الثلاثاء ١٩ مارس ٢٠١٣
ربما لدى كل منا «فيل أزرق» في ذاكرته. يجعله أسير التفكير به. أسيراً له. وذلك الفيل الأزرق يعيد إلى الأذهان حكاية الخيميائي، الذي أفنى سنوات من عمره في محاولات يائسة لتحويل التراب إلى ذهب، فقصد بعد أن استبد به اليأس والفشل ساحراً طالباً المشورة، وكانت المفاجأة أن قال الساحر: «عد إلى مختبرك وحاول مرة أخرى، ستنجح، ولكن بشرط !». استدرك الساحر مقاطعاً بهجة الرجل الذي سأله بلهفة عن الشرط، فقال الساحر «الشرط ألا تفكر بفيل أزرق قط، وأنت تقوم بالمحاولة». لم يكن شرطاً يستحق القلق فيما يبدو، هذا ما أبهج الخيميائي الذي غادر مستبشراً بنجاح مهمته. لكن ذلك لم يكن من السهولة بمكان حين غدا الفيل الأزرق الذي حذره منه الخيميائي هاجساً يسيطر على تفكيره، ما انفك يخرج في رأسه كل حين. زرع الساحر في ذهن الخيميائي فكرة بسيطة، لكنها إرهابية، صار يعيشها ويعيش بها. هكذا البشر عادة. وهكذا المجتمعات حين تسيطر أفكار سيئة الذكر والسمعة على رؤوس أهلها، بعضهم، أو غالبهم. الأفكار الاجتماعية السلبية التي تهدد حضارة المجتمع وتقدمه هي أكثر الأمور ضرراً على تقدم البلدان. وتناسل الأفكار المرعبة وهمياً من فصيلة الفيل الأزرق، في ذهن البعض منا، تترسب غالباً من خلال مجموعة من العوامل الداخلية مختصة بالفرد وأخرى مختصة بالمجتمع، الذي هو في النهاية تكوين من مجموعة ضخمة…
الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠١٣
تتحفنا الأخبار الغربية بين حين وآخر بمانشيتات مثيرة حول استقالة مسؤول ما إثر فضيحة، أو اعتراف مسؤول آخر مصاحبا بتأنيب ضمير، تعقبه استقالة غالبا. هذا الأمر لايبدو غريبا بل مألوفا. هل يحدث هذا في عالمنا العربي؟. أعتقد أنكم تعرفون الجواب. وعلى أية حال ليس هنا محور الحديث الذي سيأتي، إنما هو فلاشة سريعة للثقافة التي ترتبط غالبا ببنية وثقافة المجتمع. يقسم علماء الاجتماع الثقافات من حيث تعاملها مع «الخطأ» إلى الثقافات المبنية على الشعور بالخزي shame based cultures، ومثالها المجتمعات العربية عامة، والثقافات المبنية على الشعور بالذنب guilt based cultures، ومثالها المجتمعات المدنية/ الغربية عامة. فحين يصدر خطأ ما من شخصية، ذات خلفية ثقافية قائمة على الشعور بالذنب، يصدر عنها شعور عميق بوخز الضمير الفردي، وقد يحدث ردة فعل أقوى من استقالة مسؤول كما في مثالنا الأول، كالانكفاء والألم أو حتى الانتحار. وهنا أتحدث بشكل عام دون النظر إلى الاستثناءات. أما حين يصدر خطأ ما من شخصية ذات خلفية ثقافية قائمة على الشعور بالخزي فيحدث شعور بالخزي إذا تهدد الأمر بالافتضاح فحسب. والمجتمعات العربية قائمة على ثنائية العار والشرف، وهي مجتمعات قبلية الأصل تحتفظ بالإرث القبلي والعشائري في تشكيل الشخصية الفردية، التي هي شخصية المجتمع. وغالب القرارات يتخذها الناس في هذه المجتمعات على هذا الأساس. الضمير الفردي العربي هنا مرتبط…
الثلاثاء ٢٩ يناير ٢٠١٣
أن يتوقع العالم أن تأتي ثورة ما وتغير واقعا سياسيا بائسا، شيءٌ صار ممكناً وإن كان حتى وقت قريب غير قابل للتصديق في زمن قياسي، كما حدث في تونس ومصر. وشيء متعثر صعب كما حدث في بلدان أخرى مثل ليبيا وسوريا، مثالا. حدث أن غيرت الثورات أفكار الشعوب، وأنضجت المفاهيم السياسية كالحرية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون، وما سواها من أسس الدولة الحديثة. لكن التغيير «الجذري» السريع في ثقافات الناس، وفي مجتمعات عربية تضج بمعدل عال من الأمية، إذا ما استثنينا النخب، يبدو الأمر أشبه بالهذر. إلا أنه وبرغم الهذر هذا، أكاد أقول إن الأمية في العالم العربي يفترض أن تقودها النخب، وإن اختلف أحزابهم ومشاربهم. وإن افترضنا جدلا أن تتضمن كل أسرة عربية واحدا أو أكثر من أفراد هذه النخب المثقفة، فستكون الأمية ليست إشكالية مقلقة على أية حال. ولا ننسى أن الشرائح الاجتماعية التي لا تمتلك رأيا حقيقيا في الأوضاع السياسية عادة ما تتبع النخب التي تثق فيها، فتتبنى آرائها طواعية. ويبقى الحذر الأكبر من قيادة بعض الأحزاب والجماعات السياسية في الداخل، تلك التي لا تكترث سوى بطموحاتها الشخصية بعيدا عن طموحات الشعب في النهوض، فتستخدم الشعب مطية لأهدافها فحسب. أحدث الربيع العربي هي تحولات جوهرية في الخريطة السياسية في الشرق الأوسط. وبرغم تغير الوجوه السياسية في دول الربيع…
الثلاثاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٢
الأفكار السيئة هي كالنفايات في رؤوسنا، نعيد تدويرها فتسممنا. نعيش حالات التوتر في حياتنا بين العمل والبيت، وبين محيط أبعد قليلا بكيلومترات عن محيطنا كالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تنقلها إلينا نشرات الأخبار وغيرها. الوضع الذي يمر به العالم العربي سياسيا ليس صحياً دون أدنى شك. وهذا يضيف كمًّا إضافياً لمؤثرات التوتر في محيطنا، وعلى أنفسنا، ومن حولنا. بعيداً عن الأجواء السياسية، وقريباً من محيطنا الأصغر. قرأت مؤخراً تقريراً ملفتاً في صحيفة «وول ستريت جورنال»، حرضني على مشاركتكم بعضاً مما تضمنه، خصوصاً لأولئك في محيط العمل، وبالأخص ذوي المناصب القيادية التنفيذية، ليبتسموا! ليس من شك في أن القياديين الكبار لديهم مسؤوليات جمة وحرجة في آن معاً. لكن العجيب أنهم ربما لا يعانون من التوتر الذي يعانيه من هم أقل رتبة. هذا ما يحاول تقرير بحثي مشترك لمجموعة من الجامعات المرموقة أن يثبته. وهذه الجامعات المشاركة في البحث هي: جامعة هارفارد، وجامعة كاليفورنيا، وجامعة سان دييجو، وجامعة ستانفورد. أجري هذا البحث على 216 مشاركا من مختلف القطاعات الحكومية والعسكرية، رجالاً ونساء، من خلفيات تعليمية، ورواتب، وسنوات عمل متباينة. وقد نُشر هذا البحث مؤخراً بمتابعة من الأكاديمية الوطنية للعلوم. وقد خلص الباحثون إلى أن الأشخاص في المواقع القيادية الكبرى يفرزون مستويات أقل من هرمون الـ «كورتيزول» – وهو هرمون يفرز استجابة للتوتر…
الثلاثاء ٣٠ أكتوبر ٢٠١٢
• أصبحت الشتائم، والقذف، وإثارة الكراهية والعنصرية والطائفية على مواقع التواصل الاجتماعي لدينا، ومع الأسف، أمراً معتاداً. لكنه في بريطانيا ليس «معتاداً» أبداً، حيث تُتهم الشرطة والقضاء في بريطانيا بالتشدد القاسي في «قانون» التعامل مع المشاغبين على الإنترنت الذين يبثون رسائل بذيئة على مواقع التواصل الاجتماعي. والمعتدون في بريطانيا يتعرضون قانونياً للاعتقال ويعاقبون بالغرامة أو السجن لنشرهم تعليقات «مسيئة» عبر حساباتهم على تويتر أو فيسبوك، وذلك لأسباب تعدّ انتهاكاً للقانون، مثل إثارة الكراهية العنصرية أو المضايقة والإزعاج والشتائم. تقول رابطة ضباط الشرطة المؤيدة لهذا القانون: «من حق الناس نشر وجهات نظرهم، لكن عندما تصبح وجهات النظر تلك بذيئة أو تمثل تهديداً فإن من حق من تتعرض له تلك التعليقات أن يشتكي، وستساعد الشرطة في إدانة المتعدي». • ناقشت اللجان القانونية في البرلمان الأوروبي مشروع «قانون» يفرض تخصيص 40% من مقاعد مجالس إدارات الشركات الكبرى لـ«النساء»، تبنت القانون السيدة «فيفيان ريدينج» وهي المفوضة الأوروبية للشؤون العدلية. وهو قانون يسعى لتشريع نسب التكافؤ العددي بين الرجال والنساء في مراكز القرار المؤسساتية، وتُشكل هذه المسألة محور مناقشات عديدة داخل المؤسسات الرسمية الأوروبية. • لفتني خبر على وكالة «شينخوا» الصينية حول «قانون» الصين الصارم نحو الفساد. هذا الخبر جاء ضمن بيان رسمي صدر قبل أيام يقول إن أكثر من 700 ألف مسؤول صيني يتلقون…
الثلاثاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٢
كنت قد تناولت الأسبوع الماضي أهمية الاستراتيجية كمبحث مهم في الإدارة، والأهمية الأكبر التي تكمن في استراتيجية الاستراتيجية. أي في تطبيقها. أحببت هذا الأسبوع أن آتي على سيرة قيادي نموذج للتحول والنجاح والتخطيط المثالي. هذا القيادي لم يؤسس شركة أو مشروعاً أو حتى وزارة، بل أسس دولة: هي ماليزيا “الحديثة”. إنه مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا 1981-2002، الابن الأصغر لتسعة أشقاء، والدهم كان مدرس ابتدائي راتبه لا يكفي لشراء دراجة يذهب بها مهاتير إلى المدرسة. خلال الحرب العالمية الثانية وأثناء الاحتلال الياباني لماليزيا، باع الصبي مهاتير فطائر الموز لتوفير مصروفه ودعم أسرته، حتى التحق بالمدارس العامة ومن ثم بكلية الملك إدوارد السابع الطبية، التي أصبحت الآن جامعة سنغافورة الوطنية، في سنغافورة. وبعد تخرجه عام 1953، خدم مهاتير في الحكومة الماليزية الاتحادية كضابط خدمات طبية، تركها فيما بعد ليمارس أعمالا خاصة. في عام 1970 كتب مهاتير كتاب “معضلة المالايو” انتقد فيه بحدة شعب المالايو واتهمه بالكسل، والتخاذل بأن تبقى ماليزيا زراعية متخلفة دون تطوير. هذا الكتاب أغضب الحزب الحاكم في ماليزيا: “امنعوا كتاب هذا الشاب المتمرد”!. إلا أن هذا المتمرد استطاع بذكاء إقناعهم بقدراته، فصعد نجمه سياسيا حتى تولى رئاسة وزراء البلاد. وكان سكان ماليزيا حتى ذلك العام يعيشون فى الغابات يزرعون الموز وشجر المطاط. ومع تسلمه المنصب، أعلن مهاتير للشعب…
الثلاثاء ٠٤ سبتمبر ٢٠١٢
قبل نحو سبع سنوات، أخبرني صديق ألماني يدعى «بيتر» عن مشروعه الثقافي الضخم. مشروع بحجم طموح بيتر. لكنه أكبر بكثير من ميزانيته المحدودة. بيتر موسيقي يعشق «الثقافة العالمية»، فأراد أن يترك أثرا في هذا العالم. كانت فكرة بيتر هي إنشاء قصر عائم بتصميم أندلسي على شاطئ ماربيا Marbella في إسبانيا، يقيم فيه مهرجانات ثقافية عالمية يدعو إليها أناسا من مختلف دول العالم. في 2006، أرسل لي بيتر الرقم السري للدخول على موقعه الخاص بالمشروع. فتحته فظهر لي مقطع فيديو يبدأ بمشهد لفارس عربي يضرب الصحراء على ظهر فرس، مع مؤثرات صوتية بطابع عربي، ومن ثم تظهر مشاهد عالمية مختلفة بمؤثرات مختلفة. مشهد فروسي كهذا يحرك في جيناتنا العربية الكثير. مشهد يضخ الأدرينالين إلى حد مرهق. ربما التاريخ، ربما الثقافة، ربما الفردوس المفقود في إسبانيا. إلا أن هذه اللقطة بلا شك كانت فكرة تسويقية ذكية ومؤثرة للثقافة العربية تحديدا. لم يكتف بيتر بالحلم بل جاهد كثيرا من أجله لغاية الإصرار والتحدي، فطلب دعما من الحكومة الإسبانية التي وعدته بتوفير جزء من التمويل، إضافة إلى الخدمات اللوجستية. ولأن ذلك التمويل لم يكن كافيا، فقد لجأ إلى دعم خليجي. ولم يتم له ذلك أيضا برغم وعد مستثمر من دولة خليجية مجاورة بتمويل المشروع بمبلغ أربعين مليون يورو. ولأن إسبانيا هي جزء من الاتحاد…