جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

سورية.. بوابة «الفوضى» العربية الكبرى المقبلة

السبت ١٤ يونيو ٢٠١٤

رفض الأميركيون كل المقترحات والتطمينات من حلفائهم، وأصروا على موقفهم برفض تزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية تسرع في حسم المعركة وإسقاط النظام لوقف الحرب السورية وتداعياتها على المنطقة. كانت حجتهم أنهم يخشون سقوط هذه الأسلحة في الأيدي الغلط فتتحول نكالاً ووبالاً على الجميع. لا بد أنهم يشعرون الآن بالحرج وهم يستعرضون تقاريرهم الاستخبارية التي تحدد بالتفصيل كميات ونوعيات الأسلحة النوعية من مدرعات وراجمات صواريخ بل حتى صواريخ حرارية وطائرات سقطت تماماً في الأيدي الغلط في الموصل وبيجي وغيرهما، كثير منها سليم معافى في صناديقها. هذه الكارثة الكبرى التي جرت الثلثاء الماضي حينما استيقظ العراق والمنطقة على خبر سقوط الموصل ثاني أكبر مدن العراق بيد تنظيم «داعش»، إنما هي نتيجة طبيعية لإهمال الحالة السورية طوال الأعوام الماضية، والآتي أعظم، فالعراق كما نعرفه انتهى تماماً، ومن ثم كامل المنطقة. لعل سقوط الموصل يؤرخ لنهاية زمن «سايكس بيكو». سيحاول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يستعيد زمام الأمور بالقوة، فالرجل محترف في اتخاذ القرارات الخطأ، منذ أن استسلم لغرائز ثلاث مدمرة لأي زعيم، هي: الطائفية، وشهوة السلطة، والحرص على الغنيمة، واحدة منها كافية أن تقضي على أي بلد، فكيف عندما تجتمع الثلاث؟ النتيجة هي عراق الثلثاء الماضي وما بعده. قلت إنه سيحاول استعادة زمام الأمور بالقوة. ها هو يدعو شعب العراق للنفير العام…

عالم عربي مضطرب يبحث عن «الأخ السعودي الأكبر»

السبت ٣١ مايو ٢٠١٤

ما هي الخلاصة التي سيخرج بها أي مسؤول سعودي بعدما استمع إلى خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلية «وست بوينت» الأربعاء الماضي؟ إنه مستمر في سياسة النأي بالنفس -ستعجب هذه اللبنانيين- ولن يتدخل عسكرياً لحسم أي صراع إلا في «الشديد القوي». قد يختلف هذا المسؤول مع آخر تابع معه الخطاب في ما إذا كان ذلك سياسة أوباما فقط أم أنها سياسة أميركية دائمة، ولكن سيتفق الاثنان على أن هذه الحالة «النأي بالنفس والشديد القوي» ستستمر عامين مقبلين حتى تنتهي ولاية أوباما، ولكن عامين في ظل عالم عربي مضطرب يعيش تقلبات وتداعيات الربيع العربي هما زمن طويل، وطويل جداً، وقد يفضي إلى نتائج إقليمية ليست في مصلحة الرياض وتمتد أعواماً عدة مقبلة. فما الحل؟ يسأل المسؤول السعودي رفيقه، فيجيبه ببيت شعر شهير للإمام الشافعي «ما حك جلدك مثل ظفرك... فتولّ أنت جميع أمرك»، فهل تستطيع السعودية أن تتولى جميع أمرها، بل جميع أمر العرب؟ ليس لها اختيار في ذلك، بل إنها البلد العربي الوحيد المؤهل لهذه المهمة، أن تكون «الأخ الأكبر» بحكم أنها تتمتع باحترام واسع والأفضل تأهيلاً عسكرياً والأكثر استقراراً، ولديها رؤية استراتيجية لا تخصها فقط وإنما تشمل كل المنطقة. السعودية وحدها تستطيع أن ترسل فريقاً عالي المستوى إلى ليبيا مثلاً لتطلب من الفرقاء هناك أن يجتمعوا تحت رعايتها…

لماذا ستفشل المفاوضات السعودية – الإيرانية المقبلة؟

السبت ١٧ مايو ٢٠١٤

ربما يصل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني نفسه إلى جدة، وليس فقط وزير الخارجية محمد ظريف الذي دعاه نظيره السعودي وللمرة الأولى إلى زيارة الرياض، ويلتقي بخادم الحرمين الشريفين، ويجددا حديث الصداقة والود الذي كسرا به الجليد في التسعينات بين المملكة وإيران، فترتفع المعنويات، وتتفاءل سوق النفط، مؤملاً بأن الشرق الأوسط يمضي أخيراً إلى انفراجة حقيقية بين الخصمين، زعيمي العالم السني ونظيره الشيعي، ولكن ستفشل المفاوضات حتماً، وسنعود إلى حربنا الباردة أو ما هو أسوأ من ذلك، فور ما يطرح الملف السوري، إلا إذا تغير موقف طهران، وباتت مستعدة للتعاون مع الرياض والعالم، لبناء سورية جديدة بعيدة من بشار الأسد. قلت جملة كهذه في لقاء جمعني بعاصمة أوروبية مع باحثين من دول عدة، بينهم سياسيون إيرانيون، أحدهم مستشار مقرّب للخارجية الإيرانية الحالية، والآخر مستشار سابق لرفسنجاني، والذي عاد إليه بعض من نفوذه القديم في دوائر الحكم بوصول صديقه روحاني إلى الرئاسة، وتردد أنه الذي يقود مساعي فتح أبواب الحوار بين الرياض وطهران مجدداً، ويرسل وعوداً بألا تلتفتوا أيها السعوديون إلى تصريحات غلاتنا الذين يتحدثون عن حدود إيران التي تنتهي في شرق البحر المتوسط، بل تعالوا نجتمع وسنتفق في النهاية. فعقّب على قولي «مستشار الخارجية» قائلاً بأن بلاده تريد السلام والتعاون في المنطقة، وتحديداً مع السعودية، ولكن على الأخيرة أن «تتغير»…

لماذا تفضل قاعدة السعودية «داعش»؟

السبت ١٠ مايو ٢٠١٤

منذ 2003 والسعودية تعاني من «القاعدة»، فما الجديد والمهم في بيان وزارة الداخلية عن تفكيك تنظيم إرهابي جديد الثلثاء الماضي؟ أولاً إنه «تنظيم» وليس مجرد خلايا نائمة كما وصف الأمن السعودي شبكات عدة كشف عنها أكثر من مرة وهو يلاحق التنظيم الأم الذي ضرب ضربته الأولى في مثل هذا الشهر بالعاصمة السعودية الرياض قبل 11 عاماً، واستمر نشاطه قتلاً وتفجيراً بضعة أعوام بعدها حتى خبا نجمه بعد 2006، مع محاولات مستميتة منه بعدها لإثبات وجوده، بعمليات اغتيال أو التخطيط لتفجيرات فشل معظمها، وفككت خلاياها حتى اضطر أنصاره للفرار خارج المملكة، خصوصاً إلى اليمن. ثانياً، إنّ له «أميراً» تلقى البيعة من أتباعه وفق بيان الداخلية، ولكن لم يكشف عن هوية الأمير الذي تم القبض عليه من دون مقاومة، هل هو «شيخ» بخلفية شرعية أم مجرد شاب مقاتل مجهول؟ ولكننا نعرف توجه التنظيم، فهو مرتبط بـ «داعش»، ذلك التنظيم الممتد من العراق إلى سورية باسم «دولة العراق والشام الإسلامية»، وبالتالي فهو تنظيم تكفيري شديد التطرف، إنه «القاعدة» في تحولها إلى الأسوأ، وهي غير «القاعدة» الأصلية التي تقل عنه تكفيراً وتطرفاً، وليس هذا مديحاً لها أو تقليلاً من شرها، ولكنه شرح ضروري للتفريق بينهما حتى نتمكن يوماً من اقتلاعهما معاً فكراً وتنظيماً من محيطنا العربي المسلم. ويبقى السؤال مشروعاً حول الأسباب التي دعت…

كارثة الاستقدام في السعودية والخليج

السبت ٠٣ مايو ٢٠١٤

شاهدت الفيلم الأميركي الساخر The Campaign وهو ليس أفضل أفلام هوليوود، وبالتالي لا أنصح به، إلا إذا كنت مهتماً بموضوع المقالة، وهو الصناعة والعمل والبطالة في السعودية والخليج، فهي تشرح ومن دون قصد من كاتبها حالاً كارثية في سوق العمل عندنا، بقدر ما تصلح أيضاً كمادة تعليمية تشرح بسخرية سوداء نظام الانتخابات الأميركية وعملية صناعة الساسة هناك. لا يفارق الفيلم الحقيقة عندما يقول إن أصحاب المال الجشعين في الولايات المتحدة هم الذين يصنعون الساسة هناك، وذلك بتمويل حملاتهم الانتخابية من أجل أن يخدموهم لاحقاً، ولنقد هذه الحقيقة عمد الفيلم للمبالغة، فالمرشحان المتنافسان على مقعد في الكونغرس، ويستخدمان أقذر الوسائل لتشويه بعضهما بعضاً، بينما يمول حملتيهما في الوقت نفسه ومن دون أن يعرفا ذلك رجلا أعمال يخططان لضمان وصول أحدهما إلى المنصب المنشود، حتى يمرر قانوناً يجيز بيع مقاطعة في الولاية بكاملها للحكومة الصينية، فيصبح من حقها نظاماً نقل مئات الآلاف من العمالة الصينية الرخيصة إلى هناك، بما في ذلك أطفال، للعمل في مصانع يقيمانها بالشراكة مع الصينيين في تلك المقاطعة وفق أنظمة الصين، فلا يحصلون على حق الهجرة، ولا يتمتعون بقوانين العمل الأميركية التي تحدد حداً أدنى للأجور ورعاية صحية وحقوقاً نقابية، فيبقون «وافدين» إلى ما لا نهاية، بينما يستفيد رجلا الأعمال الفاسدان، بخفض أجور الشحن الباهظة من الصين إلى…

مهددات الخليج: العطش وإيران والليبرالية…

السبت ٢٦ أبريل ٢٠١٤

«أيهما أخطر علينا في الخليج، العطش أم الهيمنة الإيرانية؟». لا أحد يحب هذا النوع من الأسئلة الافتراضية، خصوصاً عندما يكونون نخبة من المسؤولين والسياسيين والباحثين الذين أمضيت معهم يومين في البحرين نبحث في مهددات «الأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول الخليج» بدعوة من مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة. تصدرت إيران بالطبع قائمة المهددات هي وأطماعها التوسعية ورغبتها في الهيمنة والتدخل، تلاها، وهذا مهدد جديد، «الانقسام غير المسبوق» بين دول الخليج، وفق توصيف الأمير تركي الفيصل في كلمته الافتتاحية، هذا الانقسام الذي يكاد أن يضيع أعظم مكتسباتنا وهو مجلس التعاون الذي على رغم تقصيره وفّر بنية تحتية عبر اتفاقات، ليس سياسية فقط بل حتى عسكرية، في سعيه الى «الأمن الجماعي» الذي يحتاج كي يقترب من الكمال خطة محكمة متوافقة من مستحدثات الحروب الدفاعية، لتشكيل منظومة ردع فعّالة خلال أقل من 24 ساعة في حال تعرض واحدة أو أكثر من دول المجلس للخطر، وقد فصلها في المؤتمر أمير آخر هو نايف بن أحمد بن عبدالعزيز الباحث في الاستراتيجيات والأمن. المهدد الثالث هو «الانكفاء الأميركي» أو عدم الثقة بالأميركيين الذين يفترض أن يكونوا حلفاء كل دول الخليج بعدما وقّع الجميع معهم عشرات الاتفاقات الأمنية والدفاعية، ولكن على رغم ذلك ثمة شعور واسع بين المجتمعين أنهم أحد المهددات، وإن انفرد باحث عماني بتفنيد ذلك…

ذات ليلة في مطار دبي

الجمعة ١٨ أبريل ٢٠١٤

ثمة دورات خاصة في تعلم التعامل مع الجمهور، تستطيع أن تعرف من نجح فيها ومن رسب بسرعة، الصعوبة في أن تنجح شركة بجعل كل أو غالبية موظفيها يحسنون ذلك، وعن تجربة أشهد أن الخطوط الإمارتية ومطار دبي نجحا في ذلك. قبل أيام كنت واحداً من آلاف المسافرين الذين علقوا حول العالم بسبب ضباب كثيف عطّل مطار دبي لأربع ساعات، وحيث إن المطار نجح في أن يكون «هب» بين الشرق والغرب، أدى ذلك إلى تأخر مئات الرحلات المتجهة من أو إلى دبي حول العالم، لابد أن مدير العمليات في طيران الإمارات وجد نفسه مثل بروفيسور يقف أمام سبورة هائلة ليحل معضلة رياضيات شائكة، ذلك أن رحلات الطيران مثل المتتاليات الحسابية، فتأخر رحلة في دبي، سينعكس بعد ساعات على مسافر في فانكوفر الكندية، كما أن تأجيل الرحلات من مطار واحد لأربع ساعات لا يعني تأجيل الرحلات أربع ساعات مثلها في بقية المطارات، ذلك أنها مرتبطة برحلات لم تتعطل وإنما مضت إلى وجهتها تنتظر تلك الرحلات التي تعطلت.. صورة معقدة، أليس كذلك؟ وصلت دبي قادماً من دسلدورف الألمانية متأخراً أربع ساعات ونيف، بدا التوتر على كثير من المسافرين وكأنهم اكتشفوا للتو أنهم وصلوا متأخرين عن رحلتهم لوجهة أخرى بعيدة، بينما كنت هادئاً، فوجهتي التالية هي البحرين القريبة، ولابد أن ثمة طائرة أخرى تحملني…

التوقيع على اتفاقات جنيف أعظم إنجاز فلسطيني!

السبت ٠٥ أبريل ٢٠١٤

اكتشفنا، وربما تذكرنا الأسبوع الماضي، أن الفلسطيني لم يخسر فقط أرضه وماءه وسماءه، بل حتى خسر حقه في مقاضاة خصمه في معارك الديبلوماسية والقانون الدولي، بعدما خسر طوعاً حقه في المقاومة. اكتشفنا ذلك عندما وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي استعراض بطولي أمام كاميرات التلفزيون طلبات الانضمام إلى 15 اتفاقاً ومنظمة دولية، أهمها اتفاقات جنيف الأربعة التي تعني الفلسطينيين بالدرجة الأولى، إذ إنها تنظم حقوق الإنسان في حالات الحرب والأسر والاحتلال، وهم في حال حرب بلا شك مع إسرائيل، حتى لو كانت الحرب من جانب واحد وهو الإسرائيلي بالطبع، وتمارسها كلما اعتقدت أنها تحتاج إلى ذلك من دون أن يحاسبها أحد، أما الأَسْرى، فالسجون الإسرائيلية مليئة بهم، وهم تحت احتلال صريح وإن وقّعوا عشرات الاتفاقات المتفرعة من اتفاق أوسلو الشهير، تجمّل ذلك الاحتلال وتسميه سلطة وطنية، وتوزع الأراضي الفلسطينية إلى منطقة «أ» و «ب» و «ج». المفارقة أن حرمانهم من التمتع بحماية هذه الاتفاقات ولو نظرياً، حصل بطلب من الولايات المتحدة التي تريد أن تكون الوسيط الوحيد بينهم وبين عدوهم الإسرائيلي، وجعلته شرطاً لاستمرارها في دورها كوسيط، فكانت هي الخصم والحكم، ما يفسّر غضب وزير الخارجية الأميركية جون كيري وإلغاءه الثلثاء الماضي اجتماعاً مقرراً مع الرئيس عباس، بعدما وقّع الأخير الاتفاقات المشار إليها. إنه وضع تفاوضي غير عادل بالمرة، إذ…

وقف القمم العربية… حتى إشعار آخر

السبت ٢٩ مارس ٢٠١٤

غطى «بيان الكويت»، الذي اختتمت به القمة العربية الأخيرة، كل ما يمكن الاتفاق عليه في عالم العرب، من الدعوة إلى تحرير جزر الإمارات الثلاث التي تحتلها إيران، إلى تحرير جزيرة مايوت القمرية التي تحتلها فرنسا، ولكنه لم يهدد ولم يتوعد، ولم يلزم أحداً باتخاذ أي إجراء لتحقيق أي من المطالبات التي أحصيتها في 18 مطلباً قابلة للزيادة قليلاً أو النقصان بحسب قراءة المتلقي، بدا البيان وكأن مقرره جال في قاعة القمة الأنيقة وطلب من كل وفد أن يعطيه ما عنده من مطالب فصاغها في بيان واحد بعدما استبعد ما يمكن أن يؤدي إلى خلاف بين الإخوة والأشقاء وما أكثر ذلك. المهم أن تنجح القمة في ذاتها لا أن ينجح العرب، ذلك أن القمة ومن اجتمع هناك يعلمون أن هذا مستحيل، بل إن عدم حصول خلافات أو مواجهات كلامية في حد ذاته نجاح، فالجميع يعلم أن ثمة اختلافاً كبيراً بين الدول والزعماء، وقد رسمت خطوط تماس جديدة، تختلف عن خطوط تماس الستينات التي قسّمت العرب بين ملكيات وجمهوريات، أو بحسب تسمية الثوار «قوى تقدمية وأخرى رجعية». وفي السبعينات والثمانينات انقسموا حول «السلام مع إسرائيل»، فكانت جبهة الرفض في مواجهة قوى الاعتدال. وفي العشرية الأولى من هذا القرن حلّ معسكر الممانعة محل جبهة الرفض، واستمر هذا العبث حتى حلّ الربيع العربي، فاختلطت…

الأمير مقرن بن عبدالعزيز.. «المدير التنفيذي»

الخميس ٢٧ مارس ٢٠١٤

تسمّرت مساء الأربعاء الماضي أتابع الفيلم التسجيلي (Commanding Heights) الذي عرفت أنه الفيلم المفضل عند الأمير مقرن بن عبدالعزيز، الذي عيّن أخيراً نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وذلك بغرض أن أعرف الأمير أكثر، وهو يتبوأ هذا المنصب الرفيع الذي ينقله إلى الصف الأول في القيادة السعودية، بعدما خدم في مواقع تنفيذية محلية وموقع سياسي هو الرئاسة العامة للاستخبارات. سمعته ذات مرة حينما كان أميراً لمنطقة المدينة المنورة يشكو مما شكا منه غيره من المسؤولين التنفيذيين من «أن أفضل الأفكار والنوايا تقتلها البيروقراطية والأنظمة، ما لم تكن جزءاً من خطة متكاملة». تذكرت ذلك وأنا أتابع الفيلم التسجيلي الذي يمكن ترجمة عنوانه إلى: «مواقع السيطرة العليا»، وقد استعارها مؤلفا الكتاب - الذي يحمل الاسم نفسه قبل تحوله إلى فيلم - من عبارة قالها الزعيم الماركسي فلاديمير لينين للدلالة على مفاصل التحكم الرئيسة في الاقتصاد الوطني، فالذي يمسك بهذه المفاصل ويحسن إدارتها يسيّر بلاده وشعبها إلى حياة أفضل، أو غير ذلك إن لم يحسن الإدارة والتصرف. الذي لفت انتباهي إلى علاقة الكتاب والفيلم بالأمير هو الزميل فهد الأحمدي في عموده الشهير بصحيفة «الرياض»، إذ كتب «بروفايلاً» حافلاً بالمعلومات، وليس مديحاً سمجاً يسطره البعض كلما تسنّم مسؤول منصباً. فهد الأحمدي وهو «مديني» مثلي، عمل مع الأمير عندما كان أميراً للمدينة المنورة، فقدمه في مقالته:…

دع الأيام تفعل ما تشاء… في سورية

السبت ٢٢ مارس ٢٠١٤

من السهل لوم ضيفنا القادم باراك أوباما على عجزه وقلة حيلته في الشرق الأوسط، وهو يرى العالم المحيط بحلفائه ومخزن العالم النفطي يتداعى، ولكن ماذا عن عجز أهل الدار؟ عجز السعودية وتركيا والأردن وهي ترى حالاً هائلة من اللاإستقرار تحيط بها في العراق وسورية واليمن، والله أعلم ما تحمل الأيام لمصر، السند والثقل العربي... سابقاً. لم تعد القضية انتصار بشار الأسد ونظامه، فبقاؤه حتى الآن وبعد ثلاثة أعوام من الثورة والرفض الشعبي له انتصار، وليست القضية في تغوّل إيران في عالمنا، وهو أمر حاصل وجلي وأصبح مع مرور الوقت مقبولاً أميركياً وعالمياً، وفق نظرية «حكم القوي» و«إنما العاجز من لا يستبد»، والتي تعود إلى السياسة العالمية بانتصار القيصر الروسي الجديد بوتين واحتلاله جزيرة القرم الأوكرانية، وضمها إلى روسيا في أكبر عملية تغيير قسري للحدود الدولية منذ الحرب الثانية. كتبت مقالة قبل عام ونصف العام، دعوت فيها إلى تحرك عسكري سعودي - تركي - أردني في سورية، يفرض الأمر الواقع لمصلحة دول المنطقة الحرة التي تريد الاستقرار. قلت في نهايتها: «إن كلفة حرب أهلية في سورية تستمر بضعة أعوام، أكبر من كلفة تدخل سريع ينهي الأزمة خلال أيام على رغم خطورته»، وها هي الثورة السورية تتحول إلى حرب أهلية، وبدأنا ندفع كلفتها الباهظة، وها هي تدخل عامها الرابع من دون أي…

محاولة لفهم إيران

السبت ١٥ مارس ٢٠١٤

ما الذي تريده إيران وهي تنشط يمنة ويسرة، وتدفع من أجل ذلك كلفة باهظة يتحملها شعبها الذي يعاني مثل معظم الشعوب الإسلامية الفقر والمرض، على رغم النفط الهائل الذي يجري من حولها؟ إنها تخطط بجهد ودأب شديدين لتأكيد قوتها ونفوذها، مستعدة أن تقاتل في سورية، تتآمر في العراق، تخرب علاقاتها مع السعودية وبقية الجيران، تضغط على الغرب تارة وتخاتله تارة أخرى، فما الذي تريده من كل هذا وتحديداً خارج حدودها وتاريخها؟ من السهل الإجابة عن سؤال ما الذي أرادته بريطانيا من الهند؟ ذلك أنها كانت استثماراً رائعاً، واضحاً وجلياً، عاد على الخزانة والبلاط ورجال المال والسياسة الإنكليز بخير وفير، ما جعلهم يتمتعون بأسلوب حياة أرستقراطي ممتع، وبالسياق نفسه نفهم سبب احتلال بريطانيا لعدن، فبقية اليمن الجنوبي، ثم مشيخات الخليج، إلى مصر، كان كل ذلك لأجل الهند. بالمنطق نفسه يمكن تفسير حماقة صدام حسين في غزوه الكويت، لقد رآها «خزانة مال» وبئر نفط هائلة يحل بها كل مشكلاته الاقتصادية التي تسبب فيها بحماقاته الأخرى مثل حربه مع إيران، وقبل ذلك تفكيك مجتمعه واقتصاد بلده الثري. ولكن لماذا أرسل عبدالناصر جيشه إلى اليمن في مغامرة أدت إلى تدمير الجيش والاقتصاد معاً؟ إذ لم تكن هناك مكاسب اقتصادية لمصر - أو لنقل لعبدالناصر - فمصر اختفت يومها في شخصه. لن أجد سبباً غير…