يوسف الديني
يوسف الديني
كاتب سعودي

مملكة «التمكين»

الثلاثاء ٢٠ مارس ٢٠١٨

في بدايات لقاءات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي مع الزميل تركي الدخيل كان المجتمع السعودي يترقب إطلالة مفاجئة ومختلفة لمسؤول سعودي رفيع المستوى يتحدث بشفافية عن برنامجه في إعادة موضعة السعودية كدولة قيادية ليس على المستوى الاقتصادي بل حتى في الجانب السياسي لإعادة ترميم انكسارات الربيع العربي وتهديد استقرار مفهوم الدولة الذي بلغ أدنى مستوياته في طول الشرق الأوسط وعرضه، ومن ثم كان حازماً ومحدداً في الحديث غير المألوف عن الموقف من التدخل الإيراني وجماعات الإسلام السياسي والعنف المسلح. كان اللقاء فاتحة للغة جديدة ومستوى من تناول المحظور من قضايا ظلت عالقة لعقود وكان بعيداً عن الأجوبة المواربة، وهو ما أكسب الأمير الشاب شعبية جارفة لدى الجيل السعودي الصاعد الذي يشكل النسبة الأكبر من سكان المملكة، وبذلك القدر من الشعبية وضع الأمير حينها جزءاً كبيراً من المجتمع الدولي ودول الإقليم والخائضين الدائمين في الشأن السعودي من المشككين والمغرضين والمنتفعين وحتى الذين يتعاملون مع «الحدث السعودي» على طريقة التسويق باعتباره شأناً مثيراً يشد الانتباه؛ وضع الجميع في موقف حرج فهو لم يدع لأحد أن يتسلل من بوابة سؤال حرج أو ملف عالق أو قضية شائكة لا يمكن الحديث عنها في الإعلام. اليوم 60 دقيقة هي أشبه ببرنامج لستين عاماً مقبلة قدم فيها ولي العهد السعودي كل التكهنات حول مستقبل…

الهجرة الكبرى… ناقوس الخطر يدق في ليبيا

الثلاثاء ٢٧ فبراير ٢٠١٨

جزء من أزمة قراءة معضلة «الإرهاب» هو النظر إليه كمتغير سياسي، وليس حالة قارّة متنقلة بحسب الظروف والمناخات التي تساعد على ولادتها ونشأتها وصعودها، فضلاً عن تأثرها بالمناخ العام في بلدان غير مجاورة للمناطق الملتهبة؛ ذلك أن المقاتلين المنخرطين في العمل المسلح (الجهاديين) منذ تحولهم إلى كتلة مفارقة ومتمايزة عن أي ظاهرة مشابهة منذ التجنيد الأولي في أفغانستان، لا ينظرون إلى الحدود إلا كعوائق أمنية للانتقال بسلاسة في تحقيق الهدف العام، وهو التجنيد والفعالية القتالية أو الانتظار حتى تحين الفرصة مع الجهوزية الكاملة آيديولوجياً وعسكرياً مما يعرف في أدبيات التنظيمات الإرهابية بـ«مرحلة الإعداد». من هنا أي قراءات تفاؤلية عن أفول أو نهاية الإرهاب أو حتى كمونه، لا تنظر إلى الصورة الكاملة للظاهرة التي تتجاوز الأطر السياسية والأمنية إلى أسلوب حياة مثالي بدوافع كرومونولوجية، لا يمكن فهمها إلا بقراءة عميقة للجريمة المنظمة بأبعاد فكرية تقدم عليها مجموعات من الأشخاص بكامل إرادتها، بل وتتعدى كل الضغوط والتحديات للوصول إلى تلك المجتمعات في مناطق التوتر والانخراط في سلوك جمعي لممارسة «العنف المقدس» من وجهة نظرها. اليوم تواجه المجموعات الإرهابية «داعش» في مناطق التوتر بالعراق وسوريا و«القاعدة في جزيرة العرب» باليمن، و«القاعدة» التقليدية في أفغانستان، إشكالية «تسليط الضوء» الذي يتخذ شكل الحرب العالمية على الإرهاب، لذلك قررت مجموعات كبيرة منها الانتقال إلى مناطق أقل…

عفرين… عودة «داعش» وحيرة المجتمع الدولي

الثلاثاء ٢٠ فبراير ٢٠١٨

ما يحدث في سوريا اليوم لا علاقة له بالحالة السياسية المضطربة إلى أجل غير مسمى، في ظل تحول الأراضي السورية إلى مركز مصالح دولية متضاربة ومتعارضة، بل هو إعادة فرض الخريطة الأمنية لدول المنطقة بمباركة روسية وتمدد إيراني ومجرد وعود وتهديدات أميركية ساخنة في ظل عجز المجتمع الدولي عن لعب دور فاعل في الملف السوري، والاكتفاء بالإدانة وبعض المشاريع الإنسانية لعلاج مخرجات الأزمة التي تبدو أكبر حتى من التغطية الإعلامية لها. أنقرة تمضي نحو التصعيد في ظل صمت روسي متودد للأدوار الجديدة التركية في الملف السوري، وهي لا ترغب في التدخل بسبب ما بدا للأكراد عقوبة قاسية تجاههم لرفضهم مشروعات الحكم الذاتي ضمن مشروع سوريا الجديدة وانحيازهم للخيارات الأميركية التي لا تبدو واضحة رغم تركيزها على مشروع محاربة تنظيم داعش المستفيد الأول من كل الفوضى الجديدة التي تمارسها دول بأجندات متناقضة، الوقوف ضد أي مشروع كردي بدعم أميركي واستغلال التحالف الأميركي - التركي الهش في التأثير على عقلنة تدخل أنقرة في شمال سوريا، في ظل اضطراب التقارير حول تراجع أميركي ورغبة في ترك بعض المناطق التي قد أعلنت في السابق أنها ستعتبرها مناطق أمنية لحماية حلفائها. هل سيعود الأكراد إلى أحضان النظام السوري والإرادة الروسية، وبالتالي استبدال موسكو بالولايات المتحدة لمواجهة أنقرة؟ الجواب لا يمكن استنتاجه من هذه الإرادات المعارضة…

«الاتجاه المعاكس» لا يصنع دولة

الثلاثاء ٢٥ يوليو ٢٠١٧

«الاتجاه المعاكس» برنامج حواري انفعالي تعبوي على قناة الجزيرة كان في فترات مضت يحقق أرقام مشاهدة كبيرة بسبب حالة التدهور السياسي التي عاشتها المنطقة منذ صعود منطق الخطاب الثوري الإعلامي لتحقيق مكاسب جماهيرية على مستوى المشاهدة ورفع نسب المتابعين دون محتوى تنويري أو تأصيل لثقافة سياسية جادة، وتضخم دوره بعد خرائب الربيع العربي ليتحول إلى ما يشبه «حلبة مصارعة» أخذت في بعض تجلياتها عراكات باليد وشتائم بالجملة وتنابزا بالألقاب والتشهير والفضائح على طريقة صحافة التابلويد، حتى غدت هناك مقاطع طويلة على طريقة الفكاهة تملأ فضاءات منصات التواصل الاجتماعي. مثل هذا التردي الإعلامي كان له ما يستدعيه في سوق الإعلام آنذاك باعتباره انعكاساً للتردي السياسي والأزمات العميقة التي عاشتها المفاهيم السياسية في المنطقة؛ من غياب مفهوم السيادة إلى مسألة رعاية المعارضات وميليشيات العنف المسلح وإعطاء فرصة لأصوات التطرف السياسي وصولاً إلى شخصيات إرهابية تبايع «داعش» على الهواء مباشرة.. كل ذلك تحت مبرر «الرأي والرأي الآخر»، لكن أن يتحول هذا السلوك الذي لا يمت إلى السياسة أو الإعلام الجاد بصلة إلى منهج سياسي تمارسه دولة كالشقيقة قطر محكومة بالجغرافيا الخاصة باعتبارها جزءاً عضوياً من جسد الخليج العربي محكوماً بهويّة خاصة تكاد تكون مطابقة على المستوى الاجتماعي والديني والثقافي للسعودية وتشابه كبير بباقي دول الخليج وبفوارق على مستوى تلك الهويّات المستدامة اجتماعياً وثقافياً…

عمر عبد الرحمن نهاية إرهاب المرجعيات!

الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٧

في مفاجأة مدوية من العيار الثقيل عادت «الجماعة الأم» إلى الواجهة مجددًا، وكذلك فعل الدكتور يوسف القرضاوي، الرمز الأول للإسلام السياسي اليوم من زاوية حادة وضيقة ستسبب كثيرًا من العواصف على مستوى الأحاديث المتفرقة عن مستقبل الإسلام السياسي وجماعة الإخوان، بين دعوات حل التنظيم في أكثر من بلد وتحوله إلى حزب مدني سياسي، وبين تكهنات بدخوله مرحلة العنف الكامن، وإعادة البناء ومحاولة استفزاز الفضاء الإسلامي العام عبر تصريحات مثيرة للجدل، كان آخرها نعي «عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي والحركي للجماعة الإسلامية» الذي كان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة لتورطه في هجمات نيويورك 1993. في موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت نعت «الجماعة» رمز التطرف المسلح في مصر السبعينات، وأحد أهم منظّري التكفير والخروج على الأنظمة؛ من نظام عبد الناصر وحتى مبارك، وصولاً إلى تكفيره للحكام المسلمين والعرب؛ بدعوى ترك فريضة الجهاد وعدم تحكيم الشريعة، وجاء في نص النعي أن الجماعة «تتقدم بخالص التعازي إلى أسرة وطلاب ومحبي الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، الأستاذ بجامعة الأزهر، المغفور له بإذن الله، الذي قضى نحبه صابرًا في محبسه بالسجون الأميركية»، ويمكن قراءة حجم التزوير والتلون والتلاعب بالمصطلحات، حيث اختزلت سيرة الدم لرمز الجماعة الإسلامية، ومساره العنيف الذي أودى بالمئات من الأبرياء على رأسهم المفكر فرج فودة، إلى وصفه بالمغفور له والأستاذ بجامعة الأزهر وفقيد…

ما بعد الحزم: إعادة الأمل ليمن جديد!

الثلاثاء ١٥ سبتمبر ٢٠١٥

لم يكن الحوثي شيئًا مذكورًا لولا تحالفه مع نظام صالح بما يملكه من شبكة واسعة ممتدة على كل جغرافية اليمن ما قبل عاصفة الحزم بفضل اشتغاله على التناقضات عبر عقود من العمل الحزبي الفردي بواجهة سياسية كون من خلالها واحدة من أعقد التحالفات بين القبائل ورؤوس الأموال والأنصار تحت مظلة «المؤتمر»، هذه حقيقة لا يمكن القفز عليها في مرحلة ما بعد صالح والحوثي التي بدأت تباشيرها الآن حيث يتبقى إقليم آزال وصنعاء التي يعتقد صالح أنها ملاذه الأخير، حيث بدأ بحشد كل قوته للبقاء هنالك، بل وبث الرعب بين الأهالي عبر سياسة الاعتقال والتجنيد القسري والترهيب، لكن ذلك أيضًا ما كان له أن يفلح لولا التحالف مع المؤسسات التي بناها الحوثيون على مدى السنوات الماضية وتحديدًا منذ تأسيس فكرة «أنصار الله» على طريقة حزب الله اللبناني، حيث قام الحوثيون باستغلال هذا البلد الفقير والمهمل لعقود لتدشين مؤسسات خيرية وتعليمية على طريقة «حزب الله» في الجنوب اللبناني، وساهم تراجع وإخفاق الدولة إلى تحول مناطق الشمال وتحديدًا صعدة وصنعاء إلى ما يشبه فكرة المجتمع المنفصل أو الدولة داخل الدولة. التركيز الغربي على «القاعدة في اليمن» وفي غيرها يعطي مجالاً لنمو الميليشيات الشيعية المتطرفة والمسلحة، وهذه حقيقة يجب رصدها حيث استهداف أي تنظيم لا يعني دخول البديل المدني أو السياسي، بل ترك الساحة…

ماكدونالدز في طهران: للغرب النووي ولنا الثوري

الثلاثاء ٢٨ يوليو ٢٠١٥

لم ولن يكون الاتفاق النووي شيئا ذا بال، لو تم امتلاكه من دولة غير ثورية، بمعنى تلك الدول التي ليس لها طموح توسعي بقدر الحفاظ على مصالحها، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ومن هنا يمكن تفسير الفزع من الاتفاق النووي، فهو لا يرى في إيران غير وجهها الثوري المصدر للثورة والأزمات وتقويض الدول وإحياء المعارضات بأنواعها، بل والتحالف مع مكونات متجذرة كالإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، ليس الأمر كما يبدو مجرد اتفاق مبدئي وبعده يتناول الإيرانيون «البيغ ماك» من ماكدونالدز وتعم البهجة الإقليم. الاتفاق النووي سيتيح لإيران بسط نفوذها في المنطقة، ليس عبر الاستفادة من المتنفس الاقتصادي بعد رفع الحصار، بل بإخراجها من محور الشر إلى دولة ذات نفوذ إقليمي من المفترض استثماره في الحرب على الإرهاب. والحق أن التوازنات بالمنطقة تغيرت إلى الأبد بعد إعلان الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، فتحسين العلاقات لن يخص الولايات المتحدة راعية «الإنجاز» كما يقال؛ بل هرعت الدول الأوروبية إلى مد يدها إلى نظام الملالي مما يعني تغير المعادلات الإقليمية ومرحلة جيوسياسية كبرى في المنطقة تشمل الشريط الملتهب في الإقليم من اليمن فسوريا فالعراق فلبنان. صحيح جدًا أن ذلك يأخذ وقتًا طويلاً لإحداث تقدم في هذه الحالات المتوترة في المنطقة لا سيما مع تلكؤ الجانب الإيراني كما التركي في حرب حقيقية ضد…

النظام الإقليمي: انهيارات وانكسارات

الثلاثاء ١٢ مايو ٢٠١٥

ما تشهده المنطقة من فوضى عارمة وصعود منطق الميليشيات والمجموعات الإرهابية تحت مظلة الإسلام السياسي سنية وشيعية، يؤكد أن جزءًا كبيرًا من الخريطة الكلاسيكية للنظام الإقليمي قد انهار إلى غير رجعة، وبات استجداء عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل حرب الخليج، فغزو العراق، فالحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ثم «الربيع العربي»، أقرب إلى التمني منه إلى قبول نتائج تلك الرضّات السياسية القاسية التي عاشتها المنطقة. الشرق الأوسط لم يعد كما كان على عدة مستويات، فالحدود الجغرافية تغيّرت وتم حرثها من جديد بفعل انهيار مفهوم الدولة أولاً، واقتسام قوى سياسية إقليمية لخريطة الدول المهشمة في محاولة لابتلاعها عن طريق التبعية، كما تفعل إيران في أكثر من موقع بدافع الهيمنة التي تؤهلها إلى الدخول في معترك التفاوض بأوراق أكثر فاعلية من شأنها إقناع الطرف الأميركي والغربي في أي حوارات تخص المنطقة. تحول العراق إلى ساحة لتجريب حدود الهيمنة الإيرانية، وكان لبنان قبل ذلك، ثم سوريا لاحقًا، فاليمن في محاولة حثيثة لبناء خط متواز استراتيجي من شأنه إبقاء الخليج المستقر والأمن على حافّة الخطر. كشفت «عاصفة الحزم» أن انتظار التحالفات لا يفيد في هذه اللحظة الحاسمة، فكان اتخاذ القرار سريعًا ومفاجئًا لقطع الطريق على نظام طهران وإيصال رسالة سياسية واضحة. في خضم هذا التهور والاندفاع الإيراني لتجريف الإقليم سياسيًا، بعد أن بات…

مانفيستو البغدادي: استهداف السعودية واستقطاب المقاتلين

الثلاثاء ١٨ نوفمبر ٢٠١٤

في آخر إصدار صوتي للخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي بعنوان «ولو كره الكافرون»، الكثير من الرسائل الخطرة التي بعث بها إلى المجتمع الدولي وإلى أتباعه وإلى التنظيمات العنفية في المنطقة. مانفيستو البغدادي هو إعلان جديد للحرب بأولويات واستراتيجيات جديدة تهدف إلى رفع معنويات أتباعه، واستقطاب المزيد من الكوادر، وتوسيع نطاق المعركة، وجر القوات الغربية إلى حرب برية من شأنها، في حال تفوق «داعش»، تغيير المعادلة في المنطقة، كما أنها ستحرج المجتمع الدولي في حال بقاء الضربات الجوية التي لم تؤت أكلها حتى الآن. بالطبع الهدف الأساسي للخطبة هو التأكيد على بقاء «داعش»، وتمددها، وفشل التحالف، واستهداف مناطق جديدة، وولايات تنضم إلى دولة «داعش»، وهي مستجدات تؤكد أن بقاء الحال على ما هو عليه لن يساهم في القضاء على «داعش»، وإنما يحوله إلى وحش مخيف على الأرض يستقطب الأتباع الذين سيرون في هذا التنظيم الدموي خلاصهم، إذا ما أدركنا حالة «الموات» والغيبوبة العنفية التي دخلت فيها «القاعدة»؛ التنظيم الأم. استهداف السعودية كان الملمح الأبرز لخطبة البغدادي؛ من حيث اللغة والمحتوى والتركيز على جعل أمن المملكة العربية السعودية هدفا أساسيا لـ«داعش»، وهو ما يطرح السؤال: لماذا السعودية؟ في الأساس يدرك «داعش» الثقل السعودي في الحرب عليه، على مستوى الشرعية وأيضا التشريع والاستراتيجية الأمنية؛ من حيث الشرعية لا يمكن تخيل نجاح الحرب على…

ما بعد «داعش»: إرهاب بلا مرجعية

الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠١٤

واحد من التحولات الكبرى في عالم الإرهاب اليوم والتي لا يجري الحديث عنها، انتقال العقل الإرهابي من مرحلة التنظيم الشبكي المبني على مرجعية شرعية مستقرة نسبيا ترفع شعارات ذات طابع ديني، إلا أن دخول «الإرهاب الفوضوي» الذي تقود زمامه «داعش» وأخواتها الآن هو تغير في المعادلة الداخلية لخريطة الإرهاب ورموزه ومقولاته ووعوده وجدله الداخلي. من يتابع ردود الفعل في الفعاليات الإرهابية على الإنترنت («تويتر»، منتديات جهادية، بيانات، حوارات) يكتشف لحظة الانفصال هذه، فمع كل التأييد والمباركة من زمرة الإرهابيين خارج ساحات معارك القتال، فإنه لا يختلف كثيرا عن استغلال بعض أجنحة الإسلام السياسي لقضية «داعش» لمحاولة تقويض الأنظمة العربية بـ«شتاء إرهابي» بعد فشل «الربيع العربي الناعم»، لكن تلك المباركة تخفي تحتها ركاما من الانهيارات والدمار داخل البيت الجهادي. القصة تبدأ من لحظة الانقسام داخل الحركة الجهادية العالمية التي كانت تقودها «القاعدة»، وتخلي رموز كالظواهري وأبو قتادة ورموز قاعدية لها وزنها عن صمتها لتنتقد «داعش» وخروجها عن خط «القاعدة»، ثم لاحقا تبقى «داعش» وتتمدد وتعلن الخلافة، لتقويض ما تبقى من إرث «القاعدة»، ليخرج منظرو العنف، وهم أهم مكون إرهابي فكري، إذا ما علمنا أن ما يسمى الحركة الجهادية منذ البدايات ارتبطت بعدد من المنظرين والمفكرين الذين كانوا يمنحون الشرعية لتصرفات «القاعدة» التي لم تكن في نظرهم تخرج عن «النص» الجهادي. لذلك…

كيف نفهم اليمن غير السعيد؟!

الثلاثاء ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤

لا يمكن القيام بدور فاعل دون فهم حقيقي لما يجري في اليمن؟ ما يطرح الآن هو إشعال فتيل الأزمة من خلال تدويرها بشكل طائفي كما يحاول دعاة الموت تثوير الحالة اليمنية والقذف بها إلى الحرب الأهلية الطويلة التي لن يسلم منها أحد ولا يمكن لطرف الانتصار دون طرف آخر. قبل أي شيء يجب وضع نصب أعين الجميع أن اليمن مرّ بتحولات عميقة ما بعد الثورة، لكنها لم تسلط عليها الأضواء بسبب حالة «الإهمال» لليمن الذي تتحمل القوى السياسية جزءا من المشكلة لما أعطته من انطباع سيئ لدى المجتمع الدولي بلغ حد الابتزاز السياسي؛ حيث من السهل لأي طرف سياسي مؤثر في اليمن التحالف مع الجميع ضد الجميع ولأسباب تزيده تمكينا على الأرض. اليمن، البلد الذي يقبع تحت 60 مليون قطعة سلاح، كأقل تقدير، لا يمكن التأثير فيه دون معرفة المكوّنات الفاعلة والصراع السلطوي بينها قبل الصراع على السلطة المرتكزة في صنعاء تحديدا، بحيث لا يمكن لأي طرف سياسي أن يقتطع حصّة من السلطة إلا بتهديد العاصمة التي باتت مسرحا لصراعات سياسية في غاية الخطورة والتذاكي والاستهتار بمقدرات البلد. وللأمانة فإن معالجة المجتمع الدولي للأزمة اليمنية دون المستوى بسبب عدم فهم طبيعة هذه الجمهورية التي تنتقل من سلطة القبائل إلى سلطة الطوائف بسبب استهتار القوى السياسية الفاعلة. لنلقِ نظرة سريعة ومكبّرة…

كيفن سبيسي و«داعش»: عن الإرهاب الفوضوي!

الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠١٤

حقيقة مُرّة على المستوى الأخلاقي أن الولايات المتحدة لم تكترث بـ«داعش» إلا بعد قتل الصحافي الأميركي جيمس فولي في العراق، وهذا الكم من الاستهجان في الصحافة الغربية لطريقة القتل، وهو مبرر جدا إلا أنه يبعث على السؤال: هل انتقلت الولايات المتحدة إلى الانكفاء نحو الذات بعد هذا الخراب المتصاعد الذي يحل بالمنطقة، منطق الأحداث يقول نعم كبيرة رغم التحرك الأميركي المحدود ضد «داعش» فإنه جاء بسبب إحراج «داعش» لكبريائها، وبالتالي فإن العبء سيكون كبيرا جدا على الدول المحيطة بغول «داعش» في حال عدم اقتناع المجتمع الدولي بمدى الخطر، وفي حال لعب «داعش» على هذه التناقضات السياسية، وسيظل يتحرك بإيقاع يمنحه المزيد من الشهرة والاستقطاب، لكن بحذر لا يجلب القوات الأجنبية للديار. عودا إلى الصحافي الأميركي فإن حالة القتل البشعة ليست بأولى حالات التطرف الديني منذ انفجاره في السبعينات، كل هذا الاستنكار ومشاعر الذهول والدهشة فقط لأن «القتل» بات سينمائيا على طريقة هوليوود لذا يحظى بذات رد الفعل الوقتي القصير، مشهد فولي يذكر بواحد من أهم أفلام شرح العنف في التسعينات عن قاتل فوضوي مهووس نفسيا بالتطهّر يتتبع ضحايا وقعوا في الخطايا السبع، وكان أداء كيفن سبيسي (أوسكار) واحدا من اللقطات الخالدة وهو مشهد مطابق لقتل الصحافي الأميركي؛ صحراء واسعة وهدوء مرعب من القاتل وكلوز أب على طريقة ديفيد فينشر المخرج…