الثلاثاء ٢٧ نوفمبر ٢٠١٢
اضطررت مرة لاستخدام اسم مستعار في عملي الصحفي، فكان أول ما خطر ببالي اسم «أحمد صلاح الدين»، ما جعل زميلاً لي يعتقد أنني اخترت هذا الاسم تحديداً، لأن والدي أحمد، وابني صلاح الدين، ولكن الحقيقة أنني كنت أفكر في أستاذي محمد صلاح الدين . أكثر ما كان يعجبني فيه هو أنه صحفي «ملتزم»، والمقصود بذلك أنه كان صاحب رأي وموقف، ظل مؤثراً وواضحاً في مسيرته الصحفية حتى خطفه الموت قبل أكثر من عام، حاولت ـ ولا أزال ـ أن أكون ذلك الصحفي الملتزم، مع الاحتفاظ بالموضوعية، وقبول الرأي الآخر، وعدم التعصب . كان هذا قليلاً ممّا تعلمته من محمد صلاح الدين، وهو لمن لا يعرفه صحفي سعودي من جيل الرواد الذين احترفوا الصحافة وعملوا في مختلف المواقع فاكتسبوا الخبرة والحرفية معاً، وهذا أمر آخر تعلمته منه؛ أن الصحافة تستحق أن تتفرغ لها وتصبح كل حياتك . ولكني تعلمت منه أموراً أخرى، بعضها شخصي، أهمها التواضع، كان رحمه الله مستعداً لأن يقبل دعوة من أي أحد، ولا يرد من يطلب منه موعداً، خاصة الشباب، فما أكثرَ دعواتنا له ونحن شباب لكي نستشيره أو نستأنس برأيه، ربما عززت خلفيته الدعوية تلك النزعة لديه، كنت أراه يتهلل بالحديث مع الشباب . لم يكن يهمل أي مكالمة تصله، إن لم أجده في مكتبه كنت…
الثلاثاء ٢٠ نوفمبر ٢٠١٢
حضرت المناظرة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومنافسه مت رومني والتي جرت في مدينة بوكو روتان بولاية فلوريدا، مدينة رائعة بكل ما تعنيه الكلمة، بها كل ما تريد في أي مدينة؛ أمريكا بدون الزحام والصخب والجريمة، وفوق ذلك طقس معتدل معظم أيام السنة، إنها المدينة المنتجع للمتقاعدين، في الليلة قبل المناظرة دعاني صديق أمريكي، لمطعم فاخر هناك، حيث عرفني على والده الذي يبلغ 92 من عمره ويعيش متقاعداً هناك، سألته كيف الحياة هنا؟ رد مبتسماً وبصوت أجش «أهلاً بك في غرفة الانتظار». استغفرت ربي فنحن المسلمون لا نحب هذا النوع من المزاح، بالرغم أن الجملة بدت ليلتها أخف وطئاً وهو ينطقها بالإنجليزية، أخذت أفكر فيما قال، معه حق فنحن جميعاً في غرفة انتظار نترقب الموعد الكبير، بعضنا فرصته أفضل ذلك أنه وصل قبلنا في «الدور» والد صديقي من هؤلاء، ويبدو أن اقتراب الموعد لم يعد يخيفه، فهو يعيش لحظة رحيل أحد جيرانه في بوكو روتان كل بضعة أسابيع «من الذي رحل اليوم؟» يقول إنه يسأل أصدقاءه عندما يجتمعون على العشاء بين آونة وأخرى . كأن الأمريكي يعمل كل حياته لضمان ما تبقى له من أيام، بل إن مسألة التقاعد وحقوق المتقاعدين إحدى أهم القضايا السياسية في الانتخابات الأمريكية، بل هي كذلك في كل الدول الغربية ومعها اليابان وكوريا .…
السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٢
الوضع في سورية سيء، ولكن من الممكن أن يكون أسوأ، فالشتاء قادم ومعه المزيد من القتل والمعاناة. حروب أهلية صغيرة داخل الحرب الأهلية الكبرى، كانتونات ومناطق نفوذ، موانئ غير شرعية، جباية ضرائب خارج سلطة الدولة المنهارة والائتلاف الوطني البديل، صراع للسيطرة على هذه الموارد، مذابح ومزيد من المذابح الطائفية وما يتبع ذلك من تهجير، ثم يطفح كل هذا على الجيران وبخاصة في لبنان الضعيف، ربما الأردن أيضاً. يجب الاستعداد جيداً لذلك «اليوم الأسود»، ولكن من الأفضل أن نسعى لمنع حصوله، فذلك أفضل من الانتظار حتى يقتنع الروس أن النظام الذي يدافعون عنه قد انهار حكماً، وعليهم تغيير موقفهم لإنهاء معاناة الشعب، وحتى يبدأ الأميركيون بتنفيذ «المرحلة التالية» من خطتهم التي لا نعرف عنها الكثير. ليت جيران سورية يدركون أن عليهم فعل شيء، ولو خارج المنظومة الدولية لأنهم أول المتضررين. يعلم كل أصدقاء سورية أن النظام لم يعد نظاماً، وإنما أصبح مجرد ميليشيا ولكن لديها سلاح طيران، النظام مهترئ، يقف على الحافة، سيسقط بسرعة، بتدخل إقليمي حازم (طالما أنه من المتعذر اتخاذ موقف دولي)، ولكنهم لا يزالون يدورون في حلقات مفرغة! هل يعقل أن يكون السبب الحقيقي هو خلق دولة فاشلة أخرى – بعد العراق - في المنطقة كخدمة استراتيجية لإسرائيل؟ إذا كان هذا الاحتمال ممكناً في الحالة الأميركية، فإنه غير…
السبت ١٠ نوفمبر ٢٠١٢
فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما بأربعة أعوام أخرى يدير فيها الولايات المتحدة وبعضاً من العالم، خبر جيد لسورية وأيضاً لدول الربيع العربي. منافسه رومني لم يكن يختلف معه في مسألة دعم المعارضة وإسقاط بشار، ولكنه كان يحتاج على الأقل ستة أشهر حتى يفعّل أي سياسة تجاه سورية الدامية، التي لن تكون ضمن أولوياته لو فاز. ستة أشهر أخرى في سورية تعادل «دهراً» على الشعب، وآلافاً آخرين من القتلى والدمار، وتقديم أمل لبشار الأسد وحلفائه بأن ثمة فرصة له أن ينتصر، كيف ينتصر؟ لا يهم، انتصاره هو بقاء نظامه ولو على بلاد مدمرة مقسمة. في ما يخص بلاد الربيع العربي، فرومني كان سيحمل معه رؤية ضيقة متعصبة، تتوجس من حكم الإسلاميين، يكفي أنه سبق لسانه في المناظرة الأخيرة بينه وبين أوباما بفلوريدا، كشف كيف يساوي بين صعود الإسلاميين للحكم في انتخابات حرة هي الأولى في تلك البلدان مع سيطرة «القاعدة» على شمال مالي. رؤية كهذه كانت ستعطل على الأقل أفكاراً إيجابية بدعم بلاد الربيع العربي في نهضتها الجديدة، وهي الفكرة التي أخذت تتبلور بين عواصم العالم، هذا إن لم ينتهِ بمواجهة معها، تعمّق الانقسامات الحادة فيها والمنشغلة بتصفية الحسابات الايديولوجية على حساب النهوض بالمجتمع والاقتصاد، فثمة يمينيون شرسون في بلاد العرب يتماهون مع اليمين المحافظ الأميركي، مستعدون بقبول نظرية «خراب الديار…
السبت ٠٣ نوفمبر ٢٠١٢
هل تذكرون تلك العبارة الشهيرة التي كان الصحافي والكاتب حسني البورظان يرددها في مسلسل «صح النوم»: «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل؟» كان ذلك في زمن ما قبل العولمة، كانت سورية مغلقة وقتها، رجال المخابرات فيها يراقبون الصحف والطرود، وزارة الاقتصاد تفرض مزيداً ومزيداً من السياسات الانغلاقية، رجل الأعمال الأجنبي موضع شبهة، وهو يزور دمشق، ويصبح قضية أمنية خطيرة لو كثرت أسئلته عن عدد مصانع النسيج المتبقية بحي القيمرية، وإنتاج الدولة من القطن لذاك العام. ربما يبدو سؤال البورظان منطقياً أكثر اليوم بفضل العولمة واتفاقات منظمة التجارة العالمية التي حررت التجارة، ولكن ثمة بُعْداً آخر طرأ علينا في العالم العربي، هو الربيع وتحول الحكومات من شمولية إلى ديموقراطيات منتخبة، سيؤدي ذلك إلى مزيد من انفتاحنا جميعاً بعضنا على بعض وعلى العالم من حولنا. بالفعل بات ما يحصل في إيطاليا والبرازيل مؤثراً في اقتصادات العربي حيثما هو، فارتفاع الدخل في الهند والصين هو الذي رفع كلفة الغذاء على مائدتنا، والجفاف في وسط أميركا صغّر حجم رغيف العيش. الكاتب الاقتصادي السعودي عصام الزامل، المعروف باهتمامه بالدفاع عن حقوق المستهلك فسّر لمواطنه ماذا يعني له إعصار «ساندي» الذي ضرب بشراسة شرق الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، فكتب على حسابه في «تويتر»: «كيف يمكن أن يؤثر فينا الإعصار…
الخميس ٠١ نوفمبر ٢٠١٢
حيث إنني مشغول بتأسيس محطة العرب الإخبارية في زمن تتغيّر فيه ملامح وقواعد وأدوات الإعلام كل خمس دقائق، فقد اغتنمت الفرصة أن كنت أمام السيد بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت ومطور البرامج الشهير خلال قمة أبو ظبي الإعلامية، فسألته كيف أوزّع ميزانية تأسيس المحطة الإخبارية بين التلفزيون التقليدي والإعلام الجديد؟ قبل أن أذكر إجابته في نهاية المقال، كان تقديري أن علينا تخصيص 75% للتلفزيون التقليدي و25% للإعلام الجديد، والمقصود هنا هو الإنفاق على المحتوى الذي وإن كان في أصله خبر وتعليق وتحليل ورأي، إلا أن ثمة أكثر من طريقة وأسلوب لصياغته وتوزيعه، التقليدي هو ما ترونه الآن على شاشات الإخباريات العربية، بينما يجلس أحدكم على كنبته المفضلة، و هو أيضاً ما تشاهدونه على شتى الأجهزة المحمولة، ولكن المحتوى الجديد هو الذي يصاغ ويسجل، ليتوافق مع مواقع الإنترنت والأجهزة الزكية، فمشاهدتك لبرنامج «يا هلا» لعلي العلياني على آي فون لا تعني أنه إعلام جديد ما لم تعد صياغته أو ينتج متوازياً بشكل غير ما يبث على التلفزيون. هل كنت واضحاً؟ لا أعتقد، إنها مادة لن تراها على التلفزيون مثلما تراها وتتفاعل معها على غير التلفزيون، وكذلك هي مادة كانت على التلفزيون، ولكنك تراها في وقتك المناسب على هاتفك، أو حتى على تلفزيون تفاعلي، أعتقد أنني عقّدت الصورة أكثر. باختصار الإعلام بات معقداً،…
السبت ٢٧ أكتوبر ٢٠١٢
جلت في باحات جامعة لين بولاية فلوريدا الأميركية الاثنين الماضي، حيث جرت المناظرة الأخيرة بين الرئيس أوباما ومنافسه ميت رومني، التي خصصت للسياسة الخارجية. بدا المكان ككرنفال هائل، عشرات عربات النقل الفضائي متداخلة مع أكشاك بيع «الهوت الدوغ». اجتمع نحو 3000 صحافي لنقل المناظرة الكبرى بين اثنين يريدان إقناع الناخب الأميركي بأن أحدهما هو الأفضل لإدارة أميركا خلال الأعوام الأربعة المقبلة. كان على سورية بجراحها وآلامها أن تجد «حصة» لها في هذا الكرنفال المشغول أولاً وأخيراً بقضاياه الداخلية، وهي الاقتصاد ثم الاقتصاد، وقد حصلت عليه. تصريح من الرئيس أوباما بأنه سيدعم القوى المعتدلة هناك، ومعلومة انفرد بها منافسه رومني أن إيران تؤيد النظام لأنها تريد منفذاً على البحر. خرجت من اللقاء متشائماً، فكيف سيعرف الرئيس أوباما «المعتدلين» بين الثوار هناك ليدعمهم أو على الأقل ليسمح لمن يرغب في دعمهم في ما لو فاز في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل؟ لو كان سامعاً لي لنصحته بأن يعتبر كل الثوار السوريين معتدلين فيدعمهم ثم يستثني من يثبت تطرفه، أما رومني فعلى السوريين أن ينتظروا حتى كانون الثاني (يناير) ليتسلم السلطة ويتعرف على خريطة المنطقة والجيوسياسة فيها بشكل أفضل كي يتخذ قراراً ما. قاتل الله أولئك الذين أطلقوا الصواريخ على السفارة الأميركية في بنغازي فقتلوا السفير اختناقاً وثلاثة أميركيين آخرين، فجعلوا من قضيتهم…
السبت ٢٠ أكتوبر ٢٠١٢
لا أصدق أن يخاطب الرئيس المصري محمد مرسي نظيره الإسرائيلي شيمون بيريز بـ «عزيزي وصديقي العظيم» في خطاب تقديم السفير المصري الجديد لدى إسرائيل. لا بد أن هناك خطاباً بالفعل ولكنه بروتوكولي، أعده موظف في الخارجية المصرية، ولكن إن كان بهذه الصيغة فالموظف إما بليد لم يدرك التحولات التي حصلت في بلاده بوصول الإخوان المسلمين المؤمنين ديناً بمواجهة إسرائيل أو أنه خبيث يريد توريط الرئيس. في الغالب سيجري مرسي عملية إعادة ترتيب في الخارجية لمنع تكرار ذلك. إسرائيل تعلم ذلك، وتعرف مشاعر الإخوان الحقيقية، ولكنها أيضاً مثل الليبراليين العرب، تتربص بهم وتريد إحراجهم، أما في عالم السياسة الحقيقية، فكلا الطرفين يتحاشى أية مواجهة. تجلّى ذلك في «حكمة» رئيس وزرائها المراوغ بنيامين نتانياهو مرات عدة في لحظات حرجة مرت بعلاقات البلدين، ابتداء من أزمة وقف تصدير الغاز التي قلل نتانياهو من شأنها ووصفها بمجرد خلاف تجاري، إلى اقتحام السفارة الإسرائيلية من قبل متظاهرين، فاكتفى بشكر المجلس العسكري الحاكم وقتذاك لحمايته أفراد السفارة، إلى السكوت على انتشار قوات مصرية في سيناء مخالفة بذلك اتفاق السلام. لفهم الموقف الإسرائيلي، يجب العودة قليلاً إلى الوراء، فما من دولة فاجأها وأقلقها الربيع العربي قدر إسرائيل. إنه يحاصرها، ولن تجد غير أن تقفل أبواب حصونها وتتظاهر بالأمن وتمضي بحياتها خلف أسوار عالية، تتصل بالعالم عبر البحار،…
السبت ١٣ أكتوبر ٢٠١٢
لن أقاوم رغبتي الشديدة في أن أكتب «لقد قلتُ هذا من قبل»، بينما أتابع التحولات المثيرة الحاصلة داخل التيار السلفي في مصر. نعم لقد قلتُ هذا في مقال نُشِر هنا قبل أشهر عدة. توقعت فيه أن ينقسم السلفيون هناك، إلى ثلاثة أقسام بعدما يجربوا الديموقراطية وتجربهم، مجموعة منهم ستنضم لجماعة «الإخوان» التي باتت الحزب الحاكم (بعض السلفيين ضعفاء أمام إغراء الطاعة لولي الأمر)، ومجموعة ثانية تملّ السياسة فتعود إلى الدعوة والمساجد، والأخيرة، وهي الأقل حجماً، ستبقى مناكِفة لـ «الإخوان»، مصرّةً على أن ثمة دوراً سياسياً لها. قليل من أفراد المجموعة الأولى سيذوبون في جسم الجماعة، كأعضاء عاملين، لهم ما للأخ المسلم من مزايا وعليهم ما عليه من واجبات، في الغالب لن يكون عدد هؤلاء كبيراً، إذ إن «الإخوان» لا يحبذّون دخول الأعضاء المتقدمين في السن في جماعتهم وإن أبدوا استعداداً لبيعة وقسم، لكن حصل هذا في السابق ويمكن أن يحصل مجدداً. غالبية المتحولين سيكونون أعضاء مؤيدين وأنصاراً، بل لن يمانع «الإخوان» في تسليم بعضهم مسؤوليات قيادية في حزبهم «الحرية والعدالة» ومناصب حكومية، ولهم أن يحتفظوا بتوجهاتهم الفكرية كسلف، فثمة نشطاء كثيرون سلفيون داخل «الإخوان»، ولكنهم منضبطون مع الجماعة تنظيمياً، لأن ليس لـ «الإخوان» تفضيل فقهي أو عقدي، بل حتى عندما طلب مؤسس الحركة حسن البنا من فقيه الجماعة وقتها الشيخ…
السبت ٠٦ أكتوبر ٢٠١٢
لماذا يسعى هذا التيار دوماً إلى حتفه؟ لا يعرف أنصاف الحلول، كل شيء أو لا شيء. ليس دوماً هو التيار السلفي الجهادي، بل موجود أيضاً في المدرسة الديوبندية الهندية. حتى السلفيون ليسوا واحداً، الملك عبدالعزيز الذي احتفلنا نحن السعوديين منذ فترة قريبة بذكرى اليوم الوطني للدولة التي أسسها، هو من أحيا السلفية المعاصرة. كان سلفياً حقيقياً، ولكنه كان سياسياً أيضاً، يناور الكبار ويقرب الصغار وينتصر في النهاية. قبل التشويه الذي لحق بالسلفية الجهادية، عندما استخدم غلاةٌ هاتين الصفتين النبيلتين في المسلم، كان كل ناشط مسلم يجدد هذا الدين، يجمع بين السلفية التي تسعى لإحياء الدين والجهاد. صلاح الدين الأيوبي، ومِن قبله عماد الدين زنكي كانا كذلك، جهاديَّيْن سلفيَّيْن، هل تريدون قصصاً حماسية عن تحريض هذين الزعيمين للعامة على الجهاد؟ لقد استخدما أساليب تشبه أساليب الحركات الإسلامية المعاصرة، ببث فكرة الجهاد وسط العامة بواسطة الوعاظ والخطباء، ليس في المساجد أيام الجمعة، بل في الأوقات كلها، وخارج المساجد، وفي المناسبات والاحتفالات، ثمة قصص عن فتيان صلاح الدين الجهاديين الذين هم أشبه ما يكونون بفدائيي هذه الأيام، عملوا عقوداً لبناء جيل مجاهد ينتصر في النهاية على الصليبيين، ويوحّد بعضاً من بلاد المسلمين التي انتثرت شذر مذر. أسَّسوا إدارات محلية ناجحة في دمشق وحلب والقاهرة، فكانوا رحماء بالناس، يتدرجون في وعظهم، يقيمون الأمر بالمعروف…
الخميس ٠٤ أكتوبر ٢٠١٢
العلاقة بين الفن والدين ليست جيدة، ليس عندنا فقط بل في الغرب أيضاً، ولكنهم في الغرب غير متدينين بالجملة، فبالتالي لا تظهر المشكلة عندهم بذلك الشكل الحاد الذي ينفجر عندنا بين آونة وأخرى. فالفنان يريد أن يكون حراً، لا تحده حدود ولا ضوابط، متدثراً بعبارة فضفاضة هي «الإبداع»، ومكرراً لجملة صادقة «القيود تحد من الإبداع»، لذلك لا أتوقع أن تهدأ هذه العلاقة المتوترة، خصوصاً عندنا، فنحن متدينون بالجملة، بل حتى المقصر منا لا يحتمل أي إساءة للدين، ولكن بعضنا يتوسع في محاولة إلزام الفن بحلال وحرام الدين، فالممثل عبد من عباد الله، عليه أن يلتزم بأوامره ونواهيه، وهنا مساحة شائكة لن أدخل فيها تحاشياً أن تكون من الحمى الذي إن حمت حوله وقعت فيه. هذا القياس غير موجود في الغرب، فالأديان ومقدساتها مساحة مشاعة، ولا تتردد السينما هناك في تجاوز كل الخطوط الحمر، تحتج الكنيسة، وجمعيات «المراقبة» الأهلية، أحياناً يتظاهرون ولكن في النهاية يمضي السينمائي بمشروعه، وكذلك المشاهد، أفلام ومسرحيات أثارت جدلاً وأصبحت قصصها مجرد جزء من تاريخ السينما، من فيلم «الإغواء الأخير للمسيح»، إلى مسرحية «عيسى المسيح سوبر ستار»، وسلسلة لا تنتهي من الأعمال الفنية. حتى التلفزيون، الذي يفترض أن يكون أكثر التزاماً، ذلك أنه يدخل البيوت من دون استئذان، تجاوز الخطوط الحمر، مثل مسلسل «فاملي قاي» الكرتوني، الذي…
الأحد ٣٠ سبتمبر ٢٠١٢
احتفلنا قبل أيام في السعودية بيومنا الوطني، فدعيت للمشاركة في البرنامج الحواري الشهير «الثامنة مع داود الشريان»، فجرى حديث صريح بحثاً عن حلول للبطالة التي عكرت صفو يومنا الوطني، إذ عبّر كثير من الشباب السعوديين في ذلك اليوم عن إحساسهم بتخلي الوطن عنهم وهم يتقلبون في نير «البطالة والفراغ» اللذين قيل فيهما «مفسدة وأي مفسدة»، فقلت إن ما من حل جذري ممكن لها إلا أن نرجع «بلداً طبيعياً» بالتحرر من الاعتماد المطلق على العمالة الأجنبية. أغرتني جملة «أخرجوا الأجانب من جزيرة العرب» فقلتها، فتداخل معي الأستاذ الشريان صاحب اللسان اللاذع فقال «تقصد العمالة.. العمالة»، إذ لا يريد إحياء ذلك الشعار الذي استخدمته «القاعدة» في حربها على الدولة والمجتمع قبل سنوات، فوظفوا الحديث النبوي الصحيح «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» في غير مقصده، بغية تدمير اقتصاد البلاد وعزلها عن العالم، وذلك قبل أن تكسر الدولة شوكتهم. بالطبع لم أقصد إخراج الأجانب بإطلاق العبارة من دون تقييد، فالمملكة بلد منفتح، وذات اقتصاد حر وتريد أن تكون «جزءاً من العالم ولن تنسلخ عنه»، وهي جملة بليغة قالها العاهل السعودي الملك عبدالله قبل سنوات في إحدى وصاياه التاريخية التي شكّل ورسم بها مستقبل المملكة وحاضرها، وبالتالي سيبقى أجانب فيها يشاركوننا حياة سعيدة نسعى إليها. ولكن الوضع الحالي غير طبيعي، فتعداد سكان المملكة اقترب من…