مشاري الذايدي
مشاري الذايدي
صحفي وكاتب سعودي

ما زلنا في مسرح العبث

الخميس ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤

مدهشٌ، ومحبطٌ في آن، هذا التكرارُ العبثي، والاستعاداتُ الزمنية، لنفس الأزمات وذات النقاشات في مجالنا العربي ومنطقة الشرق الأوسط جمعاء. الحق أقول لكم، لو استعرضت مقالات الرأي وصفحات التحقيقات بالجرائد وبرامج الجدل السياسي ومقابلات الساسة، من منطقتنا، أو رسل الدبلوماسية الأميركية والروسية والأممية، ستجد تقريباً محتوى الكلام والأفكار، لم يتغير كثيراً، وكلَّما استبشرنا بكسر حلقة هذه الدائرة المهلكة، عادت فاستحكمت حلقاتها، ولم تفرج! قبل 14 عاماً كان هذا الجواب لمجلة «المجلة»، عن مصادر القلق السعودي في المنطقة... والمصدر الآخر للقلق السعودي، وهو لا يقلُّ خطورةً عن القلق الإيراني، هو طبيعة الدور الأميركي في المنطقة، ومستقبل عملية السَّلام مع فلسطين، التي هي مفتاح أساسي، ولا أقول وحيد، لتثبيت الاستقرار في المنطقة، نحن لا نعلم أي مصير ينتظر القضيةَ الفلسطينية، وماذا ستفعل الإدارةُ الأميركية غيرَ ما فعلت الإدارات التي قبلها، وإلى متى يمكن تحمُّل حالةَ التفتت والفوضى وتفريخ جماعات العنف والتخريب وتأجيل التنمية، بسبب عدم وجود رغبة جادة في السلام من قِبل إسرائيل؟ وهل مطلوبٌ من السعودية ودول العالمِ العربي أن تضعَ كفاً على خد الانتظار، حتى يقرّر الإسرائيليون ذاتَ يوم أنَّهم مستعدون للسلام؟ وأين دور أميركا في ذلك كله؟ ما أشبهَ الليلة بالبارحة! لكن الثابت فيها، أو من الثوابت هو أنَّ جوهر السياسة السعودية الإقليمية كلها فكرة رئيسية ناظمة لها، وهي…

مصر… القبطية والعربية والأفريقية

الأحد ١٨ أغسطس ٢٠٢٤

في مصر، هناك جدل مُثار لدى بعض المهتمين حول الارتباط بالهوية المصرية القديمة، أو القبطية، كما هو شائع، هناك من تطرّف في ذلك، لدرجة أن «بي بي سي» العربية نشرت تحقيقاً ضافياً، لوائل جمال، بعنوان: «لسنا عرباً... مصريون يتعلمون اللغة القبطية... لإحياء هويتهم الأصلية والحفاظ عليها من الاندثار، فما القصة؟». التحقيق نقل عن زاهي حواس، وزير الآثار السابق، وعالم الآثار المصرية الشهير، تأكيده مراراً في أكثر من لقاء أنَّ المصريين «ليسوا عرباً أو أفارقة». كما رصد التحقيق زيادة الإقبال لدى بعض الأجيال الجديدة، خاصة على منصّات السوشيال ميديا، على «محو الأمية القبطية»، والمناداة بتدريس القبطية القديمة بالمدارس المصرية بهدف «إحياء الهوية». عبد الحليم نور الدين، أستاذ اللغة المصرية القديمة بجامعة القاهرة، في دراسته «اللغة المصرية القديمة: الخط القبطي (اللهجة الصعيدية)». يخبرنا - كما نقل التحقيق - أن: اللغة القبطية نهضت من كبوتها في منتصف القرن الـ19، ونبغ فيها كثيرون من بينهم: عريان أفندي جرجس مفتاح (متوفى سنة 1888 ميلادياً)، والإيغومانس فيلوثاؤس، والقمص تكلا، وبرسوم أفندي الراهب في وقت البابا كيرلس الرابع (1853-1861)، الملقب بأبي الإصلاح، فوضعوا لها الكتب. ويلفت نور الدين إلى أن «اللغة القبطية المستعملة الآن في الكنائس والأديرة ليست هي اللغة القبطية الأصلية، وذلك بسبب التغيرات التي أدخلها المعلم الأرثوذكسي عريان أفندي جرجس مفتاح (في عام 1858) على…

ريما… وإيمان

الإثنين ١٢ أغسطس ٢٠٢٤

لم تعد قضية البطلة الجزائرية الذهبية إيمان خليف تخصّها أو تخصّ حتى بلدها، أو تنحصر حتى في مجال ميديا الأولمبياد، بل صارت قضية أخلاقية سياسية ثقافية. من المعلوم، أنه ومنذ هَزمت إيمان منافستها الإيطالية في ربع النهائي، أنجيلا كاريني، وهي تتعرّض للتشكيك في جنسها، وأنَّها ليست أنثى، ودخل على الخطّ ساسةٌ من أنحاء العالم، معها أو ضدها... رغم أنَّ بيانَ اللجنةِ الأولمبية كان حاسماً في أنَّ إيمان وُلدت أنثى ودخلت المنافسات أنثى... وفازت وهي أنثى. التعليقُ الرائع، بل الموقف الكبير، الذي صدرَ عن الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، عضوِ اللجنة الأولمبية الدولية، على هامشِ الجمعية العمومية الـ142 للجنة، ينغي التنويه به، والتأمل فيه. ريما بنت بندر، كما نعلمُ، شخصيةٌ دبلوماسيةٌ دوليةٌ، فهي سفيرةُ بلادِها في واشنطن، وهي إلى ذلك رمزٌ من رموز تمكينِ المرأة السعودية، بل صارتْ في موقفِها الأخير هذا رمزاً للمرأة العربيةِ الحديثة الواثقة، من خلال دعمِها للجزائرية إيمان خليف، البطلةِ الذهبية للملاكمة. الأميرة ريما في الجلسةِ الختامية للجنة الأولمبية الدولية قالت: «لا يمكنني أن أبقَى صامتةً عما يتم تداولُه إعلامياً بشأن إيمان خليف». وأضافت عن إيمان: «منذ طفولتِها بوصفها ابنةً لعائلة مُحِبّة لها في الجزائر، اجتهدَت إيمان خليف طولَ حياتِها لتصبحَ رياضية أولمبية، تنافس أمام العالم، وكما هو معروفٌ فإنَّ الطريقَ الذي سلكَته يتطلّبُ الكثيرَ من…

إيران… ومكافأة إسحاق شامير

الأربعاء ٠٧ أغسطس ٢٠٢٤

قال الشاعر العاشق الشهير، قيس بن ذريح: وخَبَّرتُماني أَنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ... لِلَيلى إِذا ما الصَيفُ أَلقى المَراسِيا فهذي شُهورُ الصَيفِ عَنّا قَدِ انقَضَت... فَما لِلنَّوى تَرمي بَليلي المَرامِيا؟ لمَ أذكر هذا الشعر العذري العربي الشفيف؟ خطر لي وأنا أستذكر تصريح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن هجوماً من إيران و«حزب الله» ضد إسرائيل يبدأ في وقت مبكر من الاثنين (الماضي) حسبما ذكرت 3 مصادر مطلعة على المكالمة لوكالة «أكسيوس». اليوم (الأربعاء)، لم يحصل شيء «استثنائي» في الهجوم على إسرائيل، ما عدا خطبة نصر الله اللبناني، الذي أشاد فيها بصبره وصبر جماعته، وحسن «رويّتهم»! هل يعني ذلك أن إيران وجماعاتها لن تبادر بإطلاق مسيّرات أو صواريخ، فائدتها الإعلامية أكثر من العسكرية؟! أو صورة أخرى من الردود (نتذكر تفجير المعبد اليهودي في بيونس آيرس مثلاً). أيضاً لا ندري. لكن هذه «الرويّة» الإيرانية تُشعر أن هناك مفاوضات لـ«تكسيب» إيران من هذا الصبر والحلم والأناة. هذا ما تقوله تقارير عن وفود أميركية من إدارة بايدن زارت طهران لإقناع قادة النظام بعدم الردّ على إسرائيل، وإن كان لا بدّ من ردّ، فليكن محدوداً مدروساً يُشبع الشهيّة الإعلامية، ولا ينكأ عدواً! ليس أميركا فقط، بل كشف مصدران إيرانيان بارزان لـ«رويترز» أن الرئيس الروسي بوتين طلب من المرشد خامنئي توخّي الحذر في ردّه على مقتل هنية، مضيفين…

هل التنمية ممكنة في هذه المنطقة؟

الإثنين ٠٥ أغسطس ٢٠٢٤

هل يمكن السير في طريق التنمية والاقتصاد والتعليم والسياحة والبحث العلمي، وغير ذلك من البرامج السلمية، دون الانشغال بالسياسة والأمن والحرب ومكافحة الإرهاب وعالم الجريمة المرتبط به (مخدرات، تجارة أسلحة، غسيل أموال)... هل يمكن ذلك؟ إذا أصغينا للأخبار الآتية من إيران والعراق وسوريا ولبنان وغزّة والسودان والصومال واليمن، أتحدث عن محيطنا الإقليمي، فلن نجد إلا أخبار الحرب أو الاستعداد للحرب والصواريخ والعبوات الناسفة والاغتيالات والميليشيات وأنصار المهدي وأنصار الإسلام وأنصار القدس وأنصار الله؟ ستقول: مالك أغفلتَ إسرائيل من القائمة، أليست هي الأخرى مشعلة الحروب، منفّذة الاغتيالات، مرسلة الطائرات الفتاكة، وموقدة النار؟ نعم، هي كذلك، وأكثر، لكن هل أثّر ذلك على موقعها في الأبحاث العلمية والتعليم والتطور التقني والاقتصاد؟! قارن دولة حجمها أضعاف إسرائيل، وسكانها كذلك، بل إمكاناتها الجغرافية والاقتصادية، أعني إيران، لا هي التي سقت اقتصادها وتعاهدته بالتنمية، ولا هي التي حاربت فأحسنت الحرب، بنجاعة وحسم. دعك من يمن الحوثي وحشد العراقي، وقسّام غزّة، وحزب لبنان، وقوة رضوانه الباسلة! الاختبار الدقيق، والامتحان الصعب، هو في مُضيّ الدول العربية التي آثرت الإمعان في طريق التنمية، والاستثمار في المستقبل، على رأسها «جُلّ» دول الخليج، دون الانزلاق لمزالق الفتن والقلاقل والفوضى، الزلِقَة، فمن وقع هناك في عجين الطين الموحل، لن يخرج منه إلا بغوث رحماني ومعجزة إلهية. الدول الفاشلة، كما هو التعريف المعروف…

ليلة طويلة من بيروت إلى طهران

الخميس ٠١ أغسطس ٢٠٢٤

بفارق ساعات، وجّهت إسرائيل قذائفَها نحو قيادات كبرى في «حزب الله» وحركة «حماس»، الأولى في معقل الحزب، الضاحية، والثانية في قلب النظام الإيراني، طهران، الأولى للقائد الأمني والعسكري الأول في الحزب، فؤاد شكر أو الحاج محسن، والثانية لرئيس حركة «حماس» وخطيبها الأول إسماعيل هنية. لا شك أن ما جرى ليل البارحة خطير ونوعي في زمانه ومكانه وطبيعة الشخصيات المقتولة. يفترض أنّ تأمين خليفة وتلميذ عماد مغنية، في عمق الضاحية، والحرص على سرية حركته، من أوجب الواجبات لـ«حزب الله»، كما أن إسماعيل هنية، الذي كان ضيفاً مميزاً للنظام الإيراني وكان نجم ليلة تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، يفترض أنه في غاية الاحتضان والحماية من الدولة الإيرانية كلها، لكن مع هذا، ناله صاروخ إسرائيلي «موجه ناحية جسده»، كما قال البيان الإيراني. هي رسالة فاقعة من إسرائيل، ربما تقترب في درجة خطورتها من قصة استهداف قاسم سليماني، صحيح أن سليماني ضربته الصواريخ الأميركية بأمر من دونالد ترمب ولم تشارك حكومة نتنياهو حينها، عسكرياً، في الضربة، لكن ما جرى في ليلة «الثلاثاء الأسود» من إسرائيل البارحة، يوازي أو يتجاوز صواريخ ترمب! إلى أين نحن ذاهبون؟! هل تستوعب إيران الضربتين من مربع حزبها في بيروت إلى عمق طهران ومنزل هنية المستهدف فيه، كما استوعبت من قبل مقتل رمزها الأول، سليماني، عدا هجمات وضربات مضبوطة…

لعبة التريند… إنتَ وحظّك!

الثلاثاء ٣٠ يوليو ٢٠٢٤

فرقٌ صغيرٌ، لكنه في خطره كبير، بين تحفيز فضول الجمهور لمتابعة عملٍ ما، قبل عرضه، وبين وقوع العمل، وصنّاعه، في حقل ألغام ينفجر بهم! أنت تعمل فيلماً أو مسلسلاً أو وثائقياً أو برنامجاً، وتصرف عليه المال، والجهد، لضمان أن يتابعه ويتفاعل معه أكبر قدْرٍ من الناس = الجمهور، إلا ربما في حالات الأفلام النخبوية أو التجريبية كما يقال، وكذا المسرحيات. لا مهرب من أن الدراما وصناعة المحتوى البصري أضحتا تجارة كبرى، تُدّر الأموال الهائلة والقناطير المقنطرة، على شركات الإنتاج ونجوم التمثيل وكل أجزاء الصناعة نفسها، والمُخدّمين عليها من خارجها. لكنها في الوقت نفسه، ليست منبتّة الصلة بالسياسة وأهلها، ونحن نعلم أن السياسي صاحب القرار، يضع عينه دوماً على حركة الجمهور، ولا يشغله شيء مثل «إدارة» هذا الجمهور، فهو - أي الجمهور - وحشٌ مُتخيّل، حسب شرح المفكّر الفرنسي الشهير، غوستاف لوبون، في تحفته الشهيرة (سيكولوجية الجماهير)، وقِلّة من الساسة عبر التاريخ، من أحسن ترويض هذا الوحش، كلَ الوقت، لصالحه، أو قلْ لصالح «المشروع» الأكبر للدولة والمجتمع. هذا الكلام قبل اختراع ساحات التفاعل الاجتماعي، السوشيال ميديا، وتجارة البيانات العالمية، فكيف نقول بعدها؟! لا حاجة اليوم، في أغلب الأحيان، لدى صاحب القرار الأمني والسياسي، لمطالعة حجّة الذي ثار عليه الجمهور، من خلال أدوات: هاشتاق. تريند. وكل أرقام ومؤشرات التفاعل، المهم هو التفاعل…

البحث عن 50 ألف باكستاني من العراق لليمن

الإثنين ٢٩ يوليو ٢٠٢٤

كشفٌ خطير، ألقته علينا الأخبار، هو إعلان وزير الشؤون الدينية في باكستان، شودري حسين، حسبما نقلت عنه الصحافة الباكستانية أن نحو 50 ألفاً من الزائرين الباكستانيين، الشيعة، اختفوا في العراق خلال السنوات الماضية. الأمر الذي أقرّ به مسؤولون عراقيون - تقريباً - وتحدّثوا عن الإيقاع بشبكات سطو وبلطجة، في العراق، من الجنسية الباكستانية السائبة مؤخراً. هل يمكن أن يكون هذا التدفق المستمر، الزائد عدده، عبر السنوات، للزوار الباكستانيين للمزارات الشيعية بالعراق، أمراً مُخطّطاً له، تحت غطاء ديني، لتوزيع هؤلاء الرجال على «الجبهات» المحتاجة لهم؟! نحن لدينا بالفعل لواء كامل صنعه الحرس الثوري الإيراني من الشيعة الباكستانيين باسم «زينبيون» شارك أفراده في الحرب السورية، بل في قلب دمشق بسوق الحميدية، وكانوا بئس الناس في التعامل مع أهالي دمشق. في الفترة بين 2002 و2013 أنشأت إيران 54 جامعة طائفية للتوجيه والتكوين، وصل عدد الطلبة الباكستانيين، حسب تحقيق مهم لـ«الشرق الأوسط»، الدارسين في الجامعات الإيرانية أكثر من 35 ألف طالب. كما أن التخطيط والتوجيه الإيرانيين لشيعة باكستان تبلور و«تعنقد» خطرهما، بعد وصول التيار الخميني للسلطة 1979، ولم تكتف إيران بالتعاون المذهبي والتعاطف الطائفي مع شيعة باكستان، بل اشتغلت على تحويل هذه الشريحة السكّانية لعنصر نفوذ وتخريب داخل باكستان. تختلف تقديرات عدد الشيعة من الشعب الباكستاني، البالغ عدده حالياً حوالي 250 مليون، فالمتحفّظ يجعل…

أسطورة أميركية جديدة اسمها ترمب

الإثنين ١٥ يوليو ٢٠٢٤

بمحاولة الاغتيال الفاشلة، دخل دونالد ترمب التاريخَ الأميركيَّ، بل العالمي للأبد، بصرف النظر عن فوزه من عدمه بالانتخابات الرئاسية المقبلة. لا شيء مثل الدَّم المُهراق على مذبح السياسة ومَنحر الجماهير يجلب ذئابَ الإعلام وقروش المؤرخين. ستظلُّ صورةُ وجهِ ترمب وقطراتُ الدماء تنساب على صدغه، وهو يرفع قبضةَ النصر وفوقه يحلّق العلَم الأميركي، ستظل خالدة تالدة فاعلة في الناس الأفاعيل. إن نجح ترمب في الوصول للبيت الأبيض من جديد، هذه المرة، فسيكون أشبهَ بالقدّيس الجمهوري، حالة تشبه حالة مارتن لوثر كينغ بالنسبة لحركة الحقوق المدنية السوداء، بل إن زادت أسطورته الجماهيرية الأميركية، فقد يراه البعض مؤسساً جديداً، أو مصححاً في أقل الأحوال، للانحراف والانجراف اليساري الأوبامي في أميركا. على فكرة، لو رجعنا لسيرة الرئيس الأميركي التاريخي الرمز، إبراهام لنكولن، في وقته، وبمنظار خصومه، حتى بعض أنصاره حينها، فلن نرى القداسة نفسها التي حَظِيَ بها المحامي النحيل صاحبُ الوجه المنحوت، لنكولن. الرمزية تُصنع مع تعاقب الأجيال، وفي معامل الزمن المتوالي، ومن يدري، قد تصبح صورة ترمب، لاحقاً، صورة قريبة من هذه الرمزية. في القرن التاسع عشر، بينما كان مسافرٌ أميركي يجوب سهول ولاية كنتاكي، تعطّلت عربته في البرية، سمع صوتَ رجلٍ يخطب وحيداً في الفراغ، يصرخ بأعلى صوته: أيها الشعب الأميركي! تنبّه له الرجل، فتقدَّم للسلام عليه معرّفاً بنفسه: أنا إبراهام لينكولن.…

على الشاشة… لكن هناك من لا يريد مشاهدتهم!

السبت ١٣ يوليو ٢٠٢٤

لا يعني عدم متابعتك لأخبار الطقس والمناخ أن التغيّرات الطبيعية كفّت عن الحدوث... أبداً، كل ما هنالك أن شخصك الكريم لم يعلم بالأمر، أو لم يحفل به حتى لو علم! هل انتهى نشاط الإرهابيين في دول الخليج العربي؟ هل انتهت «داعش» و«القاعدة» ومجاميع «الإخوان» التي تفقس علينا من بيضها كل عام فقسة أو فقستين؟ أو هل انتهى نشاط العصابات والشبكات التابعة لـ«الحرس الثوري» وتوابعه في العراق ولبنان واليمن، في دول الخليج!؟ على العكس، فالتسخين الطائفي والسياسي والشحن الحربي يغذّي ماكينات التجنيد للجماعات الإرهابية، تارة من أجل حماية المراقد المقدّسة والشعائر الحسينية، وتارة من أجل نصرة الخلافة وإقامة الجهاد «الفريضة الغائبة». لا يعني أن جلّ الميديا ومحتوى السوشيال ميديا لا تتابع الأمور كما السابق، وأن الخطر اختفى، فنظرة على منصات وحسابات معروفة، مثل «تيك توك» و«تلغرام»، وغيرهما من المنافذ، تطلعك على «فوران» القوم ونشاطهم في التجنيد. رغم أن السلطات المعنية في منطقة الخليج لا تخفي الأخبار، لكن ثمّة، بعض «المجوّدين» في الإعلام، من يريد تكريس «مزاج» معيّن، يضع كفّيه على عينيه، حتى لا يرى، والدنيا ربيع والجو بديع! قبل أيام، قرّر قاضي التجديد في القضاء الكويتي استمرار حبس 5 مواطنين كويتيين جندوا ودعوا آخرين للقتال مع «داعش»، والتحريض على قلب نظام الحكم، والتخطيط لاستهداف الشيعة في الحسينيات، والقوات الأميركية، والإساءة للسعودية…

الجنسية السعودية و«الرؤية»

الأحد ٠٧ يوليو ٢٠٢٤

في علم النباتات والأحياء عموماً، فإنَّ التطور منوط دوماً بحدوثِ تجديد واستقطابٍ متكرر، يعرف ذلك أهلُ الاختصاص، بل وأهل الخبرة الحياتية التلقائية. اكتساب الخبرات والكفاءات هو من مؤشرات النمو والتطور في المجتمعات، بل إنَّ دولة عظمى مثل أميركا تعد أكثرَ الدول منحاً للجنسية في العالم، وبعض الدول مثل أستراليا وكندا تمنح الجنسية حسبَ نقاط معينة. بعيداً عن هذه التفاصيل ومناهج الدول في هذا الميدان، يظل إدخالُ عناصرَ ومواهبَ وكفاءاتٍ جديدة، عاملاً مهمّاً من عوامل الارتقاء وتقوية القوة البشريةِ النوعية. في السعودية، ومنذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، كانت السعودية مقصداً للمواهب العربية، وكانت هناك جملة من المستشارين وكبارِ الموظفين في الدولة الناشئة من منابعَ عربية مختلفة تنوَّعت بين العراق وسوريا وفلسطين ولبنانَ ومصر وليبيا، صاروا بعد ذلك من رجال الدولةِ المخلصين، أمثال الدملوجي وياسين وحمزة وحافظ والقرقني... وغيرهم. قبل أيامٍ صدرت موافقةُ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمنحِ الجنسية عدداً من العلماء والأطباء والباحثين والمبتكرين ورواد الأعمال والمتميزين من أصحابِ الكفاءات والخبرات والتخصصات النادرة. هذه الخطوة هي سياق دعم الدولة السعودية لجهود التنمية الاقتصادية والصحية والثقافية والرياضية والابتكار في البلاد، حيث سبق أن صدرت الموافقة على منح الجنسية عدداً من المتميزين في هذه المجالات عام 2021. هذه المنح الملكية، تأتي بشكل خاص، مراعاةً للغايات العليا لدعم التنمية…

حروب الاسترداد

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠٢٤

هناك بعدٌ خفي في تصعيد المشاعر الطائفية الشيعية في العراق وبلاد الشام، بعدٌ يرجع قروناً للوراء، للقول إن «الأصل» كان في هذه الجغرافيا هو الهيمنة الشيعية، فيما يعرف بالعصور الشيعية، ويراد استعادتها، طبقاً لهذه القراءة التاريخية الانتقائية «الاستردادية» على طريقة حروب الاسترداد الإسبانية في عصورها المظلمة! بالعودة إلى حجج منظري هذا الاسترداد، الأخفياء، فإن القرون الهجرية: نهاية القرن الثالث، والقرنين الرابع والخامس وشيئاً من السادس، كانت عصور الهيمنة الشيعية في خراسان العراق وبلاد الشام ومصر وبعض الجزيرة العربية وبعض شمال أفريقيا. الزيديون حكموا اليمن وطبرستان شمال إيران، والحمدانيون حكموا شمال العراق وشمال الشام، والقرامطة حكموا شرق الجزيرة العربية وبعض وسطها وكذا بعض جنوب العراق والشام، والفاطميون العبيديون حكموا الشام ومصر وشمال أفريقيا والحجاز. والدولة البويهية حكمت العراق. ناهيك عن الدولة الصليحية الفاطمية باليمن. انتهى هذا كله طبعاً بعد انتصار السلاجقة الأتراك على البويهيين، والأسرة الزنكية ثم الأيوبية على الفاطميين، والأسرة العيونية على قرامطة هجر، وكل هؤلاء كانوا سنّة يدينون بالولاء الديني والرمزي للخلافة العباسية. لتصوير الأمر وتقريبه تاريخياً: الدولة البويهية الفارسية في العراق 334 - 447ﻫ / 945 - 1055م الدولة الفاطمية قامت في المغرب الأدنى (أفريقية) في أواخر القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي (297هـ/909م)، وسقطت رسمياً بمصر، وآخر خلفائها هو العاضد سنة 567 هجرية. الدولة القرمطية سقطت في شرق الجزيرة…