منى بوسمره
منى بوسمره
رئيسة تحرير صحيفة الإمارات اليوم

أبجدية الوطن

آراء

مع توالي أنباء حريق الحاوية في ميناء جبل علي، الأسبوع الماضي، قفزت في الذاكرة، حادثة حريق فندق العنوان وسط دبي، قبل ساعتين من احتفالات ليلة رأس السنة في 2015.

في قراءة المشهدين، بدت الأمور لوهلة، في غاية الصعوبة، مع انطلاق الشرارة الأولى في الحادثين، ففي الأول، كان نحو مليون شخص في محيط الحريق، وكاميرات التلفزيون التي كانت تستعد لنقل احتفالات رأس السنة، وآلاف كاميرات هواتف الحضور، تحولت لنقل مقاطع مصورة عبر العالم، في مشهد بدا مأساوياً في بداياته.

لكن الأمور انقلبت بسرعة الحريق، وتحول الخوف إلى فرح وإبهار، بقدرة أجهزة دبي في التعامل مع حريق غير مسبوق، في ظروفه وتوقيته، حيث أخمدت الحريق بأقل الخسائر، وبسرعة قياسية، لم تتجاوز ساعتين، سمحت بانطلاق الألعاب النارية في توقيتها، وكأن شيئاً لم يحصل، فكان العالم شاهداً في بث مباشر، من دون مونتاج، على الاستجابة المثالية في التعامل مع الحريق.

ولا يختلف حادث ميناء جبل علي، عن الأول، كونه حريقاً غير مسبوق، في مكانه وتوقيته، والصور والفيديوهات التي نقلت المشاهد الأولى للحريق، ومشاعر الخوف التي رافقت البداية، قبل أن تنقلب الصورة، مثلما حدث في فندق العنوان، وتتحول الصورة إلى شاهد على البراعة والاحترافية والسرعة والشجاعة، في إخماد الحريق في 40 دقيقة، من دون إصابات، أو تعطيل أعمال الميناء.

في مثل هذه الحوادث، لا وقت للانتظار أو التفكير، بل السرعة والجرأة في تنفيذ خطط جاهزة، تدربت عليها الطواقم الفنية، للتعامل مع أصعب الظروف، وهذا ما ظهر جلياً في الحادثين، احترافية عالية في مواجهة حوادث غير مسبوقة، في أماكن حيوية، وتحت ضغط إعلامي، نقل الحدثين على الهواء.

في الحادثين، توحدت الاحترافية الفنية، مع الشفافية الإعلامية، وهي معادلة ذهبية، أطفأت الحريقين، وأطفأت الشائعات في نفس اللحظة، فاستحقت نهاية المشهدين، التصفيق بحرارة، لهؤلاء الذين عرضوا حياتهم للخطر، والذين تصدوا للشائعات بكل شفافية.

وهنا، تظهر قيمة خطاب السرعة والمرونة في أبجدية دبي، ليس في سرعة الاستجابة والشفافية فقط، بل في سرعة الاستجابة والمرونة في التعامل مع كل التحديات، وقد رأينا كيف كانت الاستجابة السريعة مع تحدي «كوفيد 19»، ومع تداعيات الأزمة المالية العالمية، ومع التحولات الرقمية التي تجتاح العالم، منذ بداية الألفية الثالثة.

وقدّم محمد بن راشد، أمس، مثالاً جديداً على تلك الروح السائدة في دبي، والإمارات عموماً، بإطلاق البرنامج الوطني للمبرمجين، لتحويل الإمارات إلى بلد المبرمجين، فالعالم، كما يراه محمد بن راشد، يتغير، وسرعة التغيير الرقمي تتضاعف، وشكل الاقتصاد سيختلف، وطبيعة المهن ستتبدل، والبقاء سيكون للأكثر استعداداً وسرعة ومواكبة للمتغيرات.

وكأن هذه المبادرة، جاءت لتعيد التأكيد على أن السرعة، هي الحرف الأول في أبجدية الوطن، وأبجدية دبي، وأن الخطط المسبقة والمرنة القابلة للتغير والتعديل، والتطوير الدائم للكوادر المؤهلة في كل القطاعات، والتحديث المتواصل للبنى التحتية، التقليدية والرقمية، هي بقية حروف الأبجدية، التي تكتب بها الإمارات ودبي، قصيدة التفوق والازدهار، وما حادث ميناء جبل علي، إلا أحدث بيت شعر فيها، ومبادرة المبرمجين، إلا قافيتها الوطنية.

المصدر: البيان