الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠١٣
كيف تتم عملية ملاحقة الفساد والفاسدين في الدول الأقل فسادا حسب مؤشر الفساد؟! العملية سهلة وبسيطة؛ فأول مبدأ لتعزيز النزاهة والقضاء على سبل الفساد هو مبدأ الشفافية، فالفساد لا يرتع وينمو إلا في الجوانب المعتمة، كما هو مشاهد في الدول النامية؛ فمبدأ الشفافية يضمن تكافؤ الفرص، ويضمن أيضا إطلاع الرأي العام ووسائل الإعلام على سير الأعمال الإدارية والمالية، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يجرؤ على تجاوز القوانين على مرأى ومسمع من الجميع. وما يعزز من سيادة مبدأ الشفافية هو تفعيل الرقابة الشعبية عبر التمثيل النيابي، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. ووسائل الإعلام الحرة، التي تمثل السلطة الرابعة، تؤدي دورا بارزا في الدول المتقدمة والأقل فسادا في العالم. ونحن في الدول النامية لدينا خطأ شائع، وهو أننا نطالب وسائل الإعلام (السلطة الرابعة) بحل المشكلات التي تسلط الضوء عليها! والحقيقة أن هذا الدور ليس من مهام وسائل الإعلام، وإنما هو من صميم عمل السلطات الثلاث بحسب نوع التجاوز؛ فإن كان قصورٌ في الأداء الحكومي فهو من واجب الحكومة التي يناط بها إصلاح الخلل، وإن كان قصورٌ تنظيمي أو خلل قانوني فهو من صميم عمل السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشعب والبرلمان، وإن كان فساد مالي أو إداري أو أي شكل من أشكال تجاوزات القانون، فهو من اختصاص السلطة القضائية. فبمجرد الإعلان عن…
الجمعة ١٩ أبريل ٢٠١٣
السلطة المعنوية بعيدا عن السياسة أصبحت موضوعا شائقا، وعني به من قبل المهتمين بكتب تطوير الذات، الذين يقدمون للقرّاء نظريات ونصائح لصناعة القائد والقدرة على التأثير والشخصية الكاريزمية، واستلاب القلوب والألباب، وأصبح الإقبال على مثل هذه الكتب من قبل الإداريين والاقتصاديين يفوق الإقبال على كتب الإدارة الفنية الصرفة وبقية الكتب العلمية. أما في حقل السياسة فالحديث ذو شجون، وإن كان في ظاهره يعد شكلا من أشكال الترف، إلا أنه مرتبط ارتباطا أصيلا بمبادئ سياسية مهمة كالشرعية السياسية على سبيل المثال. فالشرعية السياسية هي في الأساس «ثقة» يمنحها المجتمع للنظام السياسي، ويخوله لإدارة شؤون المجتمع وفق حدوده الجغرافية. وبالطبع الحصول على هذه الثقة ليس بالأمر اليسير؛ ولن يتأتى لأحد الحصول على «الثقة» دون أن يمتلك سلطة معنوية خارقة تمكنه من كسب ثقة المجتمع. ففي مراحل التحولات السياسية فتش المؤرخون عن السلطة المعنوية فوجدوا أن امتلاكها يعد ضمان امتلاك ثقة المجتمع الذي يعتقد أن هذه السلطة المعنوية معبرة عن إرادته، وبالتالي ينتج عن هذا شكل سياسي جديد! فنابليون الذي أجرم في حق الإنسانية، واغتصب السلطة، واحتل أكثر من عشر دول، وأزهقت آلاف الأرواح من أجله، لم يكن ذلك مقبولا لولا سلطته المعنوية التي من خلالها استطاع كسْب ثقة الناس وهو يقودهم إلى الهاوية! والمستشار بيسمارك استطاع من خلال سلطته المعنوية توحيد الولايات…
الجمعة ٢٥ يناير ٢٠١٣
كثيرون نحن الذين استبشرنا بمشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، الذي تمخض عنه نظام القضاء الجديد. فقد كان في السابق على القاضي تحمل عبء النظر في قضايا مختلفة، ولذلك أولى النظام الجديد الاهتمام للجوانب الفنية، وبالتالي أنشئت المحاكم المتخصصة. ونظام القضاء الجديد كما هو معلوم ليس نهاية مشروع تطوير القضاء، وإنما هو إحدى مراحله، وبما أن كل مرحلة من مراحل تطوير أي نظام تصب اهتمامها على جانب مهم من جوانبه، فإنه من الضروري أن تأتي المرحلة اللاحقة لتطوير الجوانب الأخرى بناء على ممارسة النظام على أرض الواقع، ورفع التوصيات التي من شأنها التنبيه للجوانب التي هي بحاجة إلى تطوير. وكما ذكرت فإن هذه المرحلة من مراحل مشروع التطوير العام للقضاء كانت منصبة على الجوانب الفنية، فإنه من الضروري أن تكون المرحلة الأخرى من مراحل التطوير منصبة في حقل الصلاحيات والمهام القضائية. فالسلطة القضائية ليست بالطبع مجرد قاعة محاكمة وإصدار أحكام وحسب، بل تتعدى في مسؤولياتها إلى كل ما له علاقة بمكونات العدالة، ابتداءً من صدور أمر الضبط مروراً بالتحقيق وإلى صدور الحكم القضائي وبقية مراحله من نقض وتمييز وغيرهما. ولعل من الجهات التي لها علاقة بالمهام القضائية ومن الضروري وجودها ضمن حقل القضاء هما النيابة العامة والرقابة العامة، ونحن في السعودية لدينا هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام وهما الجهتان…
الجمعة ١٤ سبتمبر ٢٠١٢
لا جدال في أن أول من أقحم العقيدة الإسلامية في السياسة هم الخوارج، وبالطبع فإن إقحام العقيدة في السياسة ممارسة بشرية سبقت الإسلام، وتنوعت تجاربها بحسب اختلاف دين وسياسة كل أمة. ولعل أشهر تجربة إنسانية أقحمت فيها العقيدة بالسياسة كانت في الوسط المسيحي عندما افترقت الأمة المسيحية سياسيا، وبالتالي كان الكل يبحث عن شرعية دينية تؤيد موقفه، فعزفت سيمفونية التكفير! وانقسمت المسيحية إلى فرقتين عظيمتين الكاثوليك (المذهب العام) والأرثوذكس (الرأي القويم)! أما لدى الخوارج، وحتى ندرك سهولة الموضوع بالنسبة إليهم، يقال إنه كان ثلاثة من رؤوس الخوارج يناقشون أمر علي ومعاوية، فقال الأول، ولعله يُعد ليبراليّهم: أموالهم حلال دون دمائهم، فغضب الثاني وقال: بل حتى دماؤهم، فتدخل الثالث… واحتد النقاش، وانتهت «حفلة التكفير» بتكفير كل واحد منهم لصاحبيه! فافترقوا، كل واحد منهم على رأس فرقة. ولعل الجميع لاحظ أن الاختلاف السياسي، الذي حدث في صدر الإسلام كفتنة مقتل عثمان، وما كان يحدث عند كل بيعة لأحد الخلفاء الراشدين، لم يستدع فيه موضوع العقيدة! بل كانت مداولاتهم تحت قبة الإسلام، أما بعد ما أصبح الأمر بالمجالدة، وتسربت السياسة إلى العقيدة، وجلبتها إلى ميدان الصراع البشري، أصبح التترس بالعقيدة، ورمي المخالفين عقديا البضاعة الرائجة. والمؤسف أن مؤرخي المسلمين وفقهاءهم انطلت عليهم هذه البضاعة المزجاة، وكرسوا هذا التاريخ الذي زيفته السياسة، لذا من…
الجمعة ٠٣ أغسطس ٢٠١٢
مازال المسلمون يعتقدون أن الدولة الأموية سقطت فعلاً على أيدي بني العباس! وأن الدولة العباسية قامت على أنقاض الدولة الأموية بفعل الدعوة السرية وعدد من العوامل الأخرى، ونجحت باقتلاع البيت الأموي من رأس الدولة بعد ثمانين عاماً من الحكم. هكذا يردد بكل سطحية وكأن سقوط الدول يجري بهذه الصورة تماماً كما لو أن الأمر نزهة. لكن المعطيات التاريخية تنقل لنا مآل الدولة الأموية والسبب المباشر في سقوطها. وإلا فالدعوة العباسية كانت قائمة طيلة ثلاثين عاماً قبل أن تنجح في انتهاز الفرصة للوصول للخلافة. بداية لم يكن لآل عباس أدنى طموح سياسي، إذ إن الطموح كان في البيت العلوي، لكن عندما توفي محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، تولى «الأمر» ابنه عبدالله، الذي لم يمهله الموت طويلاً، فقد قيل إنه مات مسموماً على يد سليمان بن عبدالملك، فعندما أحس بدنو أجله أوصى بالأمر لابن عمه علي بن عبدالله بن عباس. ومنذ ذلك اليوم انخرط آل عباس في السياسة حتى نجحوا في الوصول للخلافة وأقصوا العلويين عنها بعد ذلك! وقد ظلت دعوتهم سرية طيلة ثلاثين عاماً كما ذكرت. أما الدولة الأموية فكان السبب الرئيس في السقوط هو الصراع داخل النظام السياسي وعدم مقاومته صيرورة الحياة، فالنظام السياسي التقليدي القائم على حكم الأفراد لا يحيد عن نظرية ابن خلدون حول…