آراء

آراء

ميسي والرشاش!

السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٢

صورة واحدة يمكن أن تحرق جهد سنوات طوال من حملات «العلاقات العامة» ذات التكلفة العالية. هذا بالضبط ما أحدثته صورة استقبال اللاعب الأرجنتيني الشهير «ميسي» في مطار الرياض قبل أيام. صورة اللاعب الأرجنتيني «ميسي» مع رجل الأمن السعودي «طلال» وبينهما الرشاش طغت على صفحات الرياضة في صحف عالمية كبرى. الناس تسأل: ما الحاجة للرشاش في صالة المطار؟ أحدهم يعلق ساخراً: إذا كانت مرافقة ميسي في المطار تتطلب رشاشا فهل تتطلب فرقة مدرعات في الشارع؟ أنا لا ألقي اللوم على رجال الأمن -حاملي الرشاشات- في المطار. لكنني ألوم الجهات المنظمة لعدم اهتمامها بتفاصيل الاستقبال. الصورة -كما يقال- تغني أحياناً عن ألف كلمة. وهاهي صورة ميسي والرشاش تطوف الدنيا كلها وبسببها يتندر علينا العالم ويسخر. أم أن التنسيق بين رعاية الشباب والأجهزة الأمنية معدوم؟ كنت أتوقع من مسؤولي رعاية الشباب، وهم أكثر من يعرف أهمية وجود المنتخب الأرجنتيني في الرياض إعلامياً، وعياً بأهمية أدق التفاصيل عند استقبال الفريق الأرجنتيني وخلال إقامته. ليتنا فقط أضعنا فرصة «إعلامية» ثمينة، ولكننا صنعنا «فضيحة» إعلامية ونحن، بالرشاشات، نستقبل «نجوما» عالميين يتابعهم الصغار والكبار في شرق الدنيا وغربها! إن التنسيق بين كل الجهات المعنية بحدث مهم كهذا مسألة أساسية وضرورية ليس فقط لإنجاح المهمة ولكن أيضاً لاستثمارها إعلامياً الاستثمار الصحيح. أما أن نترك مناسبات مهمة تسير «بالبركة»…

آراء

ترى الأمير يسلم عليك!

السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٢

«ترى الأمير فلان يسلم عليك».. هكذا يدحرجها القائل إلى سمع متلقيها، بنيات مفخخة ومقاصد معروفة الأبعاد عند قائلها. ••• عند ذلك… ينفرج وجه مستقبلها بابتسامة بلهاء، وترتسم على محياه الساذج خطوط البهجة الغبية. وتتسارع أنفاسه دون إدراك، ويخامره خليط من الشعور بالخيلاء والتباهي. فما أعظم أن يخصك الأمير فلان بالسلام! ••• فلا معنى لذلك إلا أنك شخص مهم لديه، أو على أقل الفروض محفوظ في ذاكرة سموه الكريم على الرغم من كثرة مشاغله، وما يقابله يومياً من بشر إلا أنه لايزال يذكر فلاناً الذي قابله مرة أو عدة مرات، أو قرأ له في مناسبة ما… ••• أما إذا أضاف الناقل بعد السلام بعض «التحابيش» مثل «ترى سمعتك عند الأمير زينة»! أو «أنت مذكور عنده بالخير»! أو «ترى ما ييجي ذكر طاريك إلا يمدحك»! فعندها تصل «بلاهة» المتلقي حداًُ تصعب السيطرة عليه… أما إذا أحب «الناقل» أن يزودها بقوله: «ترى الأمير مبسوط منك كثير».. فعند ذلك تختلج جميع أعضاء جسم المتلقي، وتنفرج كل أساريره منتثراً زهواً محلقاً وطرباً مغنياً، وخيلاء مجنحة… ويصبح فريسة سهلة لتمرير الرسالة المطلوب إيصالها من الناقل الذي عميت عنها بصيرته القاصرة! ••• فالرسالة هنا أوضح من أن تغيب عن إدراك الحصيف، فهو يكتب سطوره بسهولة في ورقة هذا المسكين ومفادها: «تراني واصل.. وأنا جليس أو صديق لهذا…

آراء

سورية… من سيء إلى أسوأ

السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٢

الوضع في سورية سيء، ولكن من الممكن أن يكون أسوأ، فالشتاء قادم ومعه المزيد من القتل والمعاناة. حروب أهلية صغيرة داخل الحرب الأهلية الكبرى، كانتونات ومناطق نفوذ، موانئ غير شرعية، جباية ضرائب خارج سلطة الدولة المنهارة والائتلاف الوطني البديل، صراع للسيطرة على هذه الموارد، مذابح ومزيد من المذابح الطائفية وما يتبع ذلك من تهجير، ثم يطفح كل هذا على الجيران وبخاصة في لبنان الضعيف، ربما الأردن أيضاً. يجب الاستعداد جيداً لذلك «اليوم الأسود»، ولكن من الأفضل أن نسعى لمنع حصوله، فذلك أفضل من الانتظار حتى يقتنع الروس أن النظام الذي يدافعون عنه قد انهار حكماً، وعليهم تغيير موقفهم لإنهاء معاناة الشعب، وحتى يبدأ الأميركيون بتنفيذ «المرحلة التالية» من خطتهم التي لا نعرف عنها الكثير. ليت جيران سورية يدركون أن عليهم فعل شيء، ولو خارج المنظومة الدولية لأنهم أول المتضررين. يعلم كل أصدقاء سورية أن النظام لم يعد نظاماً، وإنما أصبح مجرد ميليشيا ولكن لديها سلاح طيران، النظام مهترئ، يقف على الحافة، سيسقط بسرعة، بتدخل إقليمي حازم (طالما أنه من المتعذر اتخاذ موقف دولي)، ولكنهم لا يزالون يدورون في حلقات مفرغة! هل يعقل أن يكون السبب الحقيقي هو خلق دولة فاشلة أخرى – بعد العراق - في المنطقة كخدمة استراتيجية لإسرائيل؟ إذا كان هذا الاحتمال ممكناً في الحالة الأميركية، فإنه غير…

آراء

متى يعتذر «الوعاظ»؟!

السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٢

يقول القاضي في محكمة تكساس «إنه عاش صراعاً أليماً وهو يفكر في الليلة التي سبقت إعلان الحكم الذي يستحقه الشاب السعودي طالب الهندسة الكيماوية خالد الدوسري، لكنه في الأخير فكر في أن هذا الشاب الصغير لو نجح في مسعاه، لمات بسببه أناس أبرياء». آمل أن يستأنف الحكم ويكون أكثر رحمة، لكن سؤالي هو: إذا كان هذا القاضي الأميركي المسيحي قد عانى وهو يقرر مصير شاب صغير لم يتجاوز الـ22 عاماً ينتهي بالمؤبد، فمن هذا القلب الأصم الأبكم كحجر الذي لم يعش صراعاً ولا يقظة ضمير وهو يلعب بعقول هؤلاء الشباب ويحول طريق جهادهم من طريق علم واكتساب معرفة إلى طريق جمع المتفجرات وقتل المدنيين الآمنين؟ الشرطة الأميركية وجدت في شقته مواد كيماوية وأسلاكاً وحقيبة متفجرات وشرائط فيديو ورسائل إلكترونية تشرح مخططه، وأتخيل دهشة الشرطي الذي دخل شقة شاب يدرس الهندسة الكيماوية ليجد أشياء ليست لها علاقة بعلم الهندسة، بل بصنوف القتل والتفجير. خالد ليس الشاب الوحيد الذي حاد به طريقه إلى سجون غريبة، فسجون العراق كما روى الشاب سعد العنزي العائد من سجن عراقي أنه لا يوجد سجن في العراق إلا وفيه شاب سعودي تحت التعذيب، فمن الذي أوصلهم إلى هناك؟ من الذي ضللهم وحرّضهم على القفز على الحدود والأنظمة والمخاطرة في جهاد منفلت غرر بهم وبصغر سنّهم وجهلهم، فأقنعهم…

آراء

أطلق الخروف الذي في داخلك!

الجمعة ١٦ نوفمبر ٢٠١٢

لم يستوقفني إطلاقاً ذلك التصريح الذي أطلقه الدكتور المقدم حمد علي الدباني، رئيس قسم التحريات في شرطة رأس الخيمة، ونشر في صحيفتنا، بأن مواطناً متزوجاً قام بشراء سيارة «رنج روفر» (وكالة رقم واحد فتحة سقف)، لإحدى الفتيات، مقابل أن توافق على استمرار العلاقة معه! فرجل مثلي قضى جل حياته بين «الخرفان»، لا يرى في ذلك الخبر أي إضافة لما يراه حوله يومياً من «الربع»، مع حفظ الاحترام والألقاب للدكتور حمد بالطبع. عتبي الحقيقي هو على ذلك الشاب الذي يبدو من الخبر أنه مازال خروفاً صغيراً، «رنج» مرة وحدة يا ظالم! أين التسلسل الطبيعي في العلاقة المثالية: «بطاقة تليفون بوعشرين، بطاقة تليفون بوخمسين، بطاقة تليفون بو امية، علبة باتشي، علبة باتشي + ورد، موبايل من دون كاميرا، موبايل مع كاميرا، موبايل مع كاميرا مع بطاقة تليفون بو امية، سيارة هايونداي آي تن الصغيرة جير عادي، وهكذا.. ولكن يبدو أن صاحبنا ما عنده وقت يضيعه.. ولهذا فقد كانت نهايته وخيمة!». «الخرفنة» أصبحت علماً قائماً بذاته يحتاج إلى شجاعة من الجهات التعليمية لتدريسه، وتعليم أصوله للشباب، فهناك صديقي الذي سجل جميع شركاته باسم إحدى «المزايين»، التي كانت من حسن حظ صاحبي امرأة على قدر المسؤولية، حيث إن هذه الشركات حققت أرباحاً سنوية بالملايين، وأصبحت من الشركات المعدودة في مجالها، صحيح أنها طردت أبوالشباب…

آراء

ريادة الأعمال والبيروقراطية

الجمعة ١٦ نوفمبر ٢٠١٢

من أهم أوجه دعم مشروعات الشباب، في دول مجلس التعاون الخليجي، تسهيل إجراءات تسجيل مشروعاتهم وتخفيف تعقيدات البيروقراطية أمامهم. أعرف شباباً في غاية الطموح والتأهيل للبدء في مشروعات صغيرة لكنها مؤهلة أن تتحول مستقبلاً إلى شركات كبرى. العقبة الكبرى التي تواجههم هي في تعقيدات استخراج الرخص التجارية وما يرافقها من رسوم مالية متعبة! قد يكون رأس المال مشكلة للبدء في مشروع تجاري صغير، لكن المؤكد أن البيروقراطية مشكلة أخرى. لا يمكن أن نعامل شركة مبتدئة، لشاب في مقتبل التجربة، كما نعامل شركة كاملة التأسيس وذات إمكانيات مالية وإدارية متمكنة. ولهذا فلابد من إعادة النظر في إجراءات تسجيل الشركات والمؤسسات التي تندرج ضمن “مشروعات الشباب” بما يسهل المهمة أمام الشباب وغلق أبواب الإحباط أمامهم. هنا لابد من التعاون مع المؤسسات التي تعنى بمشروعات الشباب في سعيها للتخفيف من وطأة البيروقراطية ورسوم التسجيل الكثيرة أمام الشباب الداخلين حديثاً في معترك الأعمال والتجارة. وحينما ندعم توجه الشباب نحو ريادة الأعمال فإنما نؤسس لثقافة تدعم تبني الشباب في مجتمعاتنا لأفكار إبداعية ومبادرات جديدة ربما ساهمت في خلق بيئة اقتصادية مختلفة تخفف من وطأة البطالة المنتشرة. كم من مشروع تجاري أو صناعي عملاق بدأ بمبادرة فردية. وكم من فرصة ذهبية وئدت في مهدها لأن صاحبها لم يتمكن من تجاوز عقبات بيروقراطية شديدة التعقيد. العالم العربي…

آراء

في الصالون الثقافي السعودي بالشارقة

الجمعة ١٦ نوفمبر ٢٠١٢

في جناح السعودية بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، يعيش الزائر الحالة الثقافية ببساطتها. فمنذ اللحظة التي رحب بي فيها الملحق الثقافي السعودي الدكتور ناصر السحيباني وما تلاها من حديث جميل، لمست حبا كامنا داخله للمكان ورغبة في متابعة كل التفاصيل بما يقدم من صورة واعية عن الثقافة السعودية، يشد عبرها ضيفه إلى آفاق يعود في بعضها إلى زمن البدايات وينتقل في غيرها إلى ما يجب أن يكون... وبالتمازج بين الرؤيتين يرتسم الإنسان والمكان. الجناح السعودي الذي تشرف عليه الملحقية الثقافية السعودية بالإمارات يشكل نموذجا لكيفية المشاركة في معرضٍ للكتاب، فالمشاركة ليست عرض كتب فقط، وإنما هي أيضا ثقافة وصورة حاضرة وحوار ثري. في الدور الثاني من الجناح يقع الصالون الثقافي الذي يرتاده الكتاب والمبدعون من مختلف الدول العربية حيث يتبادلون الأحاديث ويتحاورون في المعرفة وغيرها، كما يأتي زوار المعرض الذين يستهويهم الحوار. في الصالون التقيت مجموعة من المثقفين والأدباء العرب، كالروائي السعودي محمد المزيني والممثل السعودي عبدالعزيز المبدل، والكاتبة المغربية زهور كرام والمثقفة الجزائرية زهور ونيسي وآخرين من مصر والإمارات، ولم يسعفني الحظ بلقاء الصديق الروائي والصحفي علوان السهيمي، إذ فصلت دقائق بين مغادرتي ووصوله، لكنه بادر بالاتصال بعدها بمحبته المعتادة... وهكذا أعطاني الجناح شعورا بأنه كتلة متجانسة لا تهدأ حركتها. الجناح في حقيقته لم يكن جناحا، بل كان سفينة. ويبدو…

آراء

جوازات السفر!

الخميس ١٥ نوفمبر ٢٠١٢

لا أعرف ما الذي يمنع أن يجدد السعودي جواز سفره في سفارة بلاده؟ أذكر أنني أثناء الدراسة في أمريكا جددت جواز سفري من سفارة المملكة في واشنطن. لكنني في الإمارات اضطررت للسفر للرياض لتجديد جواز سفري، لا أجزم بدقة المعلومة لكنني سمعت أن قراراً صدر قبل سنوات يمنع تجديد الجوازات عبر السفارات. أما إن رزقت بطفل وأنت خارج الوطن فكل الذي تفعله لك سفارة أو قنصلية بلادك أنها تصدر لمولودك وثيقة عبور تعود بها للمملكة حيث يصدر جواز المولود الجديد. كل العرب والأجانب الذين أقابلهم في دبي يجددون جوازات سفرهم ويستخرجون جوازات مواليدهم من سفارات بلدانهم. أم أن بيروقراطيتنا القاتلة لابد أن تميزنا عن بقية خلق الله حتى في استخراج جوازات السفر؟ حينما اضطررت للسفر للرياض لتجديد جواز سفري، وبعد أن أهدرت يوماً كاملاً في إجراءات تجديد الجواز، أدركت أن مسؤولي الجوازات في بلادي يريدون تحقيق المساواة في “المرمطة” بين المواطنين، المغترب منهم والمقيم! فهل يعقل أن تجدد جواز سفرك في قنصلية بلادك في دبي في ساعة أو ساعتين بينما أخوك المواطن يقضي -على الأقل- يوماً كاملاً انتظاراً أمام شاشة الأرقام كي يصل إلى دوره ويجدد جواز السفر؟ قبل أسابيع أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أمراً يقضي بتجديد جواز سفر المواطن الإماراتي في المطار. والعملية ببساطة لا تتجاوز…

آراء

بترايوس العربي.. بين الصيت والشهرة

الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢

في كتابه «رحلة إلى بداية» (1969)، يقول الكاتب الإنجليزي كولن ويلسن ـ صاحب المؤلف الشهير «اللامنتمي» (1956) - واصفا التعاطي الأميركي مع مسألة الشهرة: «لا يوجد بلد أكثر حرصا على الاحتفاء بالمشاهير، ولا أكثر سرورا بأفولهم من أميركا». لعل هذا الوصف ينطبق على الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس الذي استقال مؤخرا من منصبه على رأس وكالة المخابرات الأميركية إثر الكشف عن علاقة نسائية له خارج إطار الزواج. كان من الممكن أن تمر هذه المسألة من دون اكتراث من الجمهور لولا أن نجم القصة يعتبر حتى وقت قريب في مصاف الأبطال. لا حاجة إلى سرد وقائع القصة، فهي منشورة باستفاضة في وسائل الإعلام. وسواء كنت تعتقد أن بترايوس يستحق ما جرى له نظير خيانته الزوجية، أو معترفا بسجله وإنجازاته كعسكري، فإن الجدل حول ما جرى سيستمر لبعض الوقت، وإذا ما ثبت أن بترايوس لم يرتكب خطأ أمنيا سوى هذه العلاقة التي كانت مدمرة، فإن السيناريو المرجح هو أن يطوي النسيان تلك الحادثة، ويكتفي المجتمع بألم الفضيحة ككفارة للبطل السابق، كما جرى لعشرات السياسيين الأميركيين من قبله، ممن تورطوا في فضائح أخلاقية من آل كيندي إلى كلينتون. لعل المسألة المهمة هنا ليست الفضائح الأخلاقية وتداعياتها، بل صناعة البطل وتمجيده. لو كان بترايوس جنرالا عاديا غير معروف، لما كانت كل تلك الضجة، ولكن بما…

آراء

لقائي الأول مع خالد الفيصل

الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢

كنت في جماعة الإذاعة، الميزة الوحيدة أنني لا أحضر الطابور، فقط أتسلل نحو غرفة الجماعة وأخرج أمام الطلاب مرة كلمة صباح. مرة لتقديم حديث نبوي، ومرة أكون مقدماً للإذاعة، ومرات أصبح شاعراً. أتذكر قصيدة للأمير خالد الفيصل يقول مطلعها: “حنا العرب يا مدعين العروبة/ وحنا هل التوحيد وأنتم له أجناب.. وحنا شروق المجد وأنتم غروبه/ وحنا هل التاريخ وأنتم به أغراب”، كنت بجوار الأستاذ حمادي مدير المدرسة ومن رهبته وخجلي كررت البيت الأول ثلاث مرات والبيت الثاني خمس مرات وتوقفت وأخرجت ورقة القصيدة وأكملتها قراءة بدلاً من إلقائها حفظاً. قبل الأستاذ حمادي كان لدينا مدير اسمه معلا الحربي، كنت أحد الرواد الذين شهدوا يوم تقاعده التاريخي، كنت في جماعة الأناشيد هذه المرة، قام أستاذ فاضل اسمه عبداللطيف السيد وهو مصري الجنسية بتأليف قصيدة وكنت أقف مع الكورال وأردد بصوت حماسي: يا معلا يا من أعليت المباني…إلخ، بالرغم أن “معلا” هذا لم يضع طوبة واحدة جديدة للمدرسة منذ تأسيسها عام 1982، رحل معلا ودخلنا عصر الأستاذ حمادي المصباحي مدرس الجغرافيا وصاحب القبضة الحديدية والملامح الجادة في نفس العام الذي انتقلت فيه للصف الخامس الابتدائي، نعم أنا وقفت مطلع ذلك العام أردد قصيدة إطراء جديدة للأستاذ حمادي تقول: يا حمادي في عهدك تحققت كل الأماني.. كنت صغيراً وهذه الأفكار تتسرب بحرية نحو…

آراء

مقامات البلاط

الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢

النقاشات عند العرب تصنّف عادة في (باب: المعارك)، فهي قلّما تنتهي نهاية سليمة وسلميّة، يخرج منها الطرفان مثلما دخلا! تتفاوت أهداف المتحاورين / المتحاربين، فبعضهم يدخل المعركة النقاشية وهو يريد إحراج خصمه، آخر يريد إفحامه، ثالثٌ طموحه أن «يمسح بخصمه البلاط»! والفئة الأخيرة هي التي تناولها د. سليمان الهتلان في مقالة تشخيصية جميلة الأسبوع الماضي. فكرة (المسح بالبلاط) أثارت شجوني، وبتُّ أتأمل، وبتحفيز من الصديق محمد المختار الفال، في علاقتنا العجيبة مع البلاط، فالناس إذا أرادوا أن يمتدحوا مكانة إنسانِ ما وعلّوا مقامه ونفوذه قالوا إنه: قريب من (البلاط)، لكنهم إذا أرادوا إهانة شخص وإذلاله توعّدوه بأنهم: سيمسحون به البلاط. فالناس في علاقتها مع البلاط على نوعين: فئة يُمسح بها البلاط... وفئة تتمسّح بالبلاط! ما الفرق بين البلاطين؟! هل يكمن الفرق في نوعية البلاط أم في نوع المبلّط؟! الفارق الظاهر بين الفئتين أن أحدهما فاعل والآخر مفعول به، لكن في العمق سنجد أن الفاعل يتحول مع الزمن إلى مفعول به، وأن المفعول به الثاني يتحول أحياناَ إلى فاعل. لا تطلبوا مني إيضاحاَ أكثر لأن البلاط المبلل يكون اكثر مدعاة للانزلاق! بالمناسبة، فالناس تنجذب إلى المشي في البلاط المبلل، البلاط الناشف لا يجذبها، وهذا يعني أن احتمالات سقوطها تتزايد مع تزايد البلل! في الكتابات العربية يتردد اسم البلاط، أكثر ما يتردد،…

آراء

سيرة محمد آل زلفة

الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢

منذ رمضان الماضي، أحمل معي “سيرة حياة” للصديق الدكتور محمد آل زلفة. كتاب يروي سيرة جيل بأكمله لا فرداً تحدى “المستحيل” في أيام صباه وحقق طموحاته العلمية. حملت كتاب آل زلفة في رحلاتي الأخيرة للصين واليابان لكنني لم أستطع إكمال قراءته ليس لأنني عادة أتنقل -في سفري- من كتاب لآخر ولكن لأنني أتوقف كثيراً عند كل صفحة من صفحات “سيرة حياة”. محمد آل زلفة من أفضل من قرأ تجربة الحراك في بلاد السراة قبل طفرة النفط. هو مؤرخ مهم خصوصاً للتاريخ السياسي لمناطق الجنوب لكنه أيضاً من أفضل من قرأ حراك المجتمع وعلاقاته القبلية وحضور المرأة الجنوبية المبهر في كل تفاصيل الحياة قبل “النفط” وقبل غزو “الصحوة”. يؤسفني أن جيلاً جديداً من شباب الجنوب لم يقرأ تاريخه من مصادره الحقيقة، من قصص آبائه وأجداده، من حكايات أمه وجدته، بل صار يستورد تاريخه من مصادر شوهت تاريخه وأهانت قيمه الاجتماعية الأصيلة فابتلع بعضهم الطعم وصدق أن “الصحوة” أخرجته من ظلام وجهل وفسوق. حارب آل زلفة على أكثر من جبهة. لكن الجبهة التي آذته أكثر كانت تلك التي ظن أنها ستفرح وتحتفي بأبحاثه وجهده في استعادة تاريخ قريب كان للقبيلة فيه حضورها الحضاري والإنساني وفي قوانينها وأعرافها ونظرتها المتحضرة للمرأة قيم إنسانية عميقة مستمدة من رؤية دينية متسامحة. محمد آل زلفة ظل…