الجمعة ٠٢ أغسطس ٢٠١٣
عدت اليوم من جنوب أفريقيا، ولعلي سأشعر بالندم غداً عندما تحين الرابعة والنصف عصراً هنا في البحرين، ولما يحِنْ وقت الإفطار الذي سيكون بعد ساعتين من ذلك الوقت، ودرجة الحرارة من حولي تقترب من الأربعين. ولكني أرشح دربان وبقية مدن جنوب أفريقيا الكبرى للجمع فيها ما بين رمضان والإجازة الصيفية، وهذا للسعودي الذي يحتمل الابتعاد عن مكة والمدينة في رمضان، وهؤلاء قلة باستثناء المبتعثين والدبلوماسيين، الذين تحكمهم ظروف الدراسة أوالعمل بالبقاء خارج الوطن، معظم أصدقائي الذين كانوا خارج السعودية قبيل شهر رمضان سارعوا بالعودة للوطن، فلا مكان يعدل الصيام في مكة والمدينة أو قريباً منهما، شخصياً أنوي قضاء العشر الأواخر في المدينة المنورة في رحاب الحرم النبوي، وإخواني وأخواتي، وحيث مرتع الصبا وذكريات الأحبة، ولا أحبة أذكرهم في رمضان قدر والدي ووالدتي رحمهما الله. أما جنوب أفريقيا فهي، إضافة إلى طقسها الشتوي الرائع والمعتدل ونهارها القصير، فيها نحو 4 ملايين مسلم يشكلون بعضاً من نسيجها الأصلي المشكّل من الأفارقة والبيض، فمساجدهم في كل مكان، وأطعمتهم وأكلهم الحلال، وإذاعات إسلامية تبث القرآن الكريم والأدعية بأصوات محلية، وأكثر من ذلك أن أهلها يحبون المسلمين العرب، يكفي أن تقول إنك من المدينة المنورة أو مكة المكرمة، وسوف تجد احتفاء منهم غير مسبوق. المسلمون هناك جاء بهم المستعمر الأبيض قبل 400 سنة من شرق…
الخميس ١٨ يوليو ٢٠١٣
أحياناً يبحث الصحافي عن قصة فلا يجد، ولكني كنت وما أزال مؤمناً أن هذا غير صحيح، أفضّل كصحافي أن أعترف بعدم رغبتي في الكتابة، ولا أقول بعدم وجود ما أكتب عنه، فحيثما ينظر الصحافي الحقيقي فثمة ما يمكن أن يكتب عنه وينقله للقراء. مثلاً من حولنا بارجات حربية هائلة، وسفن وطائرات، لا نسمع عنها إلا عند حصول مواجهات عسكرية أو مناورات، ويتذكرها الإعلام عندما تكون هناك تهديدات وتصعيد بالمنطقة، ولكنها عند غياب كل ما سبق تستمر في الإبحار والتجوال من حولنا، في الخليج العربي، وبحر العرب وبعيداً حتى المحيط الهندي. على متنها آلاف من جنود ومهندسين وأطباء، وكل ما يحتاجونه لتسيير هذه المدن الأمريكية التي تعوم من حولنا، فكيف هي الحياة عليها؟ هذا ما أجابت عنه الصحافية فضيلة الجفال في كتابها «أيام مع المارينز»، التي ستصدر طبعته الثالثة قريباً عن دار مدارك، والذي كان في أصله تحقيقات مطولة نشرتها في صحيفتها «الحياة»، ثم جمعتها وزادت عليها من فكرتها المزدحمة بالأسماء والأحداث، فسجلت فيه بعين الصحافي المراقب تفاصيل الحياة على هذه البارجات والسفن وطائرات الهليكوبتر في ساعات الراحة والانتظار، ثم كيف تنتفض الحياة عندما يتلقون توجيهاً لمهمة، تصف الممرات الطويلة في البارجة، والسلالم اللولبية، الطعام والترفيه والسينما والرياضة والمستوصف، بل حتى عندما يفقد البحارة أعصابهم ويختصم اثنان منهم، فلاحظت أن ثمة…
الخميس ١١ يوليو ٢٠١٣
اكتشفت وأنا في طريقي لمطار الملك عبدالعزيز بجدة للحاق برحلتي إلى البحرين، إنني متأخر والطائرة على وشك الإقلاع والأفضل أن أعود للبيت، ذلك أنني قرأت موعد الوصول على أساس أنه موعد الإقلاع، ولكني مضيت قدماً نحو المطار مؤملاً أن تعطل نظام الجوازات الذي شل مطارات المملكة قبل أيام مازال مستمراً وربما تأخرت الرحلة، ولكن من سوء حظي وحسن حظ بضعة آلاف من السعوديين يريدون التمتع بإجازاتهم الصيفية، فلقد تم إصلاح النظام وأقلعت طائرتي في موعدها. غريب أن أفعل ذلك وأخلط بين الموعدين، فأنا مدمن سفر، ومجهز هاتفي الذكي ببرمجيات عدة أسجل بها مواعيد سفري وبالتالي لا يجوز أن أخطئ في أمر كهذا وكل معلومات الرحلة في متناول يدي، لمت نفسي كثيراً ولكن هربت أبحث عن عذر وقلت إنني « ديسلكسيك»! لست متأكداً من ذلك، ولكني لاحظت منذ صغري أنني أعاني صعوبات في حفظ جدول الضرب مثلاً، أو أخلط بين المنصوب والمرفوع، وكل ذلك من علامات الديسلكسيا، وقبل أن يقول أحدهم، هذا ليس مرضاً، إنه « جهل « أقول له، لقد قال هذا كثير من المعلمين أو الآباء لأولادهم، ضغطوا عليهم، اتهموهم بالكسل، أحياناً بالغباء، بينما لو تم تشخيصهم مبكراً لرحموا أنفسهم وأبناءهم قبل ذلك من هذه المعاناة، ووفروا تعليماً خاصاً وتدريبات معينة تمكنهم من التعلم، علماً أن كثيراً من الأذكياء…
الإثنين ٠٨ يوليو ٢٠١٣
بين يديَّ درع تذكارية ـ تسلمتها قبل قليل بعدما شاركت في ندوة ـ ستنضم إلى زحمة من الدروع أرصها بدون فخر في دولاب ينوء بها، أعتقد أنني سأتخلص من معظمها، فهي لا تعني لي الكثير باستثناء اثنتين، درع بسيطة هي جائزة علي وعثمان حافظ للصحافة، حصلت عليها مع شيك بقيمة 10 آلاف ريال عام 1990 وتسلمتها من الناشرين هشام رحمه الله ومحمد علي حافظ المؤسسين لأعرق المؤسسات الصحافية، لا السعودية فقط، بل العربية، وهي الشركة السعودية للأبحاث والنشر. هذه الدرع تعني لي الكثير، إذ كنت يومها صحافياً ناشئاً، وحزت التكريم من بين زملاء أسبق مني في المهنة، وقد حملتها معي حيثما حللت في تقلباتي الوظيفية الكثيرة، فهي درع أعتقد أنني استحققتها عن جدارة، إذ كنت يومها صحافياً ميدانياً أغطي الحرب الأفغانية ضد السوفييت، أما بقية الدروع، فهي لا تعدو شكراً لحضور ندوة، أو كانت أقصى ما تفتق عن ذهن مدير العلاقات العامة بدائرة حكومية، وبالتالي لا تؤسس لعلاقة شخصية وإن حملت اسم المُهدى إليه. بدأت الدروع كلوحة نحاسية يكتب عليها عبارة شكر وتقدير مع اسم المكرم بالحفر، حتى تبقى للتاريخ! ثم أخذت تتطور وتكبر ويثقل وزنها، حتى رأينا دروعاً أو مجسمات تذكارية ينوء بحملها العصبة من الرجال تقدم عادة لكبار المسؤولين، وقد عملت مع مسؤولين كبار، ولا أريد أن أخبر…
السبت ٠٦ يوليو ٢٠١٣
يفترض أن حملة الاعتقالات التي يشنها «النظام الجديد» بمصر على «الإخوان المسلمين» ما هي إلا موقتة فرضتها ظروف الانقلاب والخشية من أن ينظم «الإخوان» أو أنصارهم مقاومة له تفتح باباً لفتنة لا يريدها أحد، ذلك أن مثل هذه العلاقات تتنافى مع روح الثورة الأولى (25 يناير) التي قيل إن الثورة الثانية (30 يونيو) جاءت لتصحيح مسارها. ويفترض أيضاً أن تتعافى القوى المدنية من نشوة الانتقام وتعود إلى مبادئها فترفض اعتقال خصومها من «الإخوان»، وقمع الحريات الإعلامية ونزعة الإقصاء المتنامية في الإعلام المصري، فتدعم المصالحة الوطنية ومشاركة الجميع في بناء مصر جديدة بعد السقوط السريع للجمهورية الثانية. ويفترض أيضاً أن يتوقف «الإخوان» عن تسيير التظاهرات تحت راية «إعادة الشرعية»، والاكتفاء بالرسالة التي بعثوا بها، وهي أنهم ضحوا وماتوا من أجل مبادئ الديموقراطية وسيادة الشعب، فهم يعلمون (أو يفترض ذلك) أنهم سيعجزون عن إسقاط النظام الجديد الهجين والمختلط بين عسكر ومدنيين ويتمتع بمباركة الدولة العميقة (نظام مبارك) وقوى إقليمية، فالتظاهرات الحاشدة التي أسقطتهم سمح لها وشجعت وموّلت من دولة عميقة وقوى خارجية وإعلام متواطئ ضدهم، أما تظاهراتهم فهي تفتقد كل ذلك، وسيتم التعامل معها بقسوة لأنها «تهدد الوحدة الوطنية». نعم إنه تمييز في المعاملة، ولذلك جعل الله سنة التدافع والابتلاء، والحصيف من أدرك ذلك. بعد حصول كل الافتراضات السابقة سيكون من الجيد…
السبت ٢٩ يونيو ٢٠١٣
لا يمر أسبوع في أفغانستان أو باكستان أو حتى قريباً منّا في العراق، وكل بلاد المسلمين قريبة من فؤاد واهتمام الشيخ يوسف القرضاوي، إلا وتحصل عملية انتحارية. شاب متدين يغتسل ثم يصلي ركعتين لله، يتحزم بحزام ناسف، يضمه شيخ أو من يزعم أنه شيخ أو داعية ضمة وداع وحنو تذكره بالآخرة والنعيم الذي ينتظره، يبكيان معاً ليقول له: «موعدنا الجنة.. موعدنا الجنة»، ثم يتركه يمضي إلى مسلمين مثله ليفجر نفسه فيهم لمجرد أنهم في المعسكر الآخر الذي يخاصمه. قد يكونون حراسة في نقطة تفتيش أو حتى مصلين في مسجد في باكستان والعراق. أصبحت الحسينيات وتجمعات الشيعة هدفاً مفضلاً وإن كانوا مدنيين ونساء وأطفالاً. بالتأكيد فإن فضيلته لن يفتي بجواز مثل هذه الأعمال، بل إنني سأتجرأ وأجزم أنه سيفتي بحرمتها، وأنها جريمة تصل حدّ الحرابة. منذ أن خرجت علينا «القاعدة» بفقهها الخارج عن قواعد أهل السنة والجماعة في فقه الجهاد، وللشيخ كتاب مرجعي رائع فيه، ويحمل العنوان نفسه، والعالم الإسلامي يعيش استباحة غير مسبوقة للدماء، إلا في أزمنة الخوارج والقرامطة، والشيخ يؤكد مثل غيره من الفقهاء على حرمة دم المسلم، ولكننا نرى استسهالاً وانتهاكاً من دون تورع حيثما سادت الفوضى والحروب في بلاد المسلمين، فالأسابيع الأخيرة حملت لنا صوراً قبيحة تشوّه الإسلام. فتى يعدم في حلب من دون محاكمة، وطفل ينحر…
الجمعة ٢٨ يونيو ٢٠١٣
طالما تمنيت أن أكون كاتب دراما لمسلسل سعودي أو خليجي طويل، وحيث إن رغبتي هذه لن تتحقق أبداً «في ما يبدو»، فسأكتفي بممارستها في هذه المساحة المخصصة لمقال أسبوعي، فأكتب مقدمة دراما مثيرة، محورها التجسس الذي بات متاحاً لكل إنسان أن يمارسه، بعدما كان حكراً على أجهزة الاستخبارات. المشهد الأول لأبو راشد، رجل أعمال طموح، يدخل مكتب أبو صالح، هامور فخم مثل أبطال المسلسل الشهير، الذي ستتابعونه على شاشات «روتانا» بعد أسابيع قليلة «هوامير الصحراء» يتعمد أبو راشد أن ينسى على مكتب أبو صالح سبحة ثمينة، فعندما يذكره بها يحلف أبو راشد أنها هدية، ويحلف بالطلاق أنه لن يأخذها من يد أبو صالح، يقبل الأخير الهدية ويشكره عليها. هنا تبدأ الأحداث، في السبحة جهاز التقاط دقيق يتحول إلى أذن لأبو راشد في مكتب أبو صالح وفي بيته، إنه الآن يعرف كل الأسرار التي يحتاجها، كي تساعده في منافسة خصمه، ولكنه أيضاً يعرف أسراراً أخرى أكثر مما ينبغي، بعضها خاص وعائلي، تعود بنا الكاميرا إلى الوراء، وكيف تحول أبو راشد من تاجر قنوع، ورب أسرة طيب إلى إنسان آخر، مليء بالعقد والشك، بات “يتأمر” ويتصرف بقسوة حيال الآخرين، بدأ ذلك خلال زيارة سياحية إلى لندن، يومها لفت انتباهه متجر اسمه دكان «الجاسوس» دخله من باب الفضول، عرضت عليه شابة حسناء بعضاً…
السبت ٢٢ يونيو ٢٠١٣
لو رسمنا خريطة لمؤيدي النظام السوري، لوجدناها للأسف تتماثل مع التوزيع السكاني للأقلية الشيعية في العالم الإسلامي، تستثني من ذلك أصواتاً قليلة هنا وهناك أصدرت بياناً للمثقفين الشيعة في لبنان، أو منشقين عن «حزب الله» خرجوا على الفضائيات العربية يقولون إن الحزب لا يمثلهم، ويعبّرون عن قلقهم من جر الطائفة إلى صراع طائفي يتخوفون أن يدفعوا ثمنه لاحقاً في محيط سني أكبر يمثل غالب الأمة. هذه الاستثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها. على أطراف هذه البقعة الممتدة من إيران والعراق ولبنان الشيعيَين توجد بقع صغيرة لا تكاد ترى أو تسمع في العواصم العربية لمثقفين قوميين، أو سياسيين ناصريين، وبعثيين يظهرون تأييداً لبشار الأسد، ويكررون نظرية المؤامرة الأميركو - صهيونية التي تستهدف قلعة الممانعة والجيش العربي الأخير، وهم مثل الأصوليين الشيعة الذين يقودون عموم أبناء الطائفة إلى تأييد النظام، لا يرون «لافتة الحرية» الواضحة الجلية الهائلة، التي يرفعها الشعب السوري المنتفض منذ أكثر من عامين، ولكنهم يرون وبوضوح «التكفيريين، وأكلة الأكباد، والانتحاريين»، وكأنهم كل الثورة السورية التي هي وطنية إسلامية معتدلة وذات قاعدة عريضة تمثل كل أطياف الشعب. نعم هناك تكفيريون ومنتمون لـ «القاعدة» والتيارات السلفية المتشددة يقاتلون في سورية، تحركهم كراهية الشيعة والحداثة وكل ما هو.. آخر، لا يطالبون بديموقراطية، ودولة مدنية حديثة يتساوى فيها كل السوريين، ولا يمكن أن نراهم…
الجمعة ٢١ يونيو ٢٠١٣
أعترف ـ باعتباري ناشطاً تويترياً ـ أنني «أبلك» الكثيرين، ذلك أنني أستمتع بالكتابة والتواصل مع مئات الآلاف من الأصدقاء، ومن هم ليسوا بأصدقاء ولكني لا أراهم أعداء وإنما أصحاب وجهات نظر مختلفة، ولكني أضيق من الشتامين والثقلاء أحياناً، أعترف أنني قمت خلال ثلاثة أعوام من الحياة في «تويتر» بـ«تبليك» 1678 «متَوْتِراً» حتى تاريخه، و«التبليك» لمن لا يعرفه هو أن تضع حظراً على «متَوْتِر» فلا تسمح له بالدخول على مساحتك التي يسمونها في تويتر «المنشن». ولا أعرف فيما إذا كان ذلك «البلوك» يؤدي إلى تشييد حاجز بيني وبينه فلا يقرأ لي ولا أقرأ له. ثم وجدت بعضاً من هؤلاء «المبلكين» يشكون أنّي غير ديمقراطي وغير متسامح، وأضيق بالرأي الآخر، وهنا تظهر مشكلة في البنية الفكرية عندهم، فهم يحسبون أن السُباب والتجريح يدخل في دائرة «الحوار» وأنه مجرد «رأي آخر» ما يكشف عن سبب آخر لحاجتنا إلى تطوير مناهج التعليم في بلادنا. في أمريكا، حيث درست بناتي بحكم عملي هناك فترة من الزمن كنت أسعد بالاستماع إليهنّ وهنَّ يتمرنَّ على درس «المناظرات»، فثمة حصة دراسية، بل ومسابقات في المناظرة، فيختار الأستاذ موضوعاً يحمل وجهين، فيختار كل طرف موقفاً وينافِح عنه، للإعداد للمناظرة يجب أن تجمع ليس فقط المعلومات التي تُحاجِج بها، وإنما «المنطق» الذي تؤسِّس به حجتك، وبالطبع فإن السُباب والتجريح مرفوضان…
الأربعاء ١٩ يونيو ٢٠١٣
وظيفة الدولة أن توفر «السعادة» لمواطنيها، أتمنى أن يُجعل هذا ضمن دساتير الدول العربية التي يُعاد تأسيسها الآن في زمن ما بعد «الربيع العربي»، ولتحقيق ذلك يجب أن تضع الدولة الشاب أو الشابة في أول سلم السعادة، بعدما تُعلِّمه التعليم الجيد. وأول هذا السلم هو مساعدته في تملك منزل، لا هبة ولا منحة وإنما بالتقسيط طويل المدى، يدفع أقساطه من راتبه الذي يحصل عليه بعدما يتحقق له الشرط الثاني في سلم السعادة، وهو الوظيفة، ثم يصطحب زوجته إلى متجر مبدع للمفروشات، ليؤسّسا عش الزوجية بفرش أنيق يتوافق مع قدرتهما المالية وبالتدرج. ليس من الضروري أن يكون البيت واسعاً، ولا الوظيفة رفيعة، إنهما البداية، مثل مرحلة التعليم التي مرّا بها، خلال تلك المرحلة يُتقن ويتدرب الشاب أو الشابة على مهارات العمل، والانضباط، وفن التعامل مع الآخرين، من المدير الثقيل إلى الزميل الطموح الذي لا يتورع عن التسلق على ظهور الآخرين، إنها الحياة الحقيقية كما ينبغي أن يتعلماها، أما الشقّة فهي أيضاً بداية السلم العقاري الذي يجب على الدولة العاقلة التنموية أن تساعد أبناءها على اعتلاء أولى درجاته، بمختلف المحفزات، مثل إنشاء بنك إسكان يوفر قروضاً بفوائد منخفضة أو أن تتحمل الدولة إن كانت غنية الدفعة الأولى فور ما يحصل أحد الزوجين على وظيفة، إنه ليس «البيت الحلم» وإنما مجرد عش يأوي…
السبت ١٥ يونيو ٢٠١٣
عندما صِيغ مصطلح «الهلال الشيعي» قبل أعوام كان ذلك في معرض التحذير من مشروع التمدد الإيراني عبر المشرق العربي. الآن وبعد هزيمة الدول الإقليمية الكبرى في معركة القصير وشعور الأصولية الشيعية بنشوة الانتصار، المتجلية في تدفق مئات المتطوعين الشيعة من العراق والرعاية الإيرانية المعلنة للحرب، فإن الهلال بصدد التحول إلى محور سياسي طموح يمتد من طهران حتى بيروت مروراً ببغداد ودمشق. ستخرج خرائط من أدراج وزارة النفط الإيرانية لمد خط أنابيب عبدان - طرطوس للنفط والغاز الإيراني، وخرائط أخرى من أضابير هيئة السكك الحديد الإيرانية لمد سكة حديد طهران - دمشق، بل حتى بيروت. لِمَ لا؟ فالزمان زمانهم. لا أبالغ، فثمة أفكار حقيقية لمشاريع مثل هذه تحدثت عنها طهران منذ أعوام ولكن لم تقدم عليها، ولكنها ستفعل في الغالب بعدما تحسم المعركة لمصلحتها في سورية، فمن الطبيعي أن تعزز انتصارها على الأرض بربط محورها المنتصر بمنظومة سياسية واقتصادية وعسكرية واحدة. سيحقق مرشد الثورة الولي الفقيه آية الله خامنئي حلمه بالخطبة من على منبر المسجد الأموي، معلناً أنه حقق الوحدة الإسلامية التي طالما وعد بها، سينزل من المنبر في شكل استعراضي ليمسح على رأس طفل دمشقي كسير ليُظهر «تسامح القوي»، ثم يقف بجوار عدد من علماء السنّة السوريين بجباتهم وعمائمهم البيض، فهناك دوماً رصيد من أمثال المفتي أحمد حسون جاهزون للخدمة،…
السبت ٠٨ يونيو ٢٠١٣
العالم العربي يتغير كل يوم وبشكل جذري بضغط من شبابه الذين باتوا الغالبية، بل إن الناجحين الأقوياء، جيراننا الأتراك، يخرج شبابهم غاضبين يريدون من حكومتهم أن تستمع إليهم، فحري بالحكومة السعودية أن تستمع إلى شبانها وشاباتها، فهل فعلت ذلك؟ أزعم أنها فعلت، فما يجري في السوق السعودية من تغيير هائل لقواعدها بالحملة الماضية بقوة لتخليص البلاد من الاعتماد على العمالة الوافدة بفرض مختلف التشريعات تحت مسمى «تصحيح أوضاع العمالة»، إنما هو محاولة من الحكومة السعودية لإعادة البلاد إلى طبيعتها. قبل أن يقول القارئ إني أبالغ، فإن الصورة أعمق من مجرد مئات من الباكستانيين والفيليبينيين والبنغال وغيرهم من الجنسيات الوافدة، يحتشدون منذ الصباح الباكر أمام سفارات بلدانهم يبغون تصحيح أوضاعهم أو إكمال أوراقهم كي يتم ترحيلهم بسلام إلى بلادهم. البعض يرى تأثيرات ذلك في مجرد بقالة تغلق، أو مطعم يقفل أبوابه. هؤلاء الأجانب هم الفيل الكبير في البيت السعودي الذي على رغم سعته، والقدرة المالية للجالسين فيه، وخبراتهم الواسعة، فإنهم بينما يتحدثون عن إصلاح التعليم من أجل تخريج كفاءات وطنية تستطيع منافسة الأجنبي، أو بينما يقدم خبيرهم مقترحاً لوضع حد أدنى للأجور، يجول الفيل في المكان، فيربكهم ويعطل حديثهم، حتى باتوا منشغلين بالفيل أكثر من قضاياهم المصيرية، من دون أن يجرؤ أحد أن يقول: أخرجوا هذا الفيل حتى نستطيع أن نتحدث…