توفيق السيف
توفيق السيف
كاتب ومفكر سعودي

المعنوية حيث تلتقي جميع الرسالات

الخميس ٢٢ يونيو ٢٠١٧

الحوارات اليومية للمفكر السوري د. محمد شحرور على قناة روتانا، هي في ظني أفضل عمل ثقافي قدمه الإعلام العربي خلال هذا الشهر المبارك. تعرفت على شحرور للمرة الأولى في مطلع تسعينات القرن الماضي، من خلال عمله المثير للجدل «الكتاب والقرآن». وللحق فإن تحليله الفريد للنص القرآني قد صدمني وسفه كثيراً من قناعاتي المستقرة. لكنه علمني أن فهم النص مشروط بالعبور منه إلى ما وراءه. هذا «الوراء» قد يكون تخيلاً للاحتمالات الممكنة في النص، أو ربما قائمة معايير أولية بسيطة ترجع إليها كل الأخلاقيات والمثل، أو إطاراً عاماً يجمع ما تظنه الخيوط التي تربط بين حياة البشر المادية وحياة الإنسان المعنوية. وجدت ثلاثة مفاهيم تشكل ما أظنه إطاراً عاماً يجمع كل آراء محمد شحرور، هي الدنيوية، والمعنوية، والعقلانية. من حيث المبدأ تصور شحرور الإسلام وكتابه المقدس منهجاً لتنظيم حياة البشر في الدنيا. ما يتعلق بالغيب والآخرة مجرد تكملة للقواعد التي تنظم الحياة الدنيوية. ثم إنه تصور الحياة الدنيا العاقلة كنموذج أولي لتطبيقات القيم الدينية. والحق أن القرآن لا يدعونا لغير القيم العليا وقواعد العيش الكريم، التي توصل إليها عقلاء البشر في كل زمان ومكان. قد تختلف تطبيقات تلك القيم ومقاصدها الفورية بين ظرف وآخر أو بين مكان وآخر، بحسب موقعها في التشكيل العام للظرف الاجتماعي - الاقتصادي الراهن. لكنها في نهاية…

تبعات الدولة الآيديولوجية

الخميس ٠١ سبتمبر ٢٠١٦

ذكرت في مقال الأسبوع الماضي المعايير الثلاثة المقترحة لتطبيق وصف الدولة الفاشلة أو المتردية. وأبرزها عجز الدولة عن فرض سلطانها على كل أراضيها، ثم انهيار نظام الخدمات العامة، وأخيرا تردد المجتمع الدولي في الاعتراف بالحكومة كممثل قانوني وحيد لبلدها. وقد رجحت المعيار الأول مع بعض التحفظ. المعيار الأول، وهو موضوع هذا المقال، ينصرف عادة إلى معنى محدد، هو امتلاك الدولة لقوة عسكرية تمنع ظهور أي قوة مماثلة خارج نطاق القانون، سواء كانت هذه جماعة سياسية مسلحة أو منظمات إجرامية كبيرة. سبب التحفظ على هذا المعيار هو مسار الأحداث في ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا وليبيا. قبل انفجار العنف كانت هذه الدول تخضع لحكومات قوية، تملك منظومات أمنية شديدة الفعالية، واسعة الانتشار، متغلغلة في تفاصيل حياة المجتمع. لكنها فشلت جميعا في منع انزلاق المجتمع إلى الانقسام وانفجار العنف الأهلي، بل إن القوات المسلحة نفسها، فشلت في صون وحدتها، فانقسمت وتصارعت. هذا يستدعي أسئلة ضرورية، مثل: هل تسبب انقسام المجتمع في انقسام القوات المسلحة أم العكس؟ وهل كانت بذور الانقسام كامنة في المجتمع أو في القوات المسلحة، حتى في ظل الدولة القوية؟ لعل قارئا يجادل بأن الانقسام ولد بعد انكسار النظام. بمعنى أن انكساره هو سبب الانقسام. وهذا الاستدلال غير صحيح. فهو قد يدل أيضا على أن الانقسام كان نشطا تحت…

تبعات الدولة الفاشلة

الجمعة ٢٦ أغسطس ٢٠١٦

في 2005 بدأت مجلة «فورين بوليسي» نشر القائمة السنوية للدول الفاشلة أو المهددة بالفشل، في إطار شراكة بحثية مع مركز الأبحاث المعروف بصندوق السلام. كان مفهوم «الدولة الفاشلة» قد لفت أنظار الباحثين بعد نشر المجلة نفسها مقالاً في نهاية 1992 بقلمَي جيرالد هيلمان وستيفن راتنر، حول ظاهرة تفكك الدولة القومية وتصاعد الصراعات الإثنية في العالم، سيما بعد انتهاء الحرب الباردة. وخلال العقدين الماضيين حاول عدد من دارسي العلاقات الدولية، وضع تعريف معياري للفشل، يمكن احتساب عناصره بصورة موضوعية وقابلة للتطبيق في كل الحالات. لكن هذا الهدف ما زال بعيد المنال، بسبب العلاقة الحرجة بين التعريف والمخرجات التي يصعب وصفها دون «نظرية مسبقة»، أي - بصورة من الصور - تقرير شبه آيديولوجي يحدد كيف نرى الواقع وكيف نصفه. لكن يمكن القول إجمالاً إن الباحثين المتحفظين يميلون للحديث عن دولة «هشّة» أو «متردّية». بمعنى أنها مرشحة للفشل، دون القطع بأنها فاشلة فعليًا. ويقترحون في هذا السياق 3 متغيرات معيارية، تحدد تصنيف أي دولة بين ناجحة أو متردية: أ‌) ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة، أو تزايد الجماعات المسلحة التي تعمل خارج إطار القانون، أو تستعمل مصادر قوة الدولة بخلاف أغراضها القانونية. وبالتالي عجز مؤسسة الدولة عن حماية المواطنين. ب‌) انهيار منظومات الخدمة العامة وفشلها في تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين، الأمر الذي يجعل وجود الدولة…

العرب السعداء

الأربعاء ١٠ أغسطس ٢٠١٦

أظن أن معظم العرب قد فرحوا بفشل الانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. بعضهم فرح لأنه في الأساس ضد الانقلابات. وبعضهم فرح لأنه مع الديمقراطية، بغض النظر عن موقفه الخاص من الحزب الحاكم أو قادته. لكن المؤكد أن تيار الإسلام الحركي كان أسعد الناس بما جرى، للأسباب السابقة، ولأسباب أخرى يعرفها الجميع. ما وجدته مهما في المسألة كلها، هو معنى الفرح العربي بما جرى. وأستذكر هنا حلقة نقاش عميق عقدت قبل عقد من الزمن، حول سؤال: هل سيكون وصول الإسلاميين إلى السلطة عاملاً في تجديد الدين، أم سببًا لتلويثه بعيوب السياسة؟ لفت نظري في تلك الحلقة حديث حماسي لأحد زعماء الإخوان الخليجيين حول خطورة ما سماه الإسلام الأميركي، الذي قال إن مؤسسة «راند» البحثية المعروفة تعمل على تسويقه. وفحوى تلك الفكرة أن واشنطن وضعت خطة كلفتها نصف مليار دولار، تستهدف فرز الجماعات الإسلامية القادرة على التكيف مع النظام الدولي من تلك المعادية له. ثم فتح أبواب السياسة أمام الصنف الأول. وقال المتحدث إن المقصود في نهاية المطاف هو تصنيع تيار مائع ذي مضمون علماني أو شبه علماني، يتغطى بعباءة الإسلام. وذكر في السياق عددًا من الجماعات الإسلامية التي دخلت فعليًا في هذه الخطة، من بينها حزب العدالة والتنمية، الذي لولا تنازلاته في الجانب السياسي والعقيدي، لما سمح له…

نعم.. نحن قادرون

الجمعة ٢٩ أبريل ٢٠١٦

أكثر ما أثار اهتمامي في (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) هو تأكيدها أننا نستطيع التغيير، وأننا قادرون على صنع مستقبل أفضل من حاضرنا. ركزت وثيقة الرؤية على الجانب الاقتصادي. وهناك بالطبع قضايا كثيرة تشكل أجزاء ضرورية لبرنامج التحول في معناه الشامل، أهمها في ظني أربع: أ) ترسيخ سيادة القانون، وجعله سقفا فوق الجميع، وحاكما على الجميع من دون تمييز. هذا يعني بشكل محدد التقليص المنتظم للسلطات الشخصية لبعض الإداريين، وتمكين عامة الناس من الرجوع دوما إلى نصوص قانونية واضحة وثابتة. سيادة القانون وثباته عامل حيوي لتحفيز الاستثمار وتعزيز الأمل في المستقبل. تتطلع وثيقة الرؤية إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 5.7 في المائة واستثمارات القطاع الخاص إلى 65 في المائة من الناتج القومي الإجمالي. ونعلم أن هذا صعب التحقق من دون تخفيض معدلات المخاطرة، التي يتسبب فيها عدم استقرار القانون، أو عدم حاكميته على الميول الشخصية لدى بعض الإداريين. الشفافية التي تمّ تأكيدها في وثيقة الرؤية ستجد معناه الكامل إذا ترسخت سيادة القانون. العلنية والشفافية تمكنان الناس من الحصول على المعلومات الضرورية للمنافسة العادلة، وهي بالتأكيد تساعدهم في كشف خيوط الفساد واستغلال السلطة. لكن مجرد توفر المعلومات لا يكفي لقيام منافسة عادلة. القانون القوي والمهيمن على الجميع هو الذي يحمي حقوق جميع الأطراف، أيًا كانت مراكزهم. ب) مبدأ سيادة القانون…