الثلاثاء ١٤ أغسطس ٢٠١٢
في معرض «الحج قلب الإسلام» الذي نظم في المتحف البريطاني قبيل الصيف وقد كتبت عنه هنا من قبل، لفت انتباهي جزء مخصص ليوميات الحج كتبها بأشكال مختلفة حجاج أسعدهم الله بزيارة مكة والمدينة، بعضهم تحولت يومياته إلى كتاب ومرجع تاريخي يوثق لمرحلة، مثل البيجوم نواب إسكندر التي كانت حاكمة لولاية في الهند، وقد حجّت قبل نحو 150 عاماً «1863»، وثمة مسألة عائلية تهمني في تاريخ هذه السيدة، وهي أنها أرسلت تعميداً بإعفاء جد للعائلة من خدمة رعايا إمارتها، ولم يكن ذلك شكوى منها، وإنما لأنه كان يخدم آلاف الحجاج من الهند ورأت أن ذلك فوق طاقته، وأرادت معاملة خاصة لرعاياها، فكلفت السيد أحمد أبو الجود بذلك، وأعفت الجد عبدالقادر خاشقجي رحمهما الله، ولا أعرف فيما إذا بقيا أصدقاء بعد ذلك، ولكن لا تزال العائلتان موجودتين في المدينة وبينهما صهر ورحم، ولا يزال بعض أبنائهما يخدم زوار المدينة الهنود من خلال المؤسسة الأهلية للأدلاء، و«الأدلاء» هنا نظير «المطوفين» في مكة، فوكلاء الحجيج في مكة يطلق عليهم مطوفون وفي المدينة أدلاء. هذه الوثيقة كانت معروضة في المعرض وقد كتبت بخط عربي أنيق ومذهبة، ما يدل على ثراء تلك السيدة التي تتأنق حتى في خطاباتها الرسمية، أما كتابُها فلا أعرف فيما إذا ترجم للعربية ولكنه يستحق الترجمة، ولمن يقرأ بالإنجليزية فالكتاب متوافر في…
السبت ١١ أغسطس ٢٠١٢
رسم الصراع أو التنافس أو التدافع بين السعودية وإيران شكل العلاقات الإقليمية طوال ربع القرن الماضي. الربع المقبل قد يخصص لصراع وتنافس وتدافع بين «الإخوان المسلمين» وإيران، إلا إذا تغيّرت إيران وأصبحت تركيا أخرى، بالطبع من دون أن تغيّر مذهبها، يكفي أن تغير سياستها. ثمة أسباب وجيهة للخلاف بين «الإخوان» وإيران، فكلاهما «أصولي»، والأصوليون إن اختلفوا اصطدموا، هذه القاعدة الأولى والأساسية، بقية الأسباب تدور حول سياسة إيران الخارجية، علاقاتها الإقليمية، وطائفيتها، وثأر قديم تجدد بشكل أكبر وأكثر إيلاماً في سورية. غالب المحللين السياسيين العرب ذوي الخلفيات الليبرالية، ذهبوا إلى احتمال أن يتحالف الأصوليون فيقترب «الإخوان» مع صعودهم الى السلطة من الجمهورية الإسلامية في إيران. هؤلاء لم يسبروا عمق الاختلاف بينهما، العامل المشترك الوحيد بينهما هو الخطاب التعبوي المؤيد للمقاومة والمعادي للغرب. ولكنهم مختلفون في مسائل حقيقية على الأرض. سورية تحديداً وموقف إيران منها كسر آخر جرة بين الاثنين، وقبلها سعي إيران لنشر التشيّع ومد النفوذ من حولها ومناكفة دول الخليج التي يفضل «الإخوان» علاقة معها على علاقة مع إيران. إيران من جهتها لا تطمئن لـ «الإخوان». بين يدي وثيقة أشرت إليها في مقال سابق عن العلاقات الطائفية بين النظامين السوري والإيراني ولم أجدها يومذاك، وقد بحثت عنها في مكتبي فوجدتها قبل أيام، توافَق ساعتها أن كانت قناة «العربية» تبث فيلماً…
الأربعاء ٠٨ أغسطس ٢٠١٢
رمضان كريم، شهر الصوم والعمرة أيضاً، تجربة العمرة في رمضان ممتعة وثرية، ويمكن أن تكون علاجاً لضغوط تكالبت علينا، من منا بلا ضغوط وذكريات أليمة؟ هل يمكن إفراغها أمام الكعبة؟ هل يمكن أن أتحرر منها وأنا أطوف وأسعى؟ ربما، ولكن يستلزم ذلك أن تنتقل من «عادات» العمرة إلى معانيها، تسمو إلى روحانية المكان ومخ العبادة، تتأمل معاني الأدعية المأثورة وتختار بصدق الأدعية التي تخصك، فتناجي ربك، خصوصاً أمرك، من طلب مغفرة ورزق وشفاء مريض، ورد حبيب، أو فقط أن يصبرك وينسيك هماً تحمله، ادعُ بالأدعية المأثورة وتأمل دقائق معانيها، ولكن أضف عليها أدعيتك، سمِ الأشخاص، ادعُ لهم ولا تدعُ على أحد، بل سامحهم وأنت تنظر إلى الكعبة، سامحهم بصدق، ولكن اصرف وقتاً أطول لمن تحب، اكتب ما تريد قبل دخولك للحرم، فهناك تضيع الكلمات، اختر مكاناً تستطيع أن ترى منه الكعبة، تأملها، إن لها هيبة غير عادية على بساطتها. عندما تطوف لا تنشغل بما ترى غير الكعبة، لا تنظر إلى الأشخاص، بل انظر في معنى وجودهم هناك، حاول أن تذوب في مجموعهم، فتطوف معهم في حركة تنساب حول المركز، المركز هو الكعبة، الله، العفو، الوصول، الغفران، استمر بالطواف والتسبيح، والدعاء، استشعر الله عز وجل، إنه يسمعك، لم تكن قريباً منه مثلما أنت الآن، حاول أن ترى نفسك من عالٍ، كأن…
السبت ٠٤ أغسطس ٢٠١٢
لم يشر البيان السعودي بدعوة خادم الحرمين الملك عبدالله لمؤتمر التضامن الإسلامي في نهاية رمضان الجاري، إلى دعوة «التضامن الإسلامي» التي نشطت في الستينات الميلادية أو إلى مؤسسها المغفور له الملك فيصل، ولكن الإعلان عنها استدعى على الفور صورةَ مؤسسها وذكرياتها وأدبياتها. من الصعب أن تجد تعريفاً لحركة التضامن الإسلامي يشرحها أفضل من اسمها المباشر، ولعل ذلك سر قوتها وقتذاك وسر قوتها اليوم، لو اتبع النهج نفسه، إنها دعوة للتضامن بين المسلمين، بغض النظر عن مذاهبهم وأعراقهم، مسلمون وكفى، عبارة راجت في تلك الفترة واستخدمت عنواناً لبرنامج في الإذاعة السعودية. كانت حركةً لمواجهة الشيوعية، التي نشطت يومها وتمددت بالثورات والانقلابات، وكانت اختيار «التغيير» للشباب، بما في ذلك العرب والمسلمون. ودخلت الحركة مع الشيوعية في معركة شرسة، ذلك أنه ما كانت ثمة نقطة لقاء بين الإسلام والشيوعية، التي تحمل موقفاً مبدئياً معادياً للأديان. وكانت حركةً لمواجهة «القومية العربية» التي قُدمت «بديلاً» للإسلام، ولكنها لم تكن ضد الانتماء القومي المتكامل معه. كان الفيصل يفخر بانتمائه العربي ولكن يقدم عليه اعتزازه بالإسلام، فشكّل بذلك تياراً عروبياً إسلامياً نجح في خلق توازن خفف من غلو التعصب القومي، الخطاب الرائج وقتذاك للقوى التقدمية العربية. كانت حركةً للدفاع عن الإسلام، الذي استهدفته وقيمه ومرجعيته هجمة شرسة، حين انقسم العرب بين معسكرين: «الرجعية» و «التقدمية»، وكان الإسلام…
الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢
بدأت بكتابة مقالي في شرفة مطلة على مدينة أوسلو، منظر رائع، بحر وبحيرات وخضرة على مد البصر، المدينة أنيقة ولكن ليست فارهة، على رغم أنها تنفق الكثير في بناء معالم حضارية عدة، آخرها دار الأوبرا.قال لي رفيقي الفرنسي في الرحلة، هذه المدينة تذكرني بدبي، كلما زرتها أجد فيها شيئاً جديداً، لم أشاركه الرأي، فهي مدينة أوروبية ثرية، ولكن بدون مبالغة، يختلف الأوروبيون عن العرب والأمريكيين في إنفاق المال، إنهم يضعونه في المكان الصحيح. إيرلندا مثلاً، وهي مديونة اليوم بسبب إنفاقها المبالغ فيه في زمن الرخاء، إلا أن مشاريعها لم تكن عبثية، بنت شبكة طرق ممتازة ستبقى لأجيال قادمة، دبلن تكاد تكون متواضعة، هل هو بخل؟ هل من الضروري عندما ينعم الله عليّ أن أعيش في قصر منيف على 10 آلاف متر مربع، مغني البوب الراحل مايكل جاكسون فعل ذلك، ولكن «وران بوفيت»، وهو أغنى منه، لا يزال يعيش في بيته المتواضع الذي اشتراه قبل 54 عاماً، إنه ليس متواضعاً تماماً، إذ أجرى عليه تحسينات، ولكن يظل بيتاً عادياً بالمقارنة ببيوت بعض محدثي النعمة. كم يحتاج الإنسان مساحة ليعيش سعيداً؟ ليس هذا موضوعنا، وإنما حديثي عن النرويج، كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءً عندما بدأت أكتب موضوعي هذا، وكل ما حولي يوحي بأن الوقت لا يزال عصراً، ذلك أن النرويج في…
السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢
مع احتفال مصر بثورة 23 يوليو انفجر جدل هناك، كيف نحتفل بثورة يوليو وقد أسقطناها في 25 يناير؟ طرح هذا السؤال بقوة. الشباب هم الذين كانوا يتساءلون أكثر. بالنسبة اليهم ثورة يوليو تمثل «حكم العسكر» والقمع والاستبداد، إنها الأم الحاضنة لنظام مبارك الذي انتفضوا ضده. أسئلة أخرى عن «تعارض» احتفال الرئيس الجديد محمد مرسي بذكرى الثورة مع كونه من «الإخوان» الذين ناصبتهم الثورة العداء وناصبوها مثله. بالطبع كان هناك من يدافع عن الثورة، ويبرز إنجازاتها ويقول إن «25 يناير» ستصحح أخطاءها. الرئيس مرسي قال قولاً كهذا في كلمته بمناسبة الثورة. يمكن تفسير كل ما سبق على أنه صراع سياسي، ولكنه أيضاً صراع طبقي. إنها أصوات الطبقة الشعبية الجديدة المهمشة التي وجدت مكاناً لها تحت الشمس المصرية بعد 25 يناير، «ولكن أهم إنجازات ثورة يوليو هو إلغاء الطبقية وحكم الإقطاع وانحيازها للمهمشين من عمال وفلاحين».. سيصرخ فينا أحد المدافعين عنها. إنه صادق، ولكنها وخلال سنوات قليلة شكلت طبقتها الحاكمة الجديدة، بعدما تحولت إلى ديكتاتورية. الديموقراطية هي التي تمنع استئساد الطبقات الحاكمة وإن كانت لا تلغيها. فالأثرياء فرصهم في التعلم أفضل، وبالتالي حظوظهم في لعبة الديموقراطية أكبر، ولكنها لا تمنع أصحاب الكفاءة من تدرج عتباتها بينما الديكتاتورية تمنعهم من ذلك، فهي تقدم الولاء على الخبرة والإتقان. إلغاء الطبقية التي حكمت العالم العربي…
الإثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
سيستيقظ قادة المنطقة ذات صباح قريب على شرق أوسط من دون بشار الأسد، وعلى سورية متفتحة عليهم، من دون نظام قمعي شمولي، خطفها بعيداً عن عالمهم وأغلق أبوابها عليهم، وحوّلها من شريك إلى تهديد، كلهم يعلمون أن ذلك سيؤثر في بلدانهم بشكل أو بآخر. إنه عالم جديد يطلون عليه في ذلك الصباح بكل ما فيه من فرص ومخاطر وتحديات. أخيراً سقط النظام ومن الداخل، ومن دون تدخل منهم، يتنفسون الصعداء، فلم يكونوا يرغبون في التدخل مباشرة حيث مخاطر حرب لا تضمن عواقبها على دولهم. كان رأي خبراء الأمن عندهم أن لا داعي للتورط فيها طالما أن السوريين يقومون بواجبهم، اكتفوا بالدعم المالي وبعض من السلاح والسماح للمعارضة بحرية الحركة، ولكنهم قلقون الآن من تداعيات الوضع المنهار في سورية. بالكاد نجت من حرب أهلية ماحقة. لقد انهار الجيش النظامي، تفرق بين منشق وهارب، لم يقم بشبه انقلاب كالجيش التونسي أو يحافظ على الدولة ويسمح بالثورة كما فعل المصري. حارب حتى الرمق الأخير، تفكك بين منشق التحق بـ «الجيش الحر»، وفار ألقى بسلاحه والتحق بعشيرته لتحميه، باستثناء أفراده العلويين الذين انسحبوا بشكل منظم الى جبالهم وقراهم بكامل عتادهم وعتاد غيرهم، وهنا مساحة تدعو للقلق وملف خطر لم يغلق بعد في سورية الجديدة. لم تنجح المعارضة في توحيد «الجيش الحر» فلا توجد غرفة…
السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢
إذا كان ثمة محررة أزياء بارعة في هذه المجلة، فعليها أن تحمل قلمها وكاميرتها وتتوجه إلى شارع نايتس بريدج الراقي في لندن، وتجلس على طاولة مقهى لتراقب السعوديات والخليجيات وهن يستعرضن آخر موضات الحجاب، نعم بات أخيراً للحجاب موضة. سأبتعد عن الدين والحلال والحرام، ولكنى أميل إلى أن ما من عالم شرعي سيجيز هذا الكرنفال من الألوان والأشكال المسماة «حجاب». من الواضح أن «الحجاب» يسبب أزمة هوية لبعض السيدات والفتيات، لذا أقترح على زميلتنا الصحفية التي تركتها قبل أسطر أن تسأل الفتيات: لماذا تتحجبن؟ على افتراض أن ما يرتدينه حجاب، فإن كانت الإجابة: دين وتقوى وامتثال لأمر الله عز وجل، فعليها أن تحيلهن إلى العالم الشرعي الذي تركناه في الفقرة السابقة يشرح لهن الحلال والحرام وشروط الحجاب الشرعي، وما يمكن للمرأة أن تظهره وما وجب عليها أن تخفيه، إلى نهاية المعالجة الدينية للموضوع. أما إن كانت الإجابة: إنها «تتحجب» عادة أو حتى لا يراها من يعرفها فيقول رأينا بنت فلان «سافرة» في نايتس بريدج فتحرج والدها أو تعطل حظها في الزواج لما سيلحق بها من «إشاعات» نتيجة هذا الفعل في ذلك الصيف وذاك الشارع، فحينها نتفهم الكرنفال السنوى لخليجيات نايتس بريدج. شاهدت من تسير بعباءتها، وقد تجمّلت وبان شعرها الأسود المصفوف بعناية، سألت خبيرة: كم من الوقت تحتاج المرأة لتصفف…
السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢
باستقبالها الحافل للرئيس محمد مرسي الأربعاء الماضي، وجّهت المملكة 3 رسائل صريحة وواضحة، لمصر ورئيسها الجديد والقوى السياسية فيها، وهي «لا مشكلة عندنا مع الثورة، ولا مع الإخوان، وتجاوزنا مثلكم مرحلة مبارك»، وبالتالي لنا أن نتخيل المستقبل بين البلدين كورقة بيضاء كبيرة على ملف كبير «بعجره وبجره» اسمه «العلاقات السعودية المصرية». الرسالة نفسها موجهة أيضاً للداخل السعودي بتياره الليبرالي الذي انشغل بالتخويف من صعود «الإخوان المسلمين»، وتياره الديني الذي يرى في «الإخوان» منافساً له، لنضع ما سبق خلفنا ولنمضي معاً نحو آفاق واسعة لا حدود لها في العلاقة بين البلدين في زمن متغيّر. يعرف البلدان فائدة الشراكة بينهما واحتمالاتها، ثمة تجارب لذلك، ولكن الزمن العربي القديم أحبط جلها، ذلك أنه كان مليئاً بالشخصنة والتقلبات السياسية والفساد والمصالح الخاصة. الروح الجديدة السائدة في العالم العربي والقائمة على الانتخاب والشفافية والمحاسبة تعطي تفاؤلاً بأن إحباطات الماضي لن تتكرر. لنتخيل السعودية ومصر تحييان «الهيئة العربية للتصنيع» وفق تلك الفكرة الرومانسية التي انطلقت بها عام 1975. كانت مصر تعيش نهضة ما بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر)، بينما المملكة ودول الخليج تنهال عليها إيرادات مالية غير مسبوقة بفضل ارتفاع سعر النفط بسبب تلك الحرب، فانطلقت فكرة اجتماع المال العربي مع الخبرة واليد العاملة المصرية، فخصص للهيئة نحو بليوني دولار ضختها المملكة وقطر والإمارات، وهو مبلغ…
السبت ٠٧ يوليو ٢٠١٢
بغض النظر عن تفاصيل نظام الرهن العقاري الذي صدر في المملكة الأسبوع الماضي، وانقسام الخبراء بين مرحب ومنتقد له، فإن حقيقة أن الحكومة السعودية حسمت أمرها وأصدرت النظام الذي أشبع بحثاً في مجلس الشورى ثم رفع إلى مجلس الوزراء منذ سنوات فتأخر هناك، إنما هو دلالة واضحة جلية على أن السعودية تريد أن تكون بلداً طبيعياً يحكم بقواعد الاقتصاد الحر وأدواته وليس دولة رعوية ينفق فيها الحاكم على شعبه فيوفر لهم السكن والعلاج والرعاية. أعلم أن جملة «دولة طبيعية» مستفزة، ولكني كسعودي أجد أن كثيراً من سياسات المملكة «استثنائية» وغير طبيعية وما كان لخبير اقتصادي سعودي تخرج في إحدى الجامعات الغربية المرموقة، ثم تبوأ أرفع الوظائف في بلاده، أن يوافق عليها لولا القدرة النفطية «الاستثنائية» التي تتمتع بها البلاد التي مكّنتها من ممارسة سياسة اقتصادية استثنائية، مثل أن تكون الدولة هي التي توزع المساكن على المواطنين، وهي سياسة ثبت فشلها، في السعودية وغيرها، لا لشيء غير أنها سياسة اقتصادية «غير طبيعية» تتنافى مع قوانين الاقتصاد الحر التي تعتمدها المملكة، ولكنها أحياناً تتصرف بمنطق الدولة الاشتراكية، وليتها تحصر ذلك فقط في مسائل الرعاية الاجتماعية والصحة والتعليم، وتبتعد عن كل ما له علاقة بعروض التجارة. الطبيعي هو ترك السكن إلى اقتصاد السوق الحر وأن تقصر الدولة دورها في أن تكون المشرِّع والمراقب…
الخميس ٠٥ يوليو ٢٠١٢
أسافر كثيراً، كلما كنت في مطار، ولدي الوقت الكافي للتسكع في سوقه الحرة، أتوجه لقسم العطور فيه، أبحث عن عطر أرامس، أبخ منه عدة بخات، ثم أمضي خارجه دون أن أشتري زجاجة منه، استنشق عطره الذي يذكرني بأيام زمان.. زمان جداً. أرامس من العطور الكلاسيكية التي بقيت حتى اليوم، قليل هي العطور التي تعيش أكثر من عقد من الزمان، ولكن أرامس واحد منها، عرفته منذ أيام الثانوية عندما اشتريت في العيد أول زجاجة منه، كانت بنحو 60 ريالاً، مبلغ كبير بأسعار ذلك الزمن، ربما لو وفرت قيمة عشرة منها لاشتريت قطعة أرض بأسعار ذلك الزمان. لا بد أن لدى النساء أيضاً عطوراً كلاسيكية، تعطرت بها الأم والجدة والحفيدة اليوم، أخمن أن شانيل 5 منها. أرامس ورائحته القوية تحملني إلى أيام زمان، أتذكرها الآن مبتسماً، في المدينة المنورة التي رحلت، بكل تفاصيلها الجميلة، بناسها وعاداتها، ليس بمبانيها فقط، حتى البلاد التي مرت بحرب وقصف، بقي بعض من عبق تاريخها، وحافظت على شخصيتها، المدينة لم تمر بحرب وإنما مرت بعاصفة سميناها «نهضة» أو «طفرة». ما الذي أحن إليه في مدينتي؟ اللون البني الغامق في أعمدة الحرم المدني بعمارته المجيدية العثمانية التي لا تزال قائمة «الحمد لله»، كان يضفي على المكان هدوءاً وشعوراً بالبرودة، أحد ما قرر أن البني الغامق غير مناسب، واستبدله…
السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢
«أخطر 48 ساعة في تاريخ مصر» كان هذا مانشيت صحيفة «الأهرام» صباح الثلثاء الماضي، مانشيت مقلق لكل مصري يصطدم به ذلك الصباح، ولكنه مقلق أيضاً للسعوديين الذين انشغلوا في اليوم نفسه وما قبله بإعادة ترتيب مؤسسة الحكم، بعد الوفاة المفاجئة لولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز، ذلك أن أخطر أيام مصر هي أخطر أيام السعودية. صُدم السعوديون بخبر وفاة الأمير نايف، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة، ولكن قوة مؤسسة الحكم في السعودية خففت بسرعة من أثر الصدمة. نترحم في السعودية على موتانا، ولكن لا نبقى هناك طويلاً، نمضي بسرعة، فثمة عمل كثير ينتظرنا. لعل من حكمة القدر أن يتولى منصب ولاية العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، الذي له اهتمام بالسياسة الخارجية، والذي يجري قدر كبير منها حول السعودية، بل إنه متداخل معها ومؤثر فيها ومهدد لأمنها. كثيراً ما قيل إن السياسة الخارجية السعودية بكل مؤسساتها بحاجة إلى مضاعفة الجهد، وإعادة النظر في «قواعد الاشتباك» الموروثة من حقبة «النظام العربي القديم» الذي انهار العام الماضي، ولا يزال ينهار بوتيرة تفاجئنا أحياناً. الذي نريده من الأمير سلمان هو أن يسارع بذلك، فالأحداث من حولنا لا تكاد تتوقف، يكفي مانشيت «الأهرام»: «أخطر 48 ساعة في تاريخ مصر»، فلو حصلت - لا قدّر الله - تلك المواجهة التي لا يتمناها أحد بين الدولة العميقة…