جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

وجدة في فيينا

الجمعة ١١ أكتوبر ٢٠١٣

كان طقس لندن في تلك الليلة محتَملاً، يميل للبرودة، ولكنه معتدلٌ بشكل كافٍ، فاخترت وأصدقاء مقهى في الهواء الطلق، توقف أحد المارة وخاطبنا بكل أدب: «أيها السادة، إنني رجل معدَم، أعيش في الشارع، لا بيت عندي ولا أسرة، بل ليس عندي حياة أعيشها، أرجوكم ساعدوني بقليل من المال كي آكل هذه الليلة» تجاهلناه، فمثله كثيرٌ في لندن، بل في كل مدن العالم، استمر في الحديث والاستجداء، توقفنا عن الحديث منتظرين أن يمضي، جاء النادل وصرفه، ولكنه عاد واستمر في عرض قضيته، في النهاية قال: «لا أريد أن أثقل عليكم، يكفي أن يقول أحدكم لا وسوف أمضي»، قلت له: «لا» فمضى. أخيراً شاهدت فيلم «وجدة» وأين؟ بعيداً في العاصمة الأوروبية فيينا! هذا الفيلم الذي صور في عليشة الرياض، نحتاج أن نمضي بعيداً إلى فيينا ولندن ونيويورك كي نشاهده، إنه يستحق ذلك، بل إن النقاد هناك أثنوا عليه، وأخذ يشق طريقه بقوة مرشحاً للأوسكار كأفضل عمل أجنبي. قاعة السينما كانت ممتلئة بالمشاهدين الذين تفاعلوا مع الفيلم، فأسمع ضحكاتهم على «لسعات» الطفلة «وجدة» الذكية التي لا تريد أن تتحدى مجتمعها، وإنما تتصرف على أساس أن ما تطلبه هو حق لها، فكل ما تريده أمور عادية تتمتع بها أي بنت في سنها، إنها تريد أن تشتري دراجة وتقودها بحرية، لا أكثر، هذا الطلب البسيط…

كيف ينتهي الإنسان.. في الشارع؟

الثلاثاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٣

كان طقس لندن في تلك الليلة محتَملاً، يميل للبرودة، ولكنه معتدلٌ بشكل كافٍ، فاخترت وأصدقاء مقهى في الهواء الطلق، توقف أحد المارة وخاطبنا بكل أدب: «أيها السادة، إنني رجل معدَم، أعيش في الشارع، لا بيت عندي ولا أسرة، بل ليس عندي حياة أعيشها، أرجوكم ساعدوني بقليل من المال كي آكل هذه الليلة» تجاهلناه، فمثله كثيرٌ في لندن، بل في كل مدن العالم، استمر في الحديث والاستجداء، توقفنا عن الحديث منتظرين أن يمضي، جاء النادل وصرفه، ولكنه عاد واستمر في عرض قضيته، في النهاية قال: «لا أريد أن أثقل عليكم، يكفي أن يقول أحدكم لا وسوف أمضي»، قلت له: «لا» فمضى. كان الرجل مخموراً أيضاً، فهذا حال معظم من يسمونهم هنا «الهوملس» أي «بدون بيت»، ولكنه كان مؤدباً ويتحدث بلغة سليمة، ربما كان معلماً أو موظفاً محترماً، بعدما ذهب، فتحنا حديثاً حول كيف ينتهي إنسان في هذه البلاد إلى الشارع؟ تقدر الأمم المتحدة عدد «الهوملس» في العالم بنحو 100 مليون إنسان، موجودون حتى في أغنى الدول، ينامون حرفياً في الشوارع، كل من سافر للعواصم الغربية فلا بد أنه رآهم وتعجب، كيف ينتهي هؤلاء في الشارع بهذه الدول الغنية؟ البعض يستخدم حقيقة وجودهم للدلالة على ظلم الرأسمالية، ولكنهم موجودون في كل المجتمعات فلا نظلمنّ الغرب، فثمة جمعيات خيرية عديدة هناك تدير ملاجئ…

الدستور… معركة أردوغان الحاسمة مع دولة أتاتورك العميقة

السبت ٠٥ أكتوبر ٢٠١٣

بدا رئيس حكومة تركيا رجب طيب أردوغان الإثنين الماضي واثقاً مطمئناً وهو يعلن حزمة الإصلاحات التي وعد بها. إنها الأخطر في تاريخ تركيا الحديثة، ذلك أنها تمس «الهوية»، ولكن بدت مهمته سهلة يومها، ذلك أنه حسم معركته مع الجيش والاستخبارات والقضاء قبل ذلك بسنوات، لذلك كان سهلاً أن يلغي نشيداً قومياً مغالياً في الأتاتوركية، ويسمح بالحجاب، والتعليم باللغة الكردية، مسائل كانت كفيلة بجره إلى المشنقة لو أننا في العام 1960 مثلما حصل لأول رئيس وزراء يتحدى الأتاتوركية، عدنان مندريس. كم تغيّرت تركيا منذ ذلك الزمن! ولكن أردوغان لم يكمل مهمته بعد، بقي الدستور وقد وعد بكتابة دستور جديد لتركيا «متفق مع معايير الحقوق الأساسية الأوروبية». ذكي هذا الرجل، حوّل قضية الانتماء لأوروبا إلى مكسب لتحقيق أجندته في تعميق الديموقراطية وسلطتها، بعدما كانت مسألة خلافية حادة مع القوى العلمانية التي حاولت فرض عملية «تغريب» على المجتمع التركي، كأن أردوغان يقول للأتراك: «إذا أردتم أن تكونوا غربيين، فيجب أن تكونوا ديموقراطيين، ثم اتركوا المجتمع يختار الهوية التي يريد». في البداية حاولت النخبة السياسية التي صنعها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أن تكون ديموقراطية. في العام 1924 وضعوا (وحدهم) دستوراً لتركيا، من دون مجلس تأسيسي منتخب أو إشراك أحزاب وتيارات أخرى، كان دستورهم يدعو للمفاهيم العامة السائدة للديموقراطية، ولكنه «لم يضع أي ضوابط…

«الشقيقة» إيران والرئيس اللطيف روحاني

السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣

ينتابنا الهلع كلما لاحت في أفق السياسة مصالحة أميركية - إيرانية، مثلما هو حاصل هذه الأيام في نيويورك، حيث يتقاطع الرئيسان الإيراني حسن روحاني ونظيره الأميركي باراك أوباما في أروقة مبنى الأمم المتحدة ولكن لا يلتقيان، بعضنا يذهب إلى حد «المؤامرة»، فهو مقتنع أن ثمة حلفاً خفياً وتعاوناً بين الطرفين ولن يلبث إن يصعد إلى السطح، ويعلن رسمياً الحلف الأميركي - الإيراني الجديد على حسابنا نحن في السعودية والخليج، لنسقط من «الحجر» الأميركي بعدما يتربع عليه الإيراني، فندفع الثمن غالياً من مصالحنا وحقوقنا. أعتقد أننا جميعاً بحاجة إلى جلسات علاج نفسي، ودورات في علم «السياسة الحقيقية» حتى نستعيد ثقتنا بأنفسنا، وأننا أقوى مما نعتقد، وأستعير عبارة رئيس الاستخبارات السعودية السفير السابق الأمير تركي الفيصل أن «إيران نمر من ورق»، فقط نحتاج إلى بعض من التركيز والتخطيط لنحدد من هم حلفاؤنا الاستراتيجيون، وما هي مصالحنا الثابتة، وأن الشرق الأوسط الذي استوعب يوماً «القوى العظمى» مملكة فارس والروم، ثم وجد عرب الصحراء مكاناً لهم في التاريخ بينهما، بل أكثر، يستطيع أن يستوعب كل دول المنطقة بما فيها إيران وتركيا، وأن ندرك أن المصالحة مع إيران هي مصلحة للجميع، وأننا يجب أن نسعى إليها أكثر مما يسعى إليها الأميركيون، ولكننا نحتاج إلى تشكيل جبهة من حلفاء لا تغيرهم مصالح ضيقة، وإنما يشاركوننا رؤية…

3 تحديات تواجه صناعة الكتاب.. بل 4

الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠١٣

ثمة ثلاثة تحديات تواجه صناعة الكتاب العربي، ورابع تجده في نهاية المقال. أولها الرقابة، فالرقيب العربي لا يزال يعمل ببيروقراطية مملّة، أكوام من الكتب أمامه، لا تستحق انتظاراً طويلاً وتدقيقاً، ولكنه يتعامل معها مثلما يتعامل موظف البلدية مع رخص البناء، يعمل مسترخياً بمنطق «هي الدنيا طايرة»؟ بينما الكتاب كالمجلة والصحيفة، لا بد أن يصل ساخناً للقارئ، متواكباً مع الاهتمام الذي يريده المؤلف والناشر، يصل الكتاب إلى الصحافي فيكتب عنه ناقداً، ولكنه لا يصل إلى القارئ لأن الرقيب يشكو من كثرة الكتب وقلة المراقبين، بل يشكو أحياناً هو ووزارته من المتطوعين الذين يطالبونه بحظر هذا الكتاب أو ذاك، لأنه لم يوافق هواهم، لأنهم يرونه ضاراً على الناشئة، ولا يثقون بحصافة القارئ وقدرته على تمييز الطيب من الرديء، يريدون أن يكونوا أوصياء ليس على العقل فقط بل حتى على ما يتلقاه العقل، النتيجة أن الرقيب يشتري وجع دماغه فيشبع الكتاب بحثاً وتمحيصاً حتى يموت بين يديه، كل هذا يحصل في زمن الإنترنت الذي جعل الفكر عابراً كل المساحات وكل أشكال الرقابة. التحدي الثاني هو الإنترنت، ابحث عن كتاب لم تجده في أقرب مكتبة إليك، وقد تجده مصوراً بصيغة «بي دي إف» فتحمله إلى جهازك اللوحي وتوزعه على أصدقائك ومحبيك دون أن تدفع قرشاً واحداً للمؤلف ولا للناشر، والنتيجة إفقارهما معاً، وقتل الصناعة…

«بوكيمون» والحرب على الإسلام!

الإثنين ٢٣ سبتمبر ٢٠١٣

عندما دعتني السفارة اليابانية في الرياض لزيارة اليابان قبل سنوات، حرصت على أن أضمن برنامج الزيارة لقاء مع مطور البوكيمون، لسببين الأول هو اهتمامي القديم والذي ربما لمسه من يتابع مقالاتي هنا بالألعاب الإلكترونية وشخصيات الرسوم المتحركة، والآخر هو الضجة التي أثيرت قبل أعوام في السعودية ومفادها أن شخصيات هذه اللعبة الإلكترونية والرسوم المتحركة ما هي في حقيقتها إلا جزء من الحرب على الإسلام. بدأت القصة قبل أكثر من عقد من الزمان وفيما قبل زمن «الإعلام الاجتماعي»، إذ كان الفاكس هو البديل في صناعة الشائعات بينما يقوم الواتس أب اليوم بهذه المهمة، فعمد أحدهم إلى طباعة فاكس قال فيه إن لعبة «بوكيمون» التي شاعت وانتشرت حول العالم وتجاوزت في إيراداتها شخصيات ديزني فهددت الهيمنة الأمريكية على عقول الأطفال بهيمنة يابانية، فزعم أنها مؤامرة يهودية، وأن مطورها يهودي، وأن «بوكيمون» تعني: «أنا يهودي»، وكلمة «بكاتشو» معناها: «كن يهودياً»، وكلمة «تشارمند» معناها: «الله ضعيف»، ومضى صاحب الفاكس الذي لم يعرفه أحد حتى اليوم يفبرك ترجمات لكل شخصيات اللعبة من لدن عقله الضعيف. انتشر الفاكس وقتها في مجتمع ضعيف الثقة بنفسه، سريع التصديق لنظريات تآمر العالم علينا، فانبرى كتاب الأعمدة يحذرون، والمشايخ يفتون، صودرت ألعاب «بوكيمون» ومجلاته وكتبه وبطاقاته، وتحولت إلى العالم السري والبيع من تحت الطاولة . لذلك حرصت على زيارة مطور…

كلفة بقاء بشار!

السبت ٢١ سبتمبر ٢٠١٣

بمناوراتها غير المقنعة باتت روسيا «العظمى» تلعب سياسة دولية بالطريقة الإيرانية السمجة، فهي تفاجئ العالم الأسبوع الماضي بمبادرة بدت جدية، تستند إلى القانون الدولي ومجلس الأمن لتجريد النظام السوري من السلاح الكيماوي في مقابل منع حرب كانت تلوح في الأفق، موقف متفق مع مسؤولية «دولة عظمى»، فإذا بها تتردى بعد أيام، فتخرج في صورة حكومة ديكتاتور صغير يجيد الكذب والمناورة. الإيرانيون أجادوا هذه السياسة، فهم يدعون جيرانهم إلى الإخاء والتعاون ثم يتآمرون عليهم، يتحدثون عن تحرير القدس ثم يحتلون لبنان، أما الروس فيتحدثون عن إنقاذ المنطقة والعالم من سلاح بشار الكيماوي، وهم في الحقيقة يريدون إنقاذ بشار وإطالة عمر نظامه، يخربون علاقتهم مع دول العالم بكل بلطجة.. المهم عندهم أن يبقى بشار! ليس مهماً أن نعرف ما الفائدة العائدة عليهم من ذلك، فهذه مشكلتهم، أما مشكلتنا فهي كيف سنعيش بجوار بشار لو نجح الروس في خداع الأميركيين أو تآمروا معهم هم والإيرانيين وعقدوا صفقة خلف ظهر الشعب السوري ودول الخليج، أو حتى «طفشوهم» فيبتعدوا عن سورية وكل المنطقة. في النهاية، وبعد رحيل أميركا وابتعاد الغرب عن الحالة السورية، سنبقى نحن في السعودية والخليج وتركيا والأردن ولبنان والعراق، ووسطنا نار مشتعلة في قلب شرقنا الأوسط، تغذيها الكراهية والطائفية والظلم وتداخلاتنا الإقليمية، فما هي كلفة ذلك؟ يجب ألا نستبعد افتراض استمرار الحرب…

إنه الاستقلال التام والموت الزؤام معاً.. هل نحن مستعدون؟

السبت ٠٧ سبتمبر ٢٠١٣

تمضي الأمور في ما يبدو لمصلحة توجيه ضربة أميركية ضد نظام بشار الأسد، ولكن لا شيء مضموناً حتى تراه في هذا الزمن الصعب، فالغرب يمر بحالة «إدراك ديموقراطي» كبير، فما من زعيم هناك يريد أن يقدم منفرداً على عمل عسكري في ذلك الشرق الأوسط الذي لا تنتهي صراعاته من دون أن يشرك معه البرلمان أو الكونغرس، ربما هي حالة «ما بعد الحداثة» في التطور الديموقراطي الغربي، وقد يصنف فيها باحثون أمثال الكاتب الشهير فرانسيس فوكوياما كتاباً، ولكن بينما يحصل ذلك ويعيش الغرب لحظاته الديموقراطية فإن مزيداً من السوريين يموتون كل يوم. بقدر ما هي لحظة تاريخية للغرب يتخلى فيها عن آخر طبائعه الاستعمارية العتيقة، وشعوره بمسؤولية «الرجل الأبيض» حيال «السكان المحليين»، فإنها لحظة تاريخية لنا نحن العرب، نحصل فيها على كامل استقلالنا الذي ناضلنا من أجله وهتفنا مطالبين بـ«الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، فنتحمل أوزارنا وحدنا، ومسؤولياتنا الكاملة عن حل مشكلاتنا وصراعاتنا وحدنا، ربما ليس بعدُ تماماً، ولكننا في طريقنا إلى ذلك بعد 100 عام وأكثر من علاقة متداخلة مع الغرب، شكّلنا خلالها وبالشراكة معهم دولنا وحدودنا وأنظمة حكمنا ونخبنا السياسية، والآن نقف في هذا المنعطف التاريخي - عبارة تراثية عربية قديمة، ولكنها لم تكن صادقة مثل اليوم - نرى إعادة ولادة شرق أوسط جديد، فنشعر بالارتباك والحيرة، ننظر إلى…

اليوم التالي بعد سقوط الصواريخ على دمشق

السبت ٣١ أغسطس ٢٠١٣

إذا لم يسقط النظام بعد أيام من ضرب مقاره الأمنية ومفاصله العسكرية فهذه مشكلة، أما إذا تهاوى بسرعة وتقدم الثوار نحو العاصمة ودخلوا القصر الجمهوري وأعلنوا سقوط نظام بشار الأسد من على عتبات مجلس الشعب السوري فهذه مشكلة أيضاً! كيف ذلك؟ الحل الأسلم للأزمة السورية كما يتحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الأممي الأخضر الإبراهيمي هو التفاوض والحل السلمي، أن يتوجه بشار الأسد أو من يمثل نظامه إلى جنيف، وكذلك المعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الوطني، ويجلسا على طاولة واحدة، ويتفقا إما على أن ينقل الأول السلطة للثاني أو المشاركة معاً في مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة، فسلام ووئام بين الإخوة، حافزهم في ذلك الحرص على سلامة «الدولة» وتماسكها، فلا تنهار أجهزتها البيروقراطية ولا الأمنية، إنما يعمل الجميع بعد ذلك بإخلاص وتفانٍ لإصلاح حقيقي يرضي كل أبناء الشعب السوري الواحد... ما سبق أمنيات ليس لها موقع في سورية الحقيقية اليوم، لقد انهارت الدولة، وثمة ثورة حقيقية هناك ترفض كامل النظام وكل ما يمت إليه بصلة، ثم متى اختار العربي حلاً معتدلاً لأزماته خارج قاعدة «كل شيء أو لا شيء»؟ الجميع يتحدثون عن ضربة «محدودة في الزمان والمكان»، كما يستخدم السياسي الأميركي عبارة «معاقبة» الذي ارتكب جريمة استخدام السلاح الكيماوي المحظور دولياً وليس «إسقاطه»، وثمة فارق بين…

سعادة الشعب في «الزوننغ» وتحديد ساعات العمل

السبت ٢٤ أغسطس ٢٠١٣

أمضيت عيد الفطر في مسقط الرأس بالمدينة المنورة. كنت أبحث عن السعادة المفترضة في وجوه الأهل والأصدقاء. بالطبع كان هناك الكثير منها، ولكن معها قدراً من الشكوى المتوقعة في أي مجتمع من الغلاء والبطالة، وكذلك إجراءات الحكومة لعلاج أزمة البطالة، فكثير من أهالي المدينة تجار وباتوا يضيقون من إجراءات السعودة التي تفرضها عليهم وزارة العمل، وبعضهم يرى أنها لن تحل المشكلة وإنما قد تدفعهم إلى خارج السوق. الشكوى التقليدية الثانية والتي يشترك فيها سكان المدينة مع غيرهم من السعوديين هي تباعد المسافات بين الأهل وفراق الأحبة إلى آخر هذه الرومانسيات والنوستالجيا المعتادة في الأعياد. توافق ذلك مع انشغال الجميع بهاشتاق «الراتب لا يكفي الحاجة» الذي أطلقه شاب في «تويتر»، فتحول إلى قضية اقتصادية لكُتاب الأعمدة، وحديث مجالس ما بين قائل إنه يكفي وزيادة، وآخر يؤكد بالأرقام والتحليل الاقتصادي المتقن أنه تآكل في ذاته بفعل تضخم محلي وعالمي، بينما كبلت الدولة اختياراتها بسياسة دعم يستفيد منها التجار قبل أن يستفيد منها المواطن. الحديث في الاقتصاد مفيد لأي مجتمع، وهو مدعاة للبحث عن حلول تحفظ للمجتمعات المستقرة استقرارها، وقد بات الاستقرار هاجساً للمواطن السعودي، وهو يرى حال العرب من حوله ممن لم يتفكر قادتهم في شأن الاقتصاد وحياة وأرزاق الناس، وانشغلوا بالحكم ومكايدات القوى السياسية. فما الحل الذي يسعد المواطن السعودي ويريحه…

حديث الشوق إلى فريج العمامرة

الخميس ٠٨ أغسطس ٢٠١٣

في البحرين عادة جيدة، هي المجالس الرمضانية، حيث لكل عائلة مجلس كبير يستقبلون فيه ضيوفهم في ليالٍ محددة طوال الشهر الكريم، فيمضون وقتهم بعد صلاة التراويح في مجلسهم أو يزورون مجالس غيرهم . في مجلس رمضاني سمعت حديثاً بين رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان ومواطن بحريني عن «أيام زمان» في أحياء البحرين القديمة، كان الحوار حول من بقي في «فريج العمامرة»، الذي نشأ فيه مُحاور رئيس الوزراء، ومن انتقل، وما حصل في تلك الأيام، كان في الحديث قدر هائل من الاشتياق الرومانسي لتلك الأيام والأماكن القديمة، وهي حالة أراها تتكرر حيثما جلست مع رجالات ذلك الزمن القديم في بلادي، «والبحرين أيضاً باتت بلادي بحكم القرابة والحب»، فلماذا هذا الاشتياق لتلك الأحياء القديمة ونحن من ضاق بها، وتخلى عنها؟ ضقنا من أزقتها الضيقة، وأسقفها العالية، وأبوابها الخشبية، بعدما تمثلت لنا الحداثة والتطور في المباني الإسمنتية الحديثة، في أحياء ذات طرق فسيحة، بدون شجر أو ظل، بعيداً عن وسط المدينة القديم الذي كانت مبانيه تحن لبعضها بعضاً فتنشر ظلالاً في الطرقات، ونسمات باردة تنعش النفس، وسدرة خضراء شامخة وسط الحي يجلس تحتها بائع الثلج وزجاجات الكوكاكولا والفانتا المسقعة. حوار رئيس الوزراء والمواطن فيه الجواب، إنه افتقادنا لعلاقة جميلة لا تعوضها أجمل المباني وأوسع الطرق، إنها «الجيرة» أن تخرج من بيتك نحو…

لا حل ولا سلام في تقسيم سورية

السبت ٠٣ أغسطس ٢٠١٣

كم مرة هذا العام بدا الغرب وكأنه على وشك التدخل الحاسم ضد النظام السوري ووضع حد لحربه على شعبه؟ وكم مرة تحدث قادته عن عزمهم على تسليح المعارضة بسلاح نوعي يمكنها من حماية شعبها وحسم المعركة التي طالت؟ مرات عدة، ثم ما لبث أن تراجع وعاد إلى أسطوانة أن إرسال السلاح سيؤدي إلى مزيد من معاناة الشعب السوري، أو أنه يمكن لهذه الأسلحة أن تقع في اليد الخطأ ما سيشكل تهديداً للمنطقة، فما الذي يحصل؟ هل ثمة مَن ينشط كلما استيقظ الضمير الغربي فينصحه بما يعيده إلى حالة اللامبالاة التي يبدو أنها الأصل؟ هل هي نظرية «اتركوهم، دعوهم يقتلون بعضهم بعضاً ففي النهاية سيكون هناك منتصر؟». هل هي إسرائيل؟ حسناً، كأني أسمع مَن يقول: «ها أنت تعود لإلقاء اللوم على إسرائيل كي تهرب من الإشارة إلى تقصير العرب ودول المنطقة المتضررة (أو التي يفترض أنها متضررة من تردي الأوضاع عند أشقائهم السوريين)، ولكن إسرائيل مهمة ومؤثرة، وبخاصة في واشنطن التي ما إن تبدأ في الحديث عن عزمها على إرسال أسلحة نوعية أو حتى التدخل، وقد صرح أوباما بذلك مرات عدة، حتى يخرج مسؤول ما ويعدد أسباباً تنصح بعدم التدخل، مثل ارتفاع الكلفة التي تصل إلى بلايين عدة، وضرورة حشد عشرات الآلاف من الجنود ومئات الطائرات، كما ورد في تقرير قدمه…