محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

«الضِلْع الأعوَج»

الخميس ١٧ سبتمبر ٢٠٢٠

عندما تهزم المرأة نظيراتها في ميادين الحياة ربما تنعتها الخاسرات بأي صفة، لكن أن يتهمنها بأن فوزها كان بسبب «صفاتها الذكورية»؛ فهذا آخر ما يمكن تخيله! ولو قالها رجل ضد امرأة لقامت الدنيا ولم تقعد. غير أن هذا هو ما حدث مع العدّاءة الجنوب أفريقية كاستر سامينيا عندما فاجأت الجميع باختراق المركز الأول لمرات كثيرة أذهلت الناس؛ الأمر الذي دفع بكثير من الرياضيين إلى التحفظ على انضمام كاستر لبطولات عالمية، بعدما صارت تتفوق بصورة حيرت الجميع كما ذكرت «بي بي سي» في تقرير لها الأسبوع الماضي. وبصرف النظر عن حقيقة مزاعم البعض بأن كاستر لديها هرمون ذكوري مرتفع عن المعدل الطبيعي، يبقى التساؤل الملح: لماذا نشكك أصلاً في المرأة فور تحقيقها إنجازاً لم نألفه أو لم نتوقعه؟ ومثلما نبرر لمعشر الرجال إنجازاتهم «المذهلة»؛ فلماذا لا نفعل الأمر نفسه للمرأة ونقول إن فلانة موهوبة أو عبقرية؟ كل عام أنظر إلى نسبة خريجات الجامعات العربية لأجد النساء يناهزن الرجال من ناحية عدد الخريجين، وهن ما زلن يشكلن في بلدان كثيرة نحو نصف القوى العاملة. غير أن المشكلة تبرز عندما يقتربن من المناصب القيادية؛ إذ هنا تبدأ أسماء النساء في التناقص، وهي مشكلة عالمية؛ وليست عربية فقط. فما زالت النساء يشكلن ما دون 12 في المائة من مجالس الإدارة العربية (بحسب ذاكرتي)، و30…

اقلب الصفحة

الخميس ١٣ يونيو ٢٠١٩

أطلق الصحافي روبرت كارو (83 عاماً)، الذي يعتبر أكبر صحافي في الولايات المتحدة، كتابه الجديد. ولأنه شخص مخضرم وعُرف عنه تحليه بالصمت الشديد، إذ لم يتحدث لوسائل الإعلام إلا مرة واحدة في حياته، كما قيل، وذلك للترويج لكتابه، فإنه بلا شك يستحق الاهتمام. الثرثارون يستنزفون عادة جل ما في جعبتهم، أما من يعملون بصمت فهم أكثر من يلفتون الأنظار إذا ما تحدثوا. ويقول روبرت للقراء من جملة نصائحه: «اصمت»! أي لا تتحدث كثيراً عندما تجري لقاء صحافياً، واترك الفرصة للضيف ليتحدث أكثر. وليتنا كعرب نسمع هذه النصيحة ونستوعبها، خصوصاً ممن طغت على كثير منهم «الثقافة الشفهية»، فصاروا ينسون أن المتحدث عندما «يفرغ» ما في جعبته من كلام، فهو في الواقع لا يتعلم شيئاً جديداً، بعكس المستمع، الذي يتأمل في لحظات صمته كلام الحاضرين، فيضيف إلى عقله قطعة من روائع أفكار الناس وحلولهم ونوادرهم. وينصحنا الصحافي الأمريكي في كتابه الجديد، بأن «نقلب الصفحة» حينما عندما نقرأ كتاباً أو تقريراً مملاً، على أمل أن تأتي الصفحات المقبلة بمعلومات جديدة أكثر متعة أو فائدة. ‏ وفي رأيي أن هذه مشكلة نعاني منها فعلياً، بسبب التعليم النظامي الذي جعلنا نقرأ كل حرف، وإن لم يكن مهماً، ولم يعلمنا مهارات الغرب في التعامل مع النصوص، مثل القراءة السريعة، أو skimming وهي الاستعراض الخاطف للنص بصورة…

شماعة الأخطاء التكنولوجية

الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٨

ربما «تنجو» مؤسسة كبرى، كشركة طيران أو قطارات، من لوم الناس إذا كان سبب خطئها الفادح فنيا وليس تقاعسا أو خطأ بشرياً، غير أن هناك أسبابا إدارية أخرى قد لا نولي لها اعتبارا يذكر. الباحثان في العلوم الاجتماعية «تشارليز ناقوين» و«تري كيرتزبيرغ» حاولا معرفة هل فعلا حينما يعلق سبب مشكلة ما داخلية أو خارجية على شماعة الخلل الفني أو التكنولوجي بدلا من الخطأ البشري فإن المنظمة لا تتحمل المسؤولية عن ذلك الخطأ. وبالفعل منحا مجموعة من المشاركين مقالا «مفتعلا» غير حقيقي يشير إلى حادثة حقيقية وقعت في هيئة قطارات ولاية شيكاغو الأميركية حيث تقدم قليلا أحد قطاراتها بدلا من أن يتوقف. وقيل لنصف المشاركين أن السبب يعود إلى خلل فني (تكنولوجي) في الحاسوب المرتبط بأوامر القطار فجعله يتحرك قليلا. وقيل للنصف الثاني أن سبب الحادثة هو خطأ بشري. النتيجة كانت أن المشاركين أنحو باللائمة على هيئة القطارات بصورة أقل حينما علموا أن السبب كان تكنولوجيا. وتكرر الأمر نفسه في دراسات عدة. الهروب من تهم الناس ربما يكون سهلا بإلقاء اللائمة على عوامل خارجة عن سيطرتنا، غير أن تكرار الخطأ بالمفهوم الإداري الرقابي يعني أن هناك رائحة تقصير أو تقاعس تتطلب نوعا من التحقيق. ومن ينظر إلى مشكلة شماعة الأخطاء الفنية بمنظور عالم الإدارة يجد أن الأخطاء التكنولوجية عموما قد يقف…

إضمار اللؤم والبغضاء

الخميس ١٧ مايو ٢٠١٨

يروى أن دباً كان يعدو في إثر اثنين كانا يفران منه في الغابة. فوقف أحدهما ليحكم رباط حذائه. التفت إليه الآخر فقال وهو يلهث: يا أحمق أتحسب أنك تسبق الدب؟!، فأجاب الآخر: ويحك، لا أريد أن أسبق الدب، بل يهمني أن أسبقك أنت، حتى تكون أنت فريسة للدب الهائج فيشبع!، صعق صاحبه من هول الصدمة. هذه القصة الرمزية، تذكرني بمجريات الحياة وبيئات العمل. فتجد زميلاً مهنياً يمضي جل وقته في تفانٍ لتطوير زملائه أو مرؤوسيه، فيما يضمر له هؤلاء الشر، رغم نقائه وصدقه في معاونتهم. ويفعل هؤلاء اللؤماء ذلك، على أمل أن يظفر أحدهم بمنصبه أو امتيازاته، بعد استقالته أو نقله أو نفيه إلى منطقة نائية. وهناك من يتحين الفرصة ليبالغ في إظهار مشاكل مديره أمام الإدارة العليا، فما إن يعود المدير من إجازته، إلا وقد اكفهرت وجوه مسؤوليه بسبب من كان يمشى بالنميمة، أو المبالغات، أو القصص التي ليس لها أساس من الصحة. واللئيم لا يؤتمن على سر، فاللؤم خبث في النفس، يدفع صاحبه إلى التعريض بمن ائتمنه على معلومة. فيظهر السخرية أو الشماتة في غيابه، ويهمز ويلمز، اعتقاداً منه بأنه بذلك يلقى في نفوس من يعيرونهم آذاناً مصغية. غير أنه ينسى «الشَّمَاتَةُ لُؤْمٌ» كما في الأمثال، وأنها الوجه الآخر للبغض. وأن البغض سلاح الضعيف، وهو انتقام الجبناء. أرى…

تعكير «صفوة المجتمع»

الثلاثاء ٠٨ مايو ٢٠١٨

يقول مؤلف الكتاب الجميل «الحضارة»، د. حسين مؤنس، الذي حاول فيه دراسة عوامل قيام حضارات الشعوب، ومقومات تطورها، إن لكل أمة صفوتها، وهي أقلية واعية «تقود وتوجه وتبتكر، وتنظر إلى الأمام، وتحسب حساب الحاضر والمستقبل». باختصار: هذه الفئة معروفة، وتنال احترام الناس عادة، لأنها ليست انتهازية، وتضع مصلحة الوطن نصب عينها، قبل مصلحتها الشخصية، فهي تنطلق برؤيتها لتنمية المجتمع من مبادئ نبيلة راسخة في وجدانها. هذه الفئة يطلق عليها الفرنسيون لفظ «Elite»، وهو تعبير فرنسي «انتقل إلى كل اللغات الغربية»، بحسب د. مؤنس، وتحمل على عاتقها هم تطوير المجتمع وتقدمه، وقد تبين تاريخياً أن كثيراً ممن قادوا نهضة الأمم من تلك النخب كانوا من «متوسطي الذكاء»، غير أنهم يتطلعون دوماً نحو تحقيق أهدافهم الوطنية أياً كان موقعهم، ومستعدون ليفنوا حياتهم من أجل تلك الغايات السامية. وكما قال أرنولد توينبي: «لا بد لكل جماعة إنسانية من صفوة، فئة قائدة، لكي تتقدم وتتحسن أحوالها... ومصير تلك الجماعة كلها مرتبط دائماً بهذه الصفوة وأحوالها». ولذا، فإن صفوة المجتمع عادة ما يكابدون عناء مشقة التفكير بتقدم مجتمعهم، فيما ينعم غيرهم برغد الحياة. وكما قال المتنبي: ذو العقلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بِعقلِهِ... وأخو الجَهَالةِ في الشَّقاوَةِ يَنعَمُ وأسوأ ما يمكن أن تصاب به «نخبة المجتمع» أن تدب بينهم الخلافات، فيتركون أسمى غاياتهم الوطنية، وينشغلون في…

الفواجع والقرارات المؤسسية

الخميس ٢٥ يناير ٢٠١٨

آلمتنا كارثة حريق الفجيرة الذي نجت منه أم مكلومة وراح ضحيتها أطفالها السبعة الذين لم يتبق منهم سوى بصمات أياديهم البريئة على الجدران المتفحمة وهم يحاولون الهروب من جحيم الفاجعة. وبقدر هذا الألم سررت بقرار مؤسسي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بتوجيه الدفاع المدني بصورة عاجلة «للتأكد من وجود أنظمة للحماية من الحرائق متصلة مع الدفاع المدني مباشرة في كافة بيوت المواطنين» وأن الدولة ستتحمل تكاليف من لا يستطيع توفيرها. ما همني في هذا القرار أنه لم يرتكز على حل وقتي بل دائم لا يرتبط بهمة أشخاص وفتورها. مشكلتنا مع الكوارث والفواجع في المنطقة أننا نعالجها بقرارات عاطفية وننسى السؤال الجوهري: كيف نقلل احتمالية حدوثها مستقبلاً؟ التاريخ يزخر بأمثلة للقرارات المؤسسية الحكيمة التي حاولت تقليل أضرار الفواجع. أشهرها الحريق الكبير الذي انطلق من خباز في قلب لندن ليلتهم ثلثها ويقتل نحو 13 ألف شخص عام 1666. فيما وصف بأنه أبشع حريق من نوعه في تاريخ عواصم العالم. بعدها بدأ الإنجليز بقوانين أمن وسلامة صارمة، وبتأسيس دائرة الإطفاء، والتأمين، وفرض البناء بالطابوق الإنجليز الشهير بدلاً من الخشب، وبعد فترة طويلة منعت مواقد النار المنزلية بمناطق معينة، فصارت بريطانيا مضرباً للمثل في اشتراطات الأمن والسلامة. والأمر نفسه، يتجلى في عالم الطيران، فحينما تسقط طائرة أو تتعرض لخلل أو مكروه ينطلق إليها…

الكتابة والهروب من المسؤولية

الخميس ١٨ يناير ٢٠١٨

لا يكاد يخلو اجتماع مجلس إدارة في العالم، ولا في وزارة وبرلمان ومؤسسة رفيعة، من محاضر اجتماعات يدون فيها حيثيات اللقاء وقراراته. وذلك لسبب بسيط، وهو أن الناس حينما «يقع الفأس بالرأس»، تتهرب من المسؤولية أو تكذب أو تحور كلامها. وقد رأيت ذات مرة، كيف تمعرت وجوه المشاركين في لجنة رفيعة كنا نناقش فيها قضية بالغة الأهمية، كُلفنا بها، وكان سيتمخض عن النقاش قرارات وتوصيات ترفع لجهات عليا. هذا التردد يحدث في كل مكان. ، حينما يشاهد مشارك غير واثق من نفسه أو غير مستعد أصلاً للاجتماع، آلة التسجيل وهي تدور لتدون ماذا يجري في الاجتماع. وأخطر ما في هذا الأمر، حينما ينفي أحدٌ ما قاله بالفعل. من هنا، جاءت فكرة توقيع المتهم على محاضر التحقيقات المكتوبة، وكذلك التصديق على محضر الاجتماع في الجلسة التالية. وهذه مسألة مهمة، لأنه اتضح فعلياً أن الناس تكذب في النقاش الشفهي، أكثر بأضعاف المكتوب. فعندما طلب الباحث في شؤون الاتصال بجامعة كورنيل العريقة جيف هانكوك من مجموعة من المشاركين في دراسته بأن يدونوا، بطريقة علمية، لمدة أسبوع، ما يجري من كذب في محادثاتهم. فتبين له أن الآخرين قد كذبوا عليهم بنسبة 14 في المئة‏ عبر البريد الإلكتروني، و21 في المئة‏ عبر دردشات الرسائل النصية القصيرة، و27 في المئة عبر النقاش الشفهي، ونحو 37 في…

النوم والمزاج والسعادة

الخميس ٢١ سبتمبر ٢٠١٧

أهدرت سنوات طويلة من حياتي كنت أعامل فيها نفسي بقسوة بحرمانها من النوم الكافي بدعوى غرس روح الانضباط، عبر مواعيد الاستيقاظ الثابتة مهما كانت قلة ساعات النوم، حتى تبحرت في قراءة أبحاث عدة رصينة. وشاهدت لقاءات مصورة، لم أعد أذكر عددها، لأبرز المهتمين في هذا المجال فوصلت إلى قناعة راسخة، من تلك الدراسات، إلى أن قلة النوم تقف وراء تعكر مزاجنا وتذبذب تركيزنا وشعورنا الخادع بالجوع. آخر تلك الأبحاث ما قرأته أمس على صدر الصفحة الأولى للتايمز اللندنية حيث تبين «سر السعادة يكمن في نوم جيد»، ذلك أن الباحثين اكتشفوا أن هناك استعداداً كبيراً لدى المشاركين لتفضيل النوم المريح على زيادة في الدخل بمعدل 50 في المائة! وليس هذا فحسب بل إنهم مستعدون لاختيار التمتع بنوم جيد على قائمة بكل عناصر أسلوب الحياة lifestyle التي يمكنهم التحكم بها. هذه النتيجة طبعاً كانت بعد استبعاد أي عناصر لا يمكن للمرء أن يتحكم بها مثل سلالته وجنسه وعمره وغيرها. لم أستغرب هذه النتائج بصراحة بعد أن أدركت ماذا تصنع تلك السويعات التي يطلق عليها العلماء مرحلة النوم العميق أو «جودة النوم». فالبعض يظن أن الموضوع مرتبط فقط بإجمالي عدد الساعات وينسى أنه إذا ما اختلت مرحلة النوم العميق اختل معه مزاجه وشعوره لاحقاً. فالإنسان عموماً يمر بأربع مراحل طوال مدة نومه. وتبدأ…

أقصر مسافة بين متحاورين

الثلاثاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٧

إذا كان الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين، فإن القصة هي كذلك أقصر مسافة بين متحاورين والأدلة كثيرة. فالقصة التي يعتبرها البعض موروثاً شعبياً لتمضية الوقت، أو لتزيين الخطب، وأجواء المجالس الاجتماعية، قد أظهر ثلة من الباحثين أن وقعها على آذان من نحاول إقناعهم أكبر بكثير من الحديث الوعظي المباشر. فحينما نصغى إلى قصة تروى بشكل جيد، فإننا ننغمس مع الراوي في عالم السرد القصصي، حيث تأخذنا شخوصها وأماكنها إلى أجواء رحبة تسهم في تغيير ردود فعلنا العاطفية وشيء من قناعاتنا حتى بعد ردح من الزمن. وهذا ليس كلامي بل هو ما أكدته دراسات عدة منها أبحاث كل من تيموثي بروك وميلاني غرين. ولكل قاعدة شواذ. وهذا الأمر يتجلى حينما يمارس الراوي أثناء خطبته قصة جذبت انتباه المنصتين لأنها انطبقت عليها نظرية «transportation» في الحوار، وهي تلك اللحظات التي ينسى فيها المرء ذاته وهو يروي بانهماك شديد حكايته، فينعكس ذلك على سلوكه، الأمر الذي يعزز من قوة وقع هذه القصة. لكن الصدمة الحقيقية في رأيي تكمن في أن المرء يفقد جل مصداقيته حينما يكتشف الناس لاحقاً أنه كان يمارس ضدهم مسرحية هزلية من الضحك على الذقون، استغلالاً لتلك الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وينسى أو يتناسى أنه إذا كان لدى البعض ذاكرة القطط فإن عصر أرشفة كل شاردة…

العقل الجمعي العربي

الخميس ٢٤ أغسطس ٢٠١٧

لو طُلِبَ من فرد ومجموعة مكونة من ألف شخص أن يخمنوا عُمر شخص آخر أو وزنه لا شك أن معدل إجابة الجماعة ستكون أقرب للدقة من مجازفة تبني رأي واحد. هذه الفكرة التقريبية التي بني عليها «العقل أو الذكاء الجمعي» موجودة حاليًا في جيبك وفي قطاعات أخرى. فكل هاتف نحمله هو في الواقع يضم تطبيقات ومواقع تقيس مدى ترددنا على خبر أو سلعة أو خدمة معينة، فيحفظ في ذاكرته ملايين السلوكيات التي يمكن أن تتنبأ إلكترونيًا بما ينشده أو يفضله المستخدم. ومن أمثلته موقع «غوغل»، وموسوعة «ويكيبيديا»، وأسئلة «ياهو»، والأحزاب السياسية، والشركات الناجحة، والنقابات، ومدارس الموهوبين، ومجالس الإدارة، والهيئات الاستشارية. هذا يعني أن الذكاء الجمعي collective intelligence هو تعاون تكافلي للقدرات الذهنية في مسعى لتجنب القصور أو الانحراف الإدراكي الفردي، مقارنة بالتفكير الجماعي للعقول. وهذا ما لا يدركه من يؤثر الانفراد بالرأي على حسن الإصغاء لآراء من حوله. ولا يختلف عاقلان على أن هناك قوة بشرية هائلة تبزغ حينما نجمع الناس مكانيًا أو إلكترونيًا، لنستقي منهم معلومات تساعدنا وتساعدهم في اتخاذ القرار. من هنا، جاءت أيضًا أهمية الشورى أو الديمقراطية. وربما هذا ما جعل دساتير عدة تقيد قرار شن الحروب بيد البرلمان أو الحكماء حتى لا يلقي زعيم ديكتاتور البلاد والعباد في أتون معاركه وعنترياته. والذكاء الجمعي موجود في مخلوقات…

هذا هو القائد الحكيم

الخميس ١٠ أغسطس ٢٠١٧

سُئِل سقراط: «لماذا تم اختيارك أحكم حكماء اليونان؟»، فقال: «ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعترف بأنه لا يعرف». والمتأمل لهذه العبارة يجد أنها بالفعل إحدى صفات القائد الحكيم، وهي أنه لا يتباهى بمعارفه، بل يضعها رهن إشارة السائل، ولا تتدفق درره ومعارفه إلا وقت الحاجة. والقائد الحكيم يؤمن بأن «الأفعال أبلغ من الأقوال»، ولذا يدرك أهمية ممارسة أسلوب القدوة الحسنة أو «Leading by example». والقائد الحكيم هو الذي يفرق بين «السرعة» في اتخاذ القرار حينما تكتمل أركانه، وبين «التسرع» الذي يجانبه الصواب في أحيان كثيرة. ومن علامات الحكمة حينما نرى في خضم النقاشات الصاخبة والعقيمة كيف يفرق القائد في مداخلاته بين الرأي والحقيقة، فالحقيقة مسلمات قلما تكون مجالاً للنزاع، أما رأينا فصواب يحتمل الخطأ، كما قال الشافعي. وسميت الحكمة بذلك لأنها تأتي من «حَكم» الشيء أي أجاد إحكامه، ومن تعريفاتها معرفةُ أفضل الأشياء بأَفضل العلوم، وهذا أحد الأسباب التي تدفع بالقائد الحكيم، لأن يحيط نفسه بأفضل المستشارين البارزين في مجالاتهم ويصغي لهم ويحترمهم بالدرجة نفسها التي يزدري فيها المنافقين والمطبلين من حوله. كما أن ارتباط الحكمة بالعلم- كما قلنا- يجعل القرارات الحكيمة قابلة للاستيراد، وذلك باستشارة أصحاب الخبرات. وكما قال الشاعر: «فخذوا العلم على أربابه.. واطلبوا الحكمة عند الحكماء». وقال أيضاً: «إذا كنت في حاجة مُرْسِلا.. فأرسل لبيبًا ولا توصهِ..…

وجاهة الإقناع ووضاعة الفبركة

الخميس ٠٣ أغسطس ٢٠١٧

«لا يمكن أن تقنع شخصاً ما حتى تؤكد له أنك فهمت المشكلة من وجهة نظره». فكيف سيكون حال الشخص حينما يكتشف أنك أصلاً لا تأبه بإقناعه، بل تمعن في اختلاق القصص أو فبركتها أمام الناس. العبارة الأولى هي إحدى النصائح الجميلة التي أسداها إلينا المحاضر الشهير في فنون الإقناع د. غاري أورن حينما كان يحاضر بنا في جامعة هارفارد ضمن برنامج تدريبي مكثف لنحو 27 قيادياً تم انتقاؤهم من الوطن العربي. هذا الأستاذ الذي تتلمذ على يديه الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاعة نفسها، قال لنا «في عالم الإدارة، نعتبر أن 2 في المائة من المشكلات التي تواجهنا هي مجرد محاولات لاتخاذ القرار المناسب، في حين نمضي 98 في المائة من الوقت في محاولات حثيثة لنقنع الآخرين بقبول هذه القرارات». وهذا المعنى واقعي وينطبق على مختلف الصعد، لا سيما ونحن في عصر باتت فيه حاجتنا لإقناع من حولنا أكثر صعوبة من أي وقت مضى، حيث ارتفاع مستوى التعليم، وسرعة الحصول على المعلومة، وتدني الأمية لمستويات غير مسبوقة منذ بدء الخليقة كل ذلك جعلنا نواجه معضلة إقناع البعض، وخصوصاً ممن يعتقدون واهمين أن التشبث بالرأي أو التشدق به هو نوع من أنواع إظهار قوة وصلابة الموقف، ناسين أن الحوار ليس معركة يجب أن ننتصر بها، بل هو مقارعة الحجة بالحجة. وكم…