فضيلة الجفال
فضيلة الجفال
كاتبة سعودية

أشفقت على سيدة المكنسة

آراء

حملت وسائل التواصل أخيرا صورا وفيديوهات لتحرش جنسي ومن مختلف مناطق المملكة وكأنها احتفالية طقوسية، من الظهران والرياض وجدة. آخر مقطع فيديو مسجل شاهدته في وسيلة إخبارية غير محلية كانت الحادثة هذه المرة في سوق الحب في الدمام. ضحيتها سيدة تبدو بسيطة منتقبة تجري خلف شاب بمكنسة يدوية، أخذتها المسكينة من أحد المحال لتصفع الشاب المتحرش بها. ورغم تعب السيدة وقلة اللياقة إلا أنها أبلت بلاء حسنا وفر الشاب مذعورا بعد ضربتين دائختين. وحيث الدمام تعاني في هذا الوقت، كما أغلب مدن المملكة، الرطوبة ودرجة حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية، والسيدة “تتقضى” أغراض بيتها، فقد تعاطفت وأشفقت كثيرا عليها، وكدت أصفّق لولا أنني شعرت بالأسى، لأنه مشهد غير حضاري ولا يفترض أن يمثل الصورة الراهنة للمملكة لا اجتماعيا ولا إعلاميا.

السؤال: كيف لهؤلاء النسوة والفتيات أن يتحملن هكذا؟ لا بد أن نساء الوطن صبورات وطيبات ليتركن آمالهن على قائمة الانتظار الطويلة.

ومرة أخرى هذه المقاطع الفاضحة لخبايا المجتمع ترفع السؤال عاليا في وجه المجتمع حول قانون التحرش الذي يأخذ جدلا عقيما، وذلك شأنه شأن أي موضوع يخص المرأة. وما يخص المرأة بطبيعة الحال هو يخص الأسرة السعودية ككل، فالمرأة ليست كائنا مبتورا من المجتمع. مرت ثلاثة أعوام منذ أن طرح التصويت على قانون منع التحرش في مجلس الشورى، إلا أن لا شيء تغير. يتذرع محاربو القانون بأن إصدار قانون منع التحرش هو تشريع للاختلاط، ومنفذ تغريبي أسوة بقوانين الغرب. هذا الفهم القاصر لقانون التحرش مع الأسف مثير للاستغراب، وبلا شك مختلف عن المفهوم العالمي المدني والفكري للقانون. قانون التحرش هو جزء لا يتجزأ من قانون مكافحة العنف ضد المرأة وحماية الأسرة، فالعنف والاعتداء أنواع من بينه: الجسدي واللفظي والإيمائي والصوتي والحركي.

المشكلة الإضافية التي ربما تغيب عن ذهنية محاربي القانون أن ضرر منعه أكبر بكثير جدا مما يتصورون، لأن كثيرا من المشكلات الاجتماعية والنفسية سببها التحرش. التحرش جريمة “جنائية” في تعريفها ويجب معاقبة مرتكبها قانونا. التحرش ليس له علاقة بشكل المرأة وما ترتدي، بل بوجود قانون رادع ومنظم يشعر به الآخر فيتمثل له ويصبح سلوكا طبيعيا معتادا وغير مفتعل. ولو سألنا لماذا المرأة في الشارع كائن طبيعي في الدول الغربية وهي المتعرية، وكائن مثير جدا لدينا وهي المحتشمة؟ الأمر يتعلق بغياب القانون أولا ومن ثم يرتبط بغياب أو قلة وجود العنصر النسائي في المشهد العام لدينا. وهذا ما يجعل من وجود المرأة عامل توتر ذكوري للبعض. وهذا لا يمنع حقيقة أن التحرش موجود بنسب متفاوتة في العالم لكن يحكمه القانون.

المشكلة المؤسفة والعويصة أننا أصبحنا في صراع اجتماعي مع تيار يعتقد أن المسألة خصومة، وأن أي قانون مدني هو انتصار للتيار الآخر “ابن الضرة”، هو الذي في نظره يتبنى مشاريع ليست سوى وهمية. نجد ذلك في مختلف القضايا التي تمس المجتمع وحمايته. وتأخذ الصورة شكلا دراميا حين يتم إسقاط آيات نزلت في معارك في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم على مواقف جدلية بين مواطنين، وتصويرها كصراع بين المؤمنين والكفار!، وهذا افتئات على معارك وهمية ضحيتها ليست المرأة حصان الرهان الخاسر بل المجتمع، فقط من أجل إغاظة تيار آخر، حتى لا تكون هذه الأوراق “كروتا” رابحة في محفظته.

المصدر: الاقتصادية