جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

ابنتي رفيدة دعيك من العريس واكملي تعليمك

الخميس ١٤ مارس ٢٠١٣

بين يدي كتاب رائع، ولكن شهادتي فيه مجروحة، فهو " رائع " إذا كنت من أهالي المدينة المنورة أو باحث في الحياة الاجتماعية في المدينة في زمن ما قبل النفط وطفراته التي غيرت شكل الوطن وناسه، الكتاب" شخصيات مميزة في مجتمع المدينة المنورة في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري " عنوان طويل وغير جذاب، ولو كنت مؤلفه الاستاذ محمد صالح عسيلان، لسميته " وجوه مدنية في زمن سعيد" نعم كانت أيام سعيدة يحن إليها جيلنا، رغم صعوبات ذلك الزمان وقلة الخدمات والمال فيه. الكتاب في جزئين، جمع سير وذكريات ووثائق من شهادات وخطابات بخط اليد عن شخصيات عامة شكلت الحياة الاجتماعية في المدينة قديما، ممن تركوا أثرا في الحياة من تجار وأدباء وأطباء ومعلمين وحرفيين، عندما تنتقل بين صفحاته تتشكل لدى القارئ صورة للحياة الاجتماعية في مدينة مترابطة ولكن تمر بعاصفة من تحولات غير مسبوقة فرضتها الحداثة والنهضة وحركة العمران، قصة رائعة عن أب "عابدين ملا"، يعمل كطبيب شعبي وجراح اكتسب خبرته أو ورثها من غيره وليس من جامعة، لكن ابنه أحمد درس الطب في مصر والولايات المتحدة وعاد إلى المدينة المنورة كأول طبيب جراح محترف. تجد بين صفحات الكتاب تحولات في نمط التفكير، تقودها شخصيات، وتمانع أخرى، أتخيل حوار كان يجري حولها في مجالس كانت أشبه بالأندية…

التردد في سورية‏

السبت ٠٩ مارس ٢٠١٣

إنه سيناريو طائفي بغيض، ولكن يحصل حالياً في سورية. ثمة أطباء مترددون بطبعهم، يأتيهم المريض فيوقن الطبيب أنه بحاجة إلى جراحة صعبة، ولكنه يبدأ بشتى العلاجات، لعله وعسى يتحاشى الجراحة الصعبة. من يسيء الظن يقول إن الطبيب يريد أن يتكسب من إطالة مدة العلاج، أو إن الطبيب غير واثق من قدرته على إجراء الجراحة، ومن يحسن الظن يقول إنه يرأف بالمريض ويحاول أن يجد له مخرجاً من دون مخاطرة تعرّض حياته للخطر. كذلك حال الرئيس الأميركي أوباما مع المريض السوري، أما الطبيب الآخر الرئيس الروسي فلادمير بوتين فأمره محسوم ونواياه مفضوحة، ولكن لا مناص من ترك المريض في رعاية ذلك «الكونسرتيوم». لقد قدما وصفة يعلمان أنها غير ناجعة. اتفقا على تكليف وزيري خارجيتهما بالاجتماع والخروج بحل سلمي، إنهما يعلمان أن «السلام» يرفضه تماماً النظام، فهو لا يستطيع أن يعيش به، المعارضة تحتاج إلى السلام، ذلك أنها اضطرت إلى الحرب، أما حديث النظام عن المفاوضات فما هو إلا حملة علاقات عامة. النظام ومعه روسيا الاتحادية يتحدثان عن ضرورة وقف تسليح المعارضة لتوفير أجواء لمفاوضات سلمية بين طرفي النزاع، ولكن لا يوجد «طرفا نزاع» ابتداء، إنما نظام قمعي مصرّ على البقاء في السلطة، وشعب ثائر غاضب يريد الحرية وبناء سورية جديدة. لا يوجد حزب أو طائفة سورية بذاتها تقود الصراع لكي يمكن…

عندما تختل البوصلة الدالة على «القاعدة»

السبت ٠٢ مارس ٢٠١٣

على رغم أن السعودية ذاقت من ويلات «القاعدة» فإن بعض طلاب العلم والدعاة فيها اختلفوا حولها، أحدهم قال عنها وأتباعها إنهم «ليسوا تكفيريين ولا يتساهلون في دماء المسلمين»، ثم تراجع واعترف بخطئه فقال لاحقاً: «بعض المنتسبين إليها عندهم تساهل بالقول بتكفير المسلمين وبإراقة الدماء». شيخ آخر انتقد «القاعدة» في مالي ووصفهم بالمجرمين، ودعاهم إلى «كف شرهم عن الأمة» فأثار موجة حادة من الانتقادات عليه من دعاة آخرين، قالوا إنه بذلك يصطف مع الكفر ضد الإسلام، وردّ عليه واحد من أبرز الدعاة بأنهم «مجاهدون في سبيل الله يريدون تطبيق الشريعة وصد الحملة الفرنسية على مالي، فوصْفهم بالمجرمين ظلم وبغي». هذه الحالة لا تقتصر على السعودية، وإنما تتكرر بدرجات عدة في الدول الإسلامية، فالرئيس المصري محمد مرسي انتقد التدخل الفرنسي ضد «القاعدة» في مالي، ولكن لم يعلن تعاطفه لا مع «القاعدة» ولا مع الحكومة المالية الشرعية التي طلبت وشرعنت التدخل الفرنسي، ما جلب عليه انتقادات حادة من سياسيين مصريين، خصوصاً مع وجود تيار سلفي جهادي صريح في مصر بعضه سلمي ولكنه يرفض العملية الديموقراطية وآخر يمارس العنف في سيناء. في سورية ظهرت «جبهة النصرة» ولم تخفِ تعاطفها مع «القاعدة» وكونها امتداداً أصيلاً لـ «قاعدة» العراق، صنفتها الولايات المتحدة فوراً كجماعة إرهابية، ولكن رفقاءها في السلاح من تيارات إسلامية وسطية وقوى وطنية رفضوا…

من أجل شرق أوسط أفضل يجب إسقاط الأسد

السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٣

«أنتم العرب مثل ذلك الذي يهدد ويتوعد، ولكنه يرحب بمن يمسك به ويهدئه ويمنعه من ضرب خصمه»، سمعت ذلك من سفير أميركي متقاعد خدم في المنطقة أعواماً طويلة، على مائدة عشاء في القاهرة الأسبوع الماضي، بعدما سمع مني ومن غيري عتاباً على السياسة الأميركية التي تبدو غير متحمسة لفعل شيء في سورية لوقف نزيف الدم هناك، بل إنها تمنع حلفاءها في المنطقة من تقديم سلاح ومساعدات نوعية للثوار. كان ذلك قبل يومين من نشر خبر في الصحافة الأميركية الثلاثاء الماضي أن الرئيس أوباما، وبعد أشهر من التردد «يفكر في تسليح الثوار السوريين المعتدلين». إنه خبر جيد للثورة السورية، بغض النظر عمّن هو «الثائر المعتدل»، فثمة عناوين كثيرة في سورية تدخل في هذه الخانة، بل إنهم معظم افراد «الجيش الحر» الذي يمتلك الأميركيون والأتراك والعرب قوائم «تقريبية» تقدر حجمهم وأماكن وجودهم، أما الإسلاميون الذين يخشى أوباما وصول أسلحته وخرائطه إليهم فثمة من هو مهتم بهم ويموِّلهم. المهم الآن أن تنتهي هذه المأساة السورية. إعلان الرئيس الأميركي الأخير قد يفتح الباب أمام العرب والأتراك الذين يهددون ويتوعدون فتنهال مساعداتهم وأسلحتهم النوعية، خصوصاً الصواريخ الحرارية، على «الجيش الحر» لتحييد طيران النظام الذي يقصف به شعبه. ستكون معركة قاسية، وسيقاوم النظام بشراسة وقبح، ولكنه يفعل ذلك الآن، كما يجب عدم المراهنة على نجاح مبادرة…

جمعية أصدقاء ساهر

الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠١٣

دفعت قبل قليل 1300 ريال، هي قيمة ثلاث مخالفات سُجِّلت عليَّ من قبل نظام ساهر المروري، ضياع المال في غير عائد يولّد شعوراً بالمرارة، خاصة تجاه 500 ريال ذهبت نظير مخالفة قطع إشارة مرور، وأنا متأكد أنني لا أقطع إشارة مرور، وقد حاولت معرفة متى وأين حصل ذلك من خلال موقع وزارة الداخلية، فأفادني أنه لا توجد مخالفة بهذا الرقم، رغم أنني سدّدتها بنفس الرقم، بإمكاني أن أتظلم فثمة آلية لذلك، ولكن أنَّى لي أن أغادر البحرين، حيث أعيش، وأذهب إلى إدارة مرور لا أعرف أين هي في الرياض؟ ثم إنني متأكد أنها قضية خاسرة، ذلك أنني قد دفعت سلفاً على طريقة «ادفع ثم اشتكي». توجد لديّ مخالفتا تجاوز سرعة أُقر بهما، وقد وجدتهما تحديداً وتفصيلاً في موقع الوزارة على الشبكة، على عكس مخالفة قطع الإشارة، فلقد تعبت وأنا أقول للسائق لا تسرع خلال رحلة الأسبوع الماضي من الرياض إلى الدمام، فيرد علي «بابا.. لا تخاف، أنا أعرف ساهر فين» حتى صدمنا فلاش جاء من على يسار السيارة، فقال السائق بغضب: «هذا جديد.. ساهر دوماً سيارات على يمين الطريق بينما هذا ماكينة»، قالها كأنما خدعته كاميرات ساهر وخرجت على قواعد متفق عليها، وصلت الدمام معتقداً أن ساهر أصابنا في مقتل مرة واحدة بينما نجح سائقي في «ختل» بقية وحداته المنتشرة…

حان وقت عالم الاقتصاد السعودي في موقع القرار السياسي

السبت ١٦ فبراير ٢٠١٣

ما زلت في رحاب الفيلم التسجيلي «كوماندنغ هايتس» الذي كتبت عنه مقالة الأسبوع الماضي، وقيل إنه الفيلم المفضل عند النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وكثيراً ما يهديه لأصدقائه. لم أحصل على هديتي منه، وإنما شاهدته على «يوتيوب»، وأتمنى أن يشتري الأمير مقرن حقوقه ويهديه للتلفزيون السعودي، ثم يجري حواراً حوله مع بضعة اقتصاديين سعوديين، وأقترح محورين للحوار بعد عرض ساعات الفيلم الست هما: «كم يبعد الاقتصاد السعودي الذي نعرف جميعاً أنه اقتصاد مختلط، عن اقتصاد السوق الكامل والذي ثبت أنه النموذج الأفضل والأنجح؟»، والمحور الثاني: «لو بُعث الاقتصادي الأميركي الشهير ملتون فريدمان من قبره - الأفضل أن نبحث عن أحد تلامذته وهم كثر، وربما يكون أحدهم سعودياً - وطلبنا منه تقديم وصفة لإصلاح الاقتصاد السعودي مثلما فعل في دول عدة، فما هو قائل؟». من الضروري والمفيد أن نغيّر كل المواضيع التي تشغلنا ونضيّع بها أوقاتنا وجهدنا، وتستعر بها خلافاتنا وفرقتنا، إلى الاقتصاد، ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد، ليس في السعودية وحدها، بل في مصر وتونس وكل دولة عربية تريد أن تحول ربيع العرب إلى نعمة تنهض بها، لا نقمة تفتك بها أو فرصة تضيعها. بداية الحديث في الاقتصاد تكون بتعريف وتوصيف حال البلد اقتصادياً، فـ «كوماندنغ هايتس» يقوم على نظرية أن معركة الأفكار الاقتصادية حسمت لصالح…

يا ساري الليل

الأربعاء ١٣ فبراير ٢٠١٣

قرر أحدهم أن التراث الغنائي السعودي القديم فقد مستمعيه، لذلك ندر أن تسمع أغانيَ فوزي محسون أو عبدالله محمد في إذاعات الـ«إف إم»، أحياناً يمنُّون علينا ببعض من قديم طلال مداح ومحمد عبده . أعتقد أن ثمة مستمعين ومتذوقين لتراثنا الغنائي، ولكن يجب أن نعيد تقديمه حتى يعرفه الجيل الجديد، حينها سيقول الأب لابنه: «سامع يا واد الأغاني اللي تطرب». ما زلت أذكر فيديو كليب صور وأنتج بطريقة «أيام زمان» للمطرب البديع ذي الصوت الفخم جداً عبدالله محمد رحمه الله، يقود سيارته الفاخرة آخر الليل وهو يغني رائعته الكلاسيكية «يا ساري الليل» بصوت مفعم بحزن العاشق المحروم، تتهادي السيارة وهو يصف حاله بأنه «ساري الليل، ويهرب من جراحه، فيسري في الليل وحده يبحث عن صباح ما، ولكن الهوى الغدار أثقل عليه بالجراح فيصرخ بآه لا يسمعها أحد». فيديو كليب درامي خطير، بعرف ذلك الزمن الجميل، ولكن يمكن أن يصور من جديد ليخاطب جيل اليوم، يقدم لهم صورة من حياة الآباء والأجداد في الستينات والسبعينات الميلادية، عندما كانت البيوت العائلية الكبيرة تقام فيها الأفراح، تصور الشاب عبدالله محمد، جالساً في سرادق أقيم في ساحة رحيبة وسط الحارة، حوله شباب يحتفلون بسعادة، يرقصون المزمار، مطرب على منصة يغني، الكبار يدخنون الشيش العدني العملاقة، بعضهم متحلق حول جلسة بلوت، نسمع ضحكاً ومزاحاً، عريس…

الأمير مقرن بن عبدالعزيز.. «المدير التنفيذي»

السبت ٠٩ فبراير ٢٠١٣

تسمّرت مساء الأربعاء الماضي أتابع الفيلم التسجيلي (Commanding Heights) الذي عرفت أنه الفيلم المفضل عند الأمير مقرن بن عبدالعزيز، الذي عيّن أخيراً نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وذلك بغرض أن أعرف الأمير أكثر، وهو يتبوأ هذا المنصب الرفيع الذي ينقله إلى الصف الأول في القيادة السعودية، بعدما خدم في مواقع تنفيذية محلية وموقع سياسي هو الرئاسة العامة للاستخبارات. سمعته ذات مرة حينما كان أميراً لمنطقة المدينة المنورة يشكو مما شكا منه غيره من المسؤولين التنفيذيين من «أن أفضل الأفكار والنوايا تقتلها البيروقراطية والأنظمة، ما لم تكن جزءاً من خطة متكاملة». تذكرت ذلك وأنا أتابع الفيلم التسجيلي الذي يمكن ترجمة عنوانه إلى: «مواقع السيطرة العليا»، وقد استعارها مؤلفا الكتاب - الذي يحمل الاسم نفسه قبل تحوله إلى فيلم - من عبارة قالها الزعيم الماركسي فلاديمير لينين للدلالة على مفاصل التحكم الرئيسة في الاقتصاد الوطني، فالذي يمسك بهذه المفاصل ويحسن إدارتها يسيّر بلاده وشعبها إلى حياة أفضل، أو غير ذلك إن لم يحسن الإدارة والتصرف. الذي لفت انتباهي إلى علاقة الكتاب والفيلم بالأمير هو الزميل فهد الأحمدي في عموده الشهير بصحيفة «الرياض»، إذ كتب «بروفايلاً» حافلاً بالمعلومات، وليس مديحاً سمجاً يسطره البعض كلما تسنّم مسؤول منصباً. فهد الأحمدي وهو «مديني» مثلي، عمل مع الأمير عندما كان أميراً للمدينة المنورة، فقدمه في مقالته:…

سانشيرو بطل الأبطال

الجمعة ٠٨ فبراير ٢٠١٣

في دبي مكتبة رائعة تدعى كنوكيونيا، ربما أكبر متجر بيع كتب في الشرق الأوسط، وتستحق مقالاً وحدها فهي فرع من شركة يابانية هائلة بدأت كمتجر لبيع الأخشاب وانتهت بمالكة أكبر سلسلة لمتاجر الكتب، هل من علاقة بين العملين، ربما فالكتب تطبع على ورق والورق يأتي من الخشب . تستطيع أن تمضي ساعات هناك تقرأ ما شئت، أو تقلب الكتب إن كنت من عشاقها، ثم تشتري ما شئت من بين آلاف العناوين أو تمضي راشداً متمتماً في نفسك «ما أكثر الكتب وما أقل الأوقات!». القسم الذي يشدني بعد الإصدارات الجديدة من الكتب العربية السياسة هو «المانجا» اليابانية، بالقرب منه قسم لا يقل «فرجة» لمجسمات شخصيات الرسوم الكارتونية، ففي جمعها هواية مكلفة، لعل بعض الكبار وقد رزقوا مالاً وسعة، يعوضون بها سنوات الحرمان عندما كانوا أطفالاً ولا يستطيعون شراء مجلة سوبرمان واحدة، فكيف بمجسم سوبرمان نفسه؟ «المانجا» تعني في اللغة اليابانية «القصص المصورة» وهي فن واسع الانتشار بينهم، لا تقتصر على الأطفال، بل من العادي جداً أن تجد رجلاً بلباسه الأسود منصرفاً بين صفحات «المانجا» في القطار ولا يلتفت إلى أحد، فاليابانيون يتعاملون معها «مانجتهم» بشكل جاد، ثمة مجلات متخصصة في مغامرات «المانجا» توزع أسبوعياً أكثر من مليون نسخة، وتزيد صفحات الإصدار عن ألف صفحة كلها قصص مسلسلة لمغامرات مغرِقة في الخيال،…

نهاية الربيع العربي… ولكن لا عودة إلى الوراء

السبت ٠٢ فبراير ٢٠١٣

بشار يقول بثقة إن جيشه استعاد زمام المبادرة على الأرض، زوجته حامل، وإشارات متزايدة إلى أن دول المنطقة ملت من الحال السورية، والمعارضة تقف وحدها. مصر تحترق، قادة الرأي هناك ينظرون، ويتجادلون على كل القنوات المصرية والعربية، ويرسلون المطالب، الواحد تلو الآخر للرئيس محمد مرسي، بينما في النافذة المجاورة لهم على الشاشة، صورة لشباب يلقون بأثاث مكاتب حكومية من النافذة، ويحرقون عربة للجيش، فلا يكلّف أحدهم نفسه بجملة: «عودوا يا شباب إلى بيوتكم، لقد فقدنا السيطرة على الثورة»، أقصى ما سيفعله لإظهار قدر من المسؤولية أن يدين العنف من «كل الأطراف»، ذلك أنه يشم رائحة النصر، وقهر مرسي الذي سيرحل، فلعله يحل محله، ثم يدعو لتظاهرات جديدة في الجمعة التالية، وهو يعلم أنها تعني بضعة شباب آخرين يقتلون من دون هدف، غير إعطاء المعارضة ورقة ضغط على النظام، مرسي نفسه فقد السيطرة، فهو يأمر بحظر التجوال، فلا يستجاب له. اغتيالات في ليبيا، وتفجيرات انتحارية في اليمن، وخلافات في تأليف الحكومة في تونس، يبدو أنني زجيت بتونس في السياق، فمقارنة مع إخوانها هي في نعيم كبير. فهل انتهى الربيع العربي؟ نعم لقد انتهى بدفئه ورومانسيته، تحوّل إلى «عالم الواقع» بكل مرارته، وضع اقتصادي مترد، أجهزة حكومية متداعية ورثتها الأنظمة الجديدة، بالطبع لن يقتنع مصري واحد عندما يصرح وزير النقل بأن 85…

ليلة كادت تضيع القدس!

الخميس ٣١ يناير ٢٠١٣

ثمة روايات وأفلام تدور أحداثها كلها خلال يوم واحد أو ليلة واحدة، لكن لا بد أن تكون ليلة أو يوماً حاسماً ومفصلياً، يختاره الروائي بعناية من بين كل الأيام، يختزل في ساعاته حقبة كاملة. ليلة الجمعة 2 يوليو 1192 كانت من تلك الليالي، كان صلاح الدين الأيوبي قد حرّر القدس من الصليبيين قبل ذلك بخمس سنوات، ولكنه أهمل أو عجز أو أغراه فتح بيت المقدس عن إكمال تحرير كامل الساحل الشامي، فترك صوراً بيد الصليبيين التي لجأ إليها المنهزمون في حطين، ومن بعدهم من نجا أو فك أسره من المدن الساحلية الأخرى التي سقطت بيد المسلمين. ثم حصل الأدهى، أثار سقوط القدس ألماً حاداً في أوروبا، وشعوراً بالعار والهزيمة، فتنادوا لحملة صليبية جديدة لاستعادة القدس، فوصلت جيوش جديدة عزّزت موقف الصليبيين، أحيت آمالهم باستعادة مملكتهم وسط شرقنا المسلم، وكان أبرز من وصل ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد، ليكتمل المسرح، ليقف عليه بطلان هما صلاح الدين وريتشارد. في المقابل، لم يحرك تحرير القدس بكل ما مثله ذلك من استعادة للشرف الإسلامي الذي امتهن لأكثر من 90 عاماً، نهضة أو وثبة في العالم الإسلامي مثلما تمنى صلاح الدين، بل أثار خوف الخليفة في بغداد وخشيته من هذا البطل، الذي بات يسيطر على أقاليم إسلامية أكثر مما يحوزها الخليفة نفسه، تاريخ المسلمين كان…

السعودية ومصر تحققان أهداف القمة الاقتصادية العربية

السبت ٢٦ يناير ٢٠١٣

أفكار عظيمة، ووعود مشجعة تلك التي سمعناها من القادة العرب في القمة الاقتصادية العربية التي اختتمت أعمالها في الرياض الأسبوع الماضي. إنهم يريدون تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في كل البلاد العربية، وتحويلها إلى كتلة اقتصادية واحدة منسجمة وناجحة، ترتع شعوبها في بحبوحة ورخاء ووظائف. ولكن لننزل هذه الأفكار العظيمة على واقع العالم العربي، فهل يمكن أن نؤسس وحدة اقتصادية تنساب فيها بلايين الاستثمارات والبضائع والوظائف بين أكبر بلدين عربيين -السعودية ومصر- اللذين يشكلان معاً أكثر من نصف اقتصاد العالم العربي؟ بالطبع لا، ليس لأن التجارة البينية بين هذين العملاقين متواضعة، فهي لا تزيد على 7 بلايين دولار، على رغم أنها الأضخم بين أي بلدين عربيين، وإنما بسبب الاختلاف الكبير في البنية الاقتصادية بين البلدين «الشقيقين» على رغم القرابة الجغرافية والدين والأهل والعشيرة، وقد وصف الرئيس مرسي البلدين بأنهما «قبيلة واحدة» خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض لحضور القمة. فالسعودية دولة رأسمالية، جُلّّ اقتصادها معتمد على النفط، نشطة صناعياً، ووصلت منتجاتها الى الأسواق المصرية، فيها فائض هائل من المال، ولكنها حريصة عليه، فتمضي به حيث تجد ضمانات أكبر لحمايته ولو بعوائد منخفضة. والأهم من كل ذلك أن لديها أيضاً مشكلات عميقة تشوّه بنيتها الاقتصادية، أهمها البطالة، وضعف مخرجات التعليم، واعتماد بلغ حدّ الإدمان على العمالة الأجنبية القليلة الكلفة في كل قطاعاتها الإنتاجية،…