أسرار «كرنفالات البلاهة»

آراء

مسيرات باللباس الأفغاني، وحشود نساء يتشحن السواد، تطوف شوارع لندن وميونيخ، تحمل الرايات السود، وتصيح ضد الحكومات الغربية، وتكفّرها، وتندد برجال الشرطة. ونحن نشاهد هذه المسيرات نصاب بالعجب، متسائلين: لمَ تسمح الشعوب الأوروبية لهذه الفئة بممارسة كل هذا العته؟

لعل قسماً كبيراً منا – نحن العرب – مصاب بـ«الباريوديا»، عندما ينظر إلى شعوب الغرب، مفسراً سلوكهم، بمقاربته إلى سلوكنا وأفكارنا.

مِنا من يُدرج التظاهرات تحت بند الحريات، وآخرون يرون أن الغربيين متورطون في احتضان الظلاميين، ومتواطئون في دعم الإرهاب، ثم تشمت بهم كلما توالت الأخبار حول أعمال إرهابية في أوروبا، ولسان حالهم ينشد: «وَذُقْ يا قلبُ ما صَنَعَتْ يداكَا، لعمري كنتَ عن هذا غنياً، ولم تعرفْ ضلالكَ من هداكا».

«الباريوديا»، هي حالة نفسية نتخيل فيها رؤية أشياء غير واقعية، كمشاهدة صورة حصان في السحاب، أو رؤية لفظ الجلالة – تعالى الله – على قشرة فاكهة، ولعل قسماً كبيراً منا – نحن العرب – مصاب بـ«الباريوديا»، عندما ينظر إلى شعوب الغرب، مفسراً سلوكهم، بمقاربته إلى سلوكنا وأفكارنا.

إن تعامل الفرد الغربي مع هذه المسيرات الحمقاء، لا يشترط كونه أحد استحقاقات حرية التعبير عن الرأي، أو نابعاً من مبدأ التسامح، بقدر كونه تعبيراً عن ركنين مهمين في الثقافة الغربية، هما: «الكرنفالية» و«البلاهة»، أما «الكرنفالية»، فهو مصطلح فكري ينسب إلى الفيلسوف الروسي ميخائيل باختين، ويعترف بأحقية البشر في ممارسة المظاهر الاحتفالية في حياتهم اليومية، باعتبارها طبيعة بشرية، ومركباً رئيساً في الثقافة، لتكون في صورة الأعياد الدينية والوطنية والمناسبات الشخصية، ومصدر أحقيتها للإنسان هو قدرتها المهولة على تنفيس التوترات، وشحن الجسد بالروحانيات، وهذا ما نراه جلياً في الحفلات الراقصة الصاخبة أو بالصياح الجماعي في التظاهرات.

أما مفهوم «البلاهة»، فيدور حول تفاوت القوى العقلية للبشر، فينظر للأبله أو الساذج باعتباره إنساناً جاهلاً لا يخلو من الطيبة، ويستحق التعاطف، وقد تناول الأدب الغربي هذا المفهوم في أعمال مثل رواية «الأبله» لدوستويفسكي، و«مذكرات بيكويك» لتشارلز ديكنز، و«في مديح الحماقة» لإراسموس، بل أبعد من ذلك، فهناك سلسلة إصدارات تعليمية شهيرة في الإدارة والحاسب الآلي، تعنون بالإنجليزية for dummies وتعني: للحمقى، وسميت بذلك ليس بداعي إهانة القرّاء، بل هذا وصفٌ لقدرة الكتاب على الشرح والتبيان والتبسيط، والطريف أن الترجمة العربية لهذه الإصدارات المطبوعة هي «كتاب الأذكياء»!

الخلاصة، إن فئات من الناس تنتهز ما يتاح لها من قبول ثقافي مجتمعي، لتقدمنا إلى العالم بصور سلبية لا تمثلنا، وبعدها نكيل اللوم لاستضافتها.

المصدر: الإمارات اليوم