جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

المسار الثاني السري للمفاوضات السعودية – الإيرانية

السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠١٣

لاحظ المتخصصون في علم «حلحلة الأزمات» أن المفاوضات العلنية بين طرفين متخاصمين كثيراً ما تفشل عندما تجري تحت الأضواء، لما يتعرض له المفاوضون الرسميون من ضغوط ليس من مراجعهم السياسية وحسب، بل حتى من قواعدهم التي تتابع سير المفاوضات، وتريد أن تعرف أسرارها من خلال صحافيين يرابطون في مقر التفاوض أو حوله، فيسربون معلومات لا يهم أن تكون صواباً أو خطأً، ولكنها تؤثر سلباً، فتتعقد بسببها عقدة انحلت، وتضيف عقدة لم تكن موجودة، هذا غير المعارضة المتربصة للطرفين، فتزايد عليهم وتحرجهم. بالتالي ابتدعوا فكرة «المسار2» وذلك بالترتيب لمفاوضات سرية تكون في منتجع ريفي أو دولة نائية، يشارك فيها في البداية أكاديميون وناشطون من الصف الثاني، بعضهم لا يعلم أن قيادته على علم بهذه المفاوضات، ويعتقد أن ما يفعله مجرد بحث علمي، وعندما يحقق «المسار2» تقدماً بتحقيق صيغ مقبولة للتفاهم، صالحة أن يُبنى عليها اتفاق، يرتفع مستوى المشاركين، ويتحول المسار إلى مفاوضات جدية، ويبدأ الطرفان بتبادل وثائق قانونية تحدد ضوابط التفاوض، وإلزامية بما يتوصل إليه الطرفان من اتفاقات. حصل هذا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فبينما كان المرحوم حيدر عبدالشافي والسيدة حنان عشراوي - هل تذكرون هذه الأسماء؟ - وغيرهما من القيادات الوطنية الفلسطينية يجهدون أنفسهم في مفاوضات مضنية مع المحتلين الإسرائيليين أوائل التسعينات في مدريد، كانت هناك مفاوضات سرية لا يعلم بها…

أيها السعودي… دع القلق وابدأ الحياة

السبت ٣٠ نوفمبر ٢٠١٣

سعيد الوهابي كاتب سعودي شاب، قلمه لاذع وسريع، اختصر المزاج العام السعودي مساء الأحد الماضي بعدما شبع السعوديون من تحليل وتقليب اتفاق إيران مع الدول الكبرى حول مشروعها النووي، فغرّد في «تويتر»، قائلاً: «لا بد من أن السعودية تشعر بالوحدة الليلة». نعم، لقد كانت ليلة صعبة، لما يصدر البيان الرسمي الذي رحب بالاتفاق بتحفظ بعد، تراقصت خلالها أشباح وأوهام التهديد والعزلة، عبارات تتردد على لسان المحللين تزيد القلق «إيران شرطي المنطقة» و«أميركا كعادتها تغدر وتتخلى عن حلفائها» و«تخلت إيران عن مشروعها النووي وكسبت الهيمنة». العبارة الأخيرة كانت لي، صرحتُ بها لوكالة الأنباء الفرنسية لتكون ضمن سياق القلق السائد. ولكن ما كان لهذا القلق من مبرر ولا لتلك المشاعر المنقبضة التي تصاحب من يدخل سريره بعد يوم صعب، وهو يشعر بالوحدة، فالاتفاق طبيعي وتطور طبيعي للتاريخ، ويصب في مصلحة المنطقة لطرد تهديدات الحرب التي حامت في سمائها أكثر من عقد. كان الأمير تركي الفيصل يستخدم عبارة مختصرة لشرح الموقف السعودي حيال المشروع النووي الإيراني عندما كان سفيراً لبلاده في الولايات المتحدة، وما كان مؤتمر صحافي أو لقاء مع أميركيين إلا ويُسأل عن الموضوع، فيقول: «نحن نعيش يومنا بين كابوسين: الأول أن تمتلك إيران القنبلة النووية، والثاني أن تقوم إسرائيل بقصف المنشآت الإيرانية لتدخل المنطقة في حرب لا نعرف كيف تنتهي وأين…

كليات الإعلام العربية تغط في نوم عميق

الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٣

أندم أنني لم أفعل ما دعوت إليه عدة مرات، وسأدعو إليه هنا مرة أخرى عندما تكون الفرصة مؤاتية، قبل عدة سنوات فزت بعضوية هيئة الصحفيين السعوديين، فأخذت أتحدث عن ضرورة التعاون بين كليات الإعلام والمؤسسات الصحفية، لكي تطور هذه الكليات مناهجها بالتعرف على حقيقة احتياجات سوق العمل، حتى لا يذهب جهدها هدراً ومعها خريجون شباب، قليل منهم من يصلح للعمل في مجال الصحافة والإعلام. نويت يومها أن أرتب لاجتماع بين الهيئة ـ والتي كان مجلس إدارتها مشكلاً من قيادات الصحف السعودية وأساتذة كليات الإعلام ـ فكنا نشكل معاً «الوصفة» المناسبة لهذا المشروع الطموح، التقيت بعميد إحدى الكليات في أحد منتديات الإعلام الخليجية، وطرحت عليه فكرتي فرحب بها بشدة، وتواعدنا على لقاء في الرياض، لم يحصل ذلك اللقاء حتى الآن، وكذلك الاجتماع بين الهيئة والعمداء، ذلك أنني كنت أعود إلى صراع العمل اليومي في الصحيفة، وما يحمل من ضغوط أقلها «زعل» هذا وذاك، وهي خصوصية نتمتع بها مع بعض جيراننا، وكلما قل هذا «الزعل» كلما ارتقينا درجة في سلم حرية الصحافة. كنت أقول دوماً ـ وعن معاينة وتجربة ـ إن كليات الإعلام لدينا لا تخرج كفاءات قادرة على المنافسة والإبداع في صحافتنا، والسبب أنها غير متواكبة مع تحولات الصحافة والإعلام، لا فنياً ولا مهنياً، فبينما تجري تحولات كبرى في فنون الإعلام…

لا بد من «عنوان آخر» و «أمن» للراغبين بالجهاد في سورية

السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠١٣

طالما أن بشار الأسد موجود ومستمر في جرائمه، ستكون سورية «مغناطيساً» لجيل جديد من «الجهاديين» العرب. بالطبع لا يريد رجل الأمن العربي حالاً كهذه، ولكن يجب أن يعترف بعجزه عن وقف سيل الراغبين في اللحاق بركب الجهاد في سورية، فما العمل؟ قبل الإجابة عن ذلك لنتعرف إلى هؤلاء الجهاديين الجدد. إنهم شباب في أوائل العشرينات وحتى دون ذلك، لا يزالون على مقاعد الدراسة، يعيشون وسط أبوين وإخوة من كل الطبقات الاجتماعية، عاديون، وليس بالضرورة أن يكونوا شديدي التدين، ولا تنم تصرفاتهم عما ينوون فعله، بل هم لم يتوقعوا ما أقدموا عليه، ولكنهم يتعرضون لامتحان قاس منذ عامين ونصف، وهم يشهدون على شاشات القنوات الإخبارية المعروفة، ويسمعون في المجالس، ويتابعون في وسائط الإعلام الاجتماعي، الفظائع التي ترتكب في سورية ضد شبان مثلهم، وشابات مثل أخواتهم، ونساء ورجال محترمين مثل والديهم، ثم يتابعون تصريحات المسؤولين العرب والأجانب التي تندد بهذه الجرائم ولكن لا توقفها، والمؤتمرات التي تعقد، والمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي الذي يصرح هنا وهناك، والرئيس الأميركي أوباما الذي يتخلى عن معاقبة بشار الأسد في آخر لحظة بعدما تجاوز الخط الأحمر الذي رسمه بنفسه، وهو استخدام السلاح الكيماوي، ففعل بشار ذلك، وقتل نحو ألفي سوري كثيرون منهم أطفال في سن إخوتهم الصغار، وسمعوا دعاء جداتهم على بشار فقالوا في أنفسهم: «لا بد…

الرومي وابن سينا.. وطريق السلف الآمن

الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠١٣

أمضيت أياماً في رحاب «ابن سينا»، إنه أكثر من طبيب، إنه مسلم محتار، حياته صاخبة بالأسئلة والسياسة والحب والرغبة في الحياة ومتعها، إنها رواية «ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان» للقاص الفرنسي المغرم بالشرق «جيلبرت سينويه»، وقبل أن تهدأ أسئلتي التي فجرتها الرواية الرائعة، أهدتني زوجتي فيلماً عن «جلال الدين الرومي» ليزيد من الأسئلة والحيرة. أعتقد أن فهم ابن سينا «توفي 1037 ميلادية» أقل صعوبة من جلال الدين الرومي «توفي 1273» فالأول كان يبحث عن السعادة في هذه الدنيا بالبعد عن السياسة والتفرغ للعلم وخدمة الإنسان، بل وحب الإنسان دون التفكير في أصله وكينونته وعرقه ودينه، الرومي اتفق مع ابن سينا في ذلك، ولكنه يبحث عن السعادة بعيداً عن هذه الدنيا، بل حتى بعيداً عن «العالمين» إنه يريد حباً مطلقاً، مثالياً، بعيداً، لا حدود مادية أو جسدية له، بينما كان للجسد واللذة مكان في سعادة ابن سينا. جلال الدين الرومي أبحر بالصوفية بعيداً، حتى كاد أن يجعلها مذهباً له طقوسه، أما ابن سينا فلقد قبل بالدين والشريعة كما هي، ولكنه اختلف مع محيطه في مآلات الدين ومقاصده فقبلوه طبيباً ورفضوه فقيهاً، ولكنهما يجتمعان في التسامح والدعوة للوفاق بين أتباع كل الأديان، وإن اشتهر الرومي بذلك أكثر فأضحى أشهر شاعر حب عبر مئات السنين، ولعله مشهور في الغرب أكثر مما هو…

نهاية «لعبة الأمم»

السبت ١٦ نوفمبر ٢٠١٣

لنتوقف عن التفكير بعقلية الخمسينات والستينات، ولنلقي بكتاب رجل الاستخبارات الأسطوري مايلز كوبلاند «لعبة الأمم» الشهير بعيداً، فلم يعد رجال الاستخبارات المحلية والعالمية قادرين على تغيير التاريخ وتأسيس الدول، ورسم الحدود وصناعة الزعماء. نعم يستطيعون تخريب المسار ووقف الحركة، لكنهم سيعجزون عن تشغليها من جديد وتوجيهها الوجهة التي يريدون، وللأسف فإن كلفة ذلك باهظة، تدفعها الشعوب التي تتطلع إلى حياة أفضل بتعطل الحراك السياسي في وطنها، بل أحياناً يدفع كلفة ذلك من اعتقد أنه انتصر وغيّر مسيرة التاريخ. ولكن البعض لا يتعلم ويصر على أن ثمة صفقات يمكن أن تعقد، وهناك قطاعات شعبية واسعة لا تزال تعتقد أنها مجرد «أحجار على رقعة الشطرنج» - هذا كتاب آخر ينبغي التوقف عن قراءته - فتجلس مستكينة تنتظر ما يقرر لها، فيسارعون بقبول ما يروجه كتاب أعمدة ومحللون سياسيون أن ثمة صفقة سياسية كبرى تحاك في عواصم عدة محورها إيران، في مقابل مصالحة تاريخية بينها وبين الغرب تتنازل بها عن مشروعها النووي ولو في شكل موقت، وتوجيهه تماماً نحو إنتاج الطاقة فقط، فتُترك لها سورية منطقة نفوذ، ويعاد تأهيل النظام هناك في شكل أو آخر. في المقابل تحصل السعودية على لبنان كجائزة ترضية، وتشكل فيه حكومة تقبلها وتصطلح مع «حزب الله»، ويستمر ذلك الذي لا يزال يعيش في ستينات القرن الماضي في إعادة…

سعادة السعوديين… الحياة في «الأخضر»

السبت ٠٩ نوفمبر ٢٠١٣

تحسّن مزاج السعوديين في شكل كبير خلال الأيام الأخيرة، على رغم أن الدولة لم ترفع رواتبهم، ولم تنجز أي مشروع سكني من بين عشرات المشاريع التي وعدت بها قبل ثلاثة أعوام، وحتى أسعار الأراضي الخام التي تفيض بها صحراؤهم لم تنخفض على رغم أنها المسبب الأول لارتفاع التضخم وكلفة المعيشة. كل ما حصل أن شوارع مدنهم باتت أكثر احتمالاً بعدما خفّ ازدحامها، والسبب حملة جادة لترحيل العمالة المخالفة لنظام العمل التي لم تسوِّ أوضاعها خلال مدة السماح التي انتهت الأسبوع الماضي. هذه الحقيقة البسيطة تعني أن أعداد العمالة «مليونية»، وقد ألقت بثقلها على البنية التحتية فزادتها عبئاً على عبء، فما إن تزحزحت قليلاً حتى تنفست الصعداء ومعها مواطن سعودي يبحث حائراً عن حياة أفضل. هدف وزارة العمل المعلن هو تنظيم سوق العمل بعدما شاعت فيه الفوضى بحمل كل من استقدم عاملاً، بأن يُشغل عامله أو تنقل كفالته إلى من هو بحاجة إليه أو يرحله، ولكنها لا تقبل أن يعيش ذلك العامل في فوضى يتنقل من وظيفة إلى أخرى من دون أوراق ثبوتية أو عقود. إنها تريد دفع الجميع نحو «النطاق الأخضر»، وهو مساحة تحسب وفق معادلة رياضية تختلف من قطاع تجاري إلى آخر لحساب نسبة السعودة (توطين الوظائف) المتحققة والمرضي عنها، ومن يدخله فهو آمن من الغرامات والإغلاق، وله أن…

مونوبولي.. لعبة الرأسمالية المتوحشة

الأحد ٠٣ نوفمبر ٢٠١٣

عندما كنت فتى يافعاً، كانت لعبة المونوبولي رفيقتي أنا وأصدقاء وأقارب طوال إجازة الصيف، فهي مناسبة للسهر الطويل، إذ يمكن أن يستغرق لعبها ساعتين وأكثر، لجهلي يومها باللغة الإنجليزية، اعتقدت أنها تعني «لعبة المال»، إذ بدت لي أنها تتضمن الكلمتين Money Play ولكن الترجمة الصحيحة هي «الاحتكار»، وهي ممارسة تجارية مذمومة شرعاً، وممنوعة نظاماً، بل إن من الفقهاء من حرم الاحتكار استناداً إلى الحديث النبوي «لا يحتكر إلا خاطئ»، ولكن معظمهم اشترط أن يكون في الطعام لحاجة الناس إليه، ولكن الحكومات الحديثة توسعت في تعريف الاحتكار ليشمل كل السلع والخدمات، ومن يمارس الاحتكار بمعنى جمع سلعة ما كلها أو غالبها في يده، فيستطيع حينها تحديد سعرها، لأنه المتمكن من طرحها في السوق بالسعر الذي يريد أو حجبها حتى تصل إلى السعر الذي يريد. وقد تدخلت الحكومة في السعودية غير مرة ضد شركات ثبت أنها توافقت على رفع سعر منتجاتها، فاعتبرت ذلك «التواطؤ» من باب الاحتكار، كما قامت الحكومة الأمريكية بتفكيك شركات عملاقة بدت وكأنها قد استحوذت وحدها على السوق، فالمنافسة واحدة من أهم أسباب التدافع المؤدية إلى خفض الأسعار وتحسين المنتج والخدمات. بل إن كثيراً من الاقتصاديين في السعودية يحثون الحكومة على التدخل لفك ما يرونه «احتكاراً» للأراضي البيضاء، ما أدى إلى رفع سعرها وتكبد المواطن تكلفة ذلك، ولكن المسؤول…

«داعش» وأمير بيشاور!

السبت ٠٢ نوفمبر ٢٠١٣

بلاكيوت مدينة باكستانية عجيبة، تقع على سفوح الجبال، ثرية بطبيعة خلابة، فقصدها السياح ولا يزالون، ولكن ليس مثل أيام خلت، فهي أيضاً ضمن بلاد طالبان باكستان الذين لم يتصالحوا بعد مع جيش بلادهم. وعندما لا يهاجمون قافلة للجيش يكتفون بإحراق متجر يبيع أقراص أفلام مزورة. ثمة علاقة بينها وبين السعودية، فهي الدولة التي هبّت لمساعدتها عندما دمر زلزال عنيف عام 2005 المدينة بالكامل، فتبرعت المملكة بإعادة بنائها. ولكن هناك علاقة أخرى مع السعودية أكثر حميمية، فهي تضم قبر سيد أحمد الشهيد الذي حرر المنطقة من حكم السيخ، وأسّس دولة إسلامية هناك في القرن الـ18 وصفها رجال الاستخبارات الإنكليز وقتها، والذين كانوا يراقبونه باهتمام، بأنها «وهابية». نعم كان ذلك في القرن الـ18، بل إن شيخه شاه ولي الله الذي يعد مجدِداً في الهند وله الفضل في نشر مدرسة أهل الحديث والتوحيد، كان صديق دراسة في المدينة المنورة للشيخ محمد بن عبدالوهاب، فكلاهما ثنى الركب في رحاب الحرم النبوي عند شيخهما محمد حياة السندي، الذي غرس فيهما مبادئ التوحيد وكراهية البدع، واتباع السلف، وإقامة شرع الله في الأرض بالدعوة والجهاد، فعاد كل منهما إلى بلده ليغيّر مجرى التاريخ. تلاميذ ولي الله لم ينشروا دعوة التوحيد فقط في الهند، وإنما كانوا الشوكة التي وخزت الإنكليز لعقود، فأقاموا علم الجهاد هناك، ويبدو أن ضباط…

أوباما يفرّ… وسورية «فيتنام» لإيران.. ماذا عن السعودية؟

السبت ٢٦ أكتوبر ٢٠١٣

ثمة أسباب كثيرة للضيق السعودي من الولايات المتحدة، وأوضح ما تكون في سورية، فهي بكل بساطة ووضوح «تظهر غير ما تبطن»، فالتصريحات الأميركية المتكررة الرافضة لنظام بشار الأسد تتناقض تماماً مع ما يجري على الأرض، ما أثار غضب السعوديين الذين يريدون نهاية سريعة للأزمة، ورفضاً لما يعتقدونه موقفاً أميركياً مسوّفاً ولامبالياً يفضي إلى إطالة أمد الصراع، من دون اهتمام بتداعياته و«طفحه» على دول المنطقة. يظهر التناقض الصارخ في الموقف الأميركي مع مسألة تسليح المعارضة، فبينما تعارض أميركا سراً رغبة حليفتها السعودية في رفع نوعية التسليح للثوار السوريين، بل وتمنعها من إرسال بعض الأسلحة النوعية بحكم عقود البيع التي تحرم تحويلها إلى طرف ثالث، فإنها لا تفعل شيئاً بخصوص تسليح النظام السوري من روسيا عبر إيران والعراق. المرة الوحيدة التي تدخلت فيها كانت لنصرة إسرائيل في رفض تسلم دمشق منظومة صواريخ الدفاع الجوي «إس300»، بل إنها لم تحاول منع مشاركة عشرات الآلاف من مقاتلي «حزب الله» والمتطوعين العراقيين الشيعة بالحرب في سورية، على رغم أن لديها تفاصيل وافية عن دور «الحرس الثوري» الإيراني وقائده قاسم سليماني في الحرب، ومسؤولياته المباشرة فيها. لا بد من أن السعودية غير مقتنعة بالإجابات الأميركية، كالقول بأنهم لا يملكون منع «حزب الله» أو «الحرس الثوري» الإيراني وكلاهما قوتان مناوئتان لها من دخول سورية، فالرياض تعرف وبالتفصيل…

عندما كان للشوارع أسماء

الجمعة ٢٥ أكتوبر ٢٠١٣

رواية رائعة، لكاتبة رائعة، كتبتها من القلب، عاشت أحاسيسها بصدق، وبالتالي نجحت أولاً في الغرب، حيث من الصعب أن تنجح رواية تنصف الفلسطيني، هناك «اليهودي» هو المظلوم، فتجد مئات الكتب والروايات والأفلام التي تخلد مظلمة اليهود «الهولوكوست»، والتي من الغباء والجهل إنكارها كرد فعل منّا، بعدما رأينا كيف تحول المظلوم اليهودي إلى ظالم قاتل في فلسطين. إنها رواية «عندما كان للشوارع أسماء» أبدعتها «رندة عبدالفتاح» باللغة الإنجليزية، وهي شابة فلسطينية نشأت وتعلمت في أستراليا، ترجمتها للعربية ونشرتها مؤسسة قطر، أدعو بقوة لقراءتها وتداولها خاصة بين القراء الشباب، ليس لأنها ممتعة فقط، وإنما لكونها نافذة صادقة على حياة الفلسطيني تحت الاحتلال أو لنقل صيغة «أوسلو» من الاحتلال، وهي صيغة معقدة لم يجربها غير الفلسطيني، وهي ما نسميه «السلطة الوطنية الفلسطينية»، حيث ثمة علم وأرض «أو بضع أرض»، ورئيس وحرس شرف، وانتخابات «نظرياً»، وشرطة وسجون ومدارس، ولكن ذلك لم يصنع استقلالاً تاماً ولا حرية، ولكنه ليس احتلالاً صريحاً، إنه برزخ، منزلة بين المنزلتين. نجحت الروائية في تصوير كيف يعيش الفلسطيني محاصراً، ومن حوله جدار عازل وحواجز شرطة ونقاط تفتيش إسرائيلية، ربما كانت تفكر في زميلات دراستها بأستراليا وهي تكتب الرواية، كي يعيشوا معها بعضاً ممّا عاشته وسمعته وهي تزور أرض الأجداد، ولكنها أيضاً نجحت أن تنقل لنا ـ نحن العرب ـ غير…

أميركا «روزفلت» ترحل عن عالمنا

السبت ١٢ أكتوبر ٢٠١٣

تأملت خريطة العالم التفاعلية التي عرضها علينا باحث ياباني، وقد أخذت نقاط حمراء وزرقاء تضيء وتطفئ عليها، إنها تسجيل لتجوال سفن وبوارج البحرية الأميركية خلال العام الماضي حول العالم. تحليل الخريطة يشير إلى أنها تمضي أياماً في منطقة وتغيب عنها أياماً أخرى، ولكنها لا تغيب أبداً طوال العام عن خليجنا العربي وبحر العرب على خلاف أي منطقة أخرى في العالم. يفسر الباحث الياباني ذلك بأنه التزام كامل من قبل الولايات المتحدة بأمن خطوط إمداد النفط للاقتصاد العالمي. إذاً فإن حليفتنا الاستراتيجية ملتزمة بأمننا، وها هي موجودة فعلياً في نحو 15 قاعدة عسكرية و7 قواعد بحرية في خليجنا وحوله، مع أساطيل لا تكاد تغيب عن بحارنا، فلا داعي للقلق من الباب الذي فتح بينها وبين غريمتنا إيران والذي نخشى أن يتطور إلى سلام فكلام فموعد فلقاء. ليس تماماً. لنستمع مجدداً للباحث الياباني الذي جمعتني به الأسبوع الماضي جلسة بحث مغلقة عن أمن الخليج والدور الياباني (هذا إذا كان هناك دور ياباني)، إذ يقول: «نحن في اليابان نعتمد على نفط الخليج بنسبة 90 في المئة، بينما الولايات المتحدة تعتمد عليه بنسبة 18 في المئة فقط، وهي نسبة يتوقع لها أن تقل في الأعوام المقبلة، ولكنها هناك من أجلنا ومن أجل الصين وكوريا والهند واقتصاد العالم». يعني ذلك أن الوجود الأميركي في المنطقة…