ساخرا” لأكثر من 40 لغة، حققت معها شهرة عالمية كبيرة تليق بما أنجزته وأبدعته.
وفي أقصى الشرق لوّحت الكاتبة الروائية اليابانية يوكو تسوشيما، بتلويحة الوداع الأخير، بعد أن تركت من إرثها الأدبي روايات “أرض النور”، و”ملاحقة من ضوء الليل” وغيرها، وكثير من أعمالها تدور حول النساء والأمهات ودورهن الاجتماعي، وللمفارقة فقد ألهمها الموت تجربتها الإبداعية فقد انتحر والدها أولى سنوات عمرها ولكنها لم تيأس وإنما أثّرت حياته فيها وألهمتها إبداعيا، وهؤلاء الثلاثة الراحلون يتركون فراغا إبداعيا بحاجة، ربما الى فائقين جدد قد لا يأتون قريبا من واقع إيقاع الحياة السريع والمرتبك بحيث لا يسمح بنمو إبداعي يزهر في الحياة جمالا وألقا يزيل رهق الأيام وأثقالها.
المصدر: صحيفة اليوم السعودية