عبدالرحمن مرشود
عبدالرحمن مرشود
كاتب مهتم بالشأن الثقافي

جماجمنا وسرير بروكرست

السبت ١٧ ديسمبر ٢٠١٦

تتحدث الأسطورة الإغريقية عن "بروكرست"، ذلك الشخص الذي كان يستدرج ضيوفه ويعرض عليهم المبيت في منزله، والنوم على سرير خاص أعدّه للضيوف. ولكنّ سريره ليس كأيّ سرير! فالمؤسف أن عدم تناسب طول الضيف مع السرير أمرٌ يزعج بروكرست كثيرا، ولذلك فإنه يبادر دائما لحلّ تلك المشكلة. فإذا قصُر السرير عن طول الضيف قام بقطع أرجله بالمقدار الكافي ليلائم طول السرير. أما إذا قصُر طول الضيف عن طول السرير، فالحل عنده هو مطّ جسده بكل آلة ممكنة للوصول إلى التناسب المطلوب. إذن، فسرير بروكرست غير قابل للاستغناء أو الاستبدال أو حتى التعديل، بل على الضيوف أن يتشكلوا مع أبعاده المفروضة قسرا، مهما كلفهم ذلك. تداولت شبكات التواصل مؤخرا تسجيلا قديما يظهر فيه الإعلامي الكبير سليمان العيسى "رحمه الله" مع أحد المسؤولين في إدارة الأحوال المدنيّة. يتساءل العيسى عن إمكانية تصغير حجم "البطاقة العائلية" بحيث يسهل حملها في الجيب عند التنقل، فيرد ذلك المسؤول بإجابة ظريفة مقتضاها، أن على المواطنين التعود على تفصيل جيوب ملابسهم بأحجام أكبر، نظرا لأهمية "البطاقة العائلية" كوثيقة أمنية لا يمكن العبث بأبعادها. لا أعرف سرّ بعث هذا التسجيل القديم إلى الوجود من جديد، ولكني أرى فيه تمثيلا مباشرا للعقلية "البروكرستية" التي كانت وما زالت متنفذة في تنظيماتنا الإدارية. بالإمكان تبين العقلية البروكرستية ذاتها على سبيل المثال، في…

موثوقية العرب كما رآها الكوريون

السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١٦

في أحد الأجزاء التي تضمّنها فيلم وثائقي يناقش أسرار نهضة كوريا الجنوبية في العقود الأخيرة، يتلقّى نائب رئيس شركة (إل جي) الكوريّة سؤالاً متعلّقاً بعوامل امتناع نشوء تجارب صناعية في المنطقة العربية مضاهية لما يشهدها بلده، فيجيب استناداً على خبرته العمليّة بمنطقتنا بقوله: "الناس هناك لا يثقون ببعضهم. فعلى سبيل المثال لا يمكن توسّع الشركات العائلية عندهم لأنّ العائلة هناك لا تثق بغير أبنائها، أما الآخرون فهم خارج نطاق الثقة". يومض ذلك المسؤول بشكل عابر إلى تأثير أحد مفاهيم الاقتصاد الحديث وهو (رأس المال الاجتماعي) كما أسماه فرانسيس فوكوياما في كتابه (الثقة - الفضائل الاجتماعيّة ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي)، وهو كتاب حاول فيه فوكوياما بجدية مناقشة أثر الثقافة على نموّ الاقتصاد وخصوصا ما يتعلّق بالبعد الأخلاقيّ منها. يذهب ذلك المفكّر الأميركي المنحدر من أصول يابانيّة إلى أن جوهر العمل الاقتصادي ما زال يقوم على قيمة الثقة، وأنّ تطور طرق الاحتراز الرقابي والقانوني لا يمكنه إزاحة الاعتماد على الثقة في التعاملات الاقتصاديّة. بقدر ما تشيع أجواء الثقة في أحد المجتمعات، تتعزّز فرص التنمية وتسير نحو الأفضل بسلاسة. بل إنّ الاعتماد على هذا الجانب يتجّه نحو التصاعد وليس العكس كما يتوهّم البعض. ومن ذلك ما يزعمه من أنّ ثورة المعلومات التقنيّة التي شهدها العالم مؤخّراً قد أفادت بالدرجة الأولى البلدان التي…