علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

أعوذ بالله من غضب الله

آراء

صغاراً كنا، تفتحت عيوننا على منظر البحر، نقضي نهار الصيف كله داخله أو على ساحله. وفي الشتاء، عندما كان البحر يغمر بيوتنا القريبة منه، بفعل رياح «الشمال» التي تهب عاصفة فترفع موجه، كنا نشمّر عن سواعدنا ونهب لمساعدة أهلنا بإهالة التراب على أسوارها وعتبات أبوابها، كي نمنع دخوله إليها.

لم يقل أحد وقتها إن هبوب رياح «الشمال» وارتفاع موج البحر غضب من الله، فقد كان أهلنا أنقياء طيبين، لا يفكرون بهذا المنطق، يعلمون أن الله رؤوف رحيم بعباده، فلا يربطون عصف الرياح وهيجان البحار بغضب الخالق العظيم، الذي ينسب إليه البعض هذه الأيام كل إعصار أو فيضان أو زلزال يضرب في أي منطقة من العالم، لترتفع الأصوات، وتنطلق النداءات، تدعو على «الكفار» الذين طغوا في الأرض، فاستحقوا هذا الغضب الإلهي، الذي يوزعه البعض كما يشاء، وكأن الله قد نصبّهم ملائكة للعذاب والرحمة، وسلّمهم مفاتيح النار والجنة، يمنحون صكوك الغفران من يشاؤون، ويمنعونها عمن يشاؤون.

خلال إعصار «إيرما» الذي ضرب جزر الكاريبي وجنوب شرقي الولايات المتحدة الأميركية الأسبوع الماضي، تعالت أصوات كثيرة في وسائط التواصل الاجتماعي، تظهر شماتتها بما حدث لسكان تلك الديار، وتدعو على «الكفار» المقيمين فيها، وتصور الإعصار على أنه غضب من الله حاق بأهلها، لأنهم طغوا وتكبروا، وتستشهد بآيات من القرآن الكريم، تضعها في غير سياقها، جاهلة بأسباب نزولها، أو متجاهلة ذلك عن عمد، لتثبت لنا صواب ما ذهبت إليه.

وكان على رأس هؤلاء الشامتين، مذيع قناة «الجزيرة» الإخواني المعروف أحمد منصور، الذي أطلق تغريدتين على حسابه في تويتر، تحدث في إحداهما عن الهروب الكبير من فلوريدا، وقال إن 20 مليون أميركي يفرون خوفاً من الإعصار الذي يسحق كل شيء، وختم تغريدته بالآية الكريمة «ويريكم آياته، فأي آيات الله تنكرون».

وقال في التغريدة الثانية: «332 طائرة تغادر دفعة واحدة من مطار فلوريدا، ومئات الآلاف من السيارات براً»، ووضع بعدها الآية الكريمة «وما يعلم جنود ربك إلا هو».

ثم عاد في اليوم التالي لينشر توضيحاً يقول فيه إن أشخاصاً لم يفهموا مقصده، قاموا بتحريف تعليقه عن سياقه، ويؤكد أنه لم تكن لديه نية للتقليل من هذا الخطب الجلل، ويدّعي أن اقتباسه من القرآن، كان للإشارة إلى قوة الله وعظمته وآياته!

وإذا كان أحمد منصور قد اضطر إلى نشر هذا التوضيح، لأسباب هو أدرى بها، حيث إن له تغريدات أكثر حدة واستفزازاً من هاتين الغريدتين، لم ينشر توضيحاً لها، فإن مغردين آخرين لم ينشروا توضيحات لما غردوا به، بل أصروا على ما قالوا، وواصلوا تغريداتهم الشامتة بسكان المناطق التي اجتاحها الإعصار، واعتبره البعض منهم عيداً للمسلمين.

والمؤسف أن أستاذة جامعية تدرّس في إحدى الجامعات الخليجية، انضمت إلى فصيل الشامتين، فغردت قائلة، إن خوفهم من الإعصار، وتقصد سكان المناطق التي ضربها إيرما، جعلهم يهربون جماعات.

وأضافت: «كم بطشوا وطغوا وظلموا؟، لله جنود يسلطها على من يشاء، فعقوبات الله لا تتكلم وتخبر أنها عقوبة». بينما دعا بعض المغردين، الله أن يسلّم «المسلمين» هناك من كل شر، وأن يرزق «الكفار» العظة والاعتبار والعودة إليه.

ودعا أحدهم الله أن يجعل للإعصار طريقاً إلى واشنطن، ليشفي صدور قوم مؤمنين، وأعاد البعض نشر موضوع سابق يذكّر بنبوءة عن هلاك «الكفار» بالأعاصير المدمرة، بعد أن عجزنا نحن عن تدميرهم!

تغريدات ودعوات تنمّ عن فكر متخلف، لا يرى من الصورة إلا الجانب المناسب لتوجهاته، والذي يجعلنا نمعن في معاداتنا لذوي الديانات والمذاهب والقوميات الأخرى.

وإذا كنا نفسر الأعاصير والفيضانات والزلازل التي تصيب بلاد غير المسلمين بأنها غضب من الله، فكيف نفسر هذه الكوارث التي تصيب بعض بلاد المسلمين، مثل باكستان وإندونيسيا وماليزيا وغيرها؟، أليس هناك من يرتكب معاصي ويقترف ذنوباً في هذه البلدان ذات الأغلبية المسلمة؟، وأين ذهبت رحمة الله التي كتبها على نفسه، كما يقول جلّ وعلا في محكم كتابه؟، ولماذا يكون الأمر هنا ابتلاء، كما يفسره البعض، ويكون هناك انتقاماً؟، ومن الذي نصب هؤلاء أوصياء على إرادة الخالق العظيم، وموجهين لها حسب أهوائهم، نستغفر الله أن نظن هذا أو يخطر لنا على بال.

لقد كان إعصار «إيرما» كارثة إنسانية، انشغل الذين تعرضوا لها بمواجهتها، ومحاولة التقليل من خسائرها البشرية والمادية، بينما انشغلنا نحن بإيجاد تفسيرات بعيدة عن المنطق لها، ورفعنا أكفّ الدعاء عليهم بالموت والدمار، وكأن حالنا سوف ينصلح إذا دمر إعصار أو فيضان أو زلزال جزيرة في الكاريبي، أو غمرت المياه مدينة في الولايات المتحدة الأميركية، بينما نمضي نحن في تخريب أوطاننا العربية والإسلامية بالحروب التي نشاهدها كل يوم على الشاشات، ونمعن في القتل والتدمير ونشر الفوضى فيها، وندّعي أننا نفعل ذلك تنفيذاً لأمر الله، وعلى خطا رسوله الذي رفض أن يُطبِق الله الأخشبين، وهما جبلان في مكة، على أهلها الذين كفروا به وآذوه وحاربوه، قائلاً: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً».

فمن أين جاءتنا شهوة الانتقام والتشفي هذه؟، ومتى امتلأت قلوبنا بكل هذا الحقد على البشر؟، وكيف ندعو على خلق الله بالدمار، ونحن ندمِّر كل يوم أنفسنا، ونخرب ديارنا بأيدينا؟.

أعوذ بالله من غضب الله.

المصدر: البيان