د. علي بن حمد الخشيبان
د. علي بن حمد الخشيبان
كاتب وصحفي سعودي

إحداث التغيير والتطوير في المجتمع..!

آراء

في كل مجتمع هناك رغبة متأصلة لإحداث عمليات التغيير والتطوير بشكل مستمر، ففي كل الخطابات السياسية والمجتمعية ترد عبارة التغيير والتطوير والتنمية على رأس العبارات المستخدمة من أجل الاستجابة المباشرة للمتطلبات التي تمس المواطن، فلكل عملية تغيير ثلاث زوايا مهمة لا يمكن الحديث عن التغيير دون الإشارة إليها، فالعنصر البشري أولاً، ثم الإمكانات ثانياً، ثم الثقافة بمعناها الاجتماعي ثالثاً، وشرط عملية التغيير والتطوير في المجتمع بكاملة تقوم على إحداث عملية تغيير في العناصر الثلاثة كلها وبشكل استراتيجي.

عملية توزيع القوة ودرجتها بين العناصر الثلاثة مهمة جداً ولكن الأهم هو معرفة أين تكمن مقامة التغيير والتطوير في المجتمع، على سبيل المثال فقدان الإمكانات وعدم القدرة على توفيرها تشكل مقاومة مباشرة لعمليات التغيير، وعدم القدرة على اختيار الموارد البشرية القادرة على إدراك عمليات التغيير وتنفيذها مقاوم للتغيير، وإطلاق عملية التغيير في بيئة مجتمعية وثقافة اجتماعية مقاومة للتغيير يلغي السياسات المؤدية الى التغيير.

قرار التغيير لا يمثل إدراجه في الخطاب السياسي أو الخطاب الإداري قطعاً بحدوثه أو ضماناً لتطبيقه، بل إن الكثير من التوجهات الكبرى لإحداث عمليات التغيير في المجتمعات والتي قد يتوفر لها الدعم المجتمعي إعلامياً وفي اتجاهات الرأي في المجتمع لا تستطيع النفوذ إلى منطقة إحداث التغيير، ولعل السبب يكمن في أن أي اتجاه نحو التغيير يجب أن يتمكن من قراءة منهجية المقاومة وأدواتها وأين تكمن في البيئات الثلاث (الإمكانات، العنصر البشري، الثقافة المجتمعية).

لماذا لا نتطور..؟ سؤال مهم لم نحاول يوماً أن نقرنه بسؤال آخر يقول: لماذا لا نتغير..؟، لا يمكن أن يحدث التطور قبل أن يحدث التغيير فالتطور نتيجة طبيعية للتغيير، ففي تجارب الدول التي حققت تقدماً كبيراً في ترتيبها السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم ترفع شعارات التطوير كما يقول التاريخ بل جميعها رفعت شعاراً واحداً إحداث (التغيير)، وفي ذات الوقت لا يمكن أن يحدث التغيير في أي مجتمع دون توفر العناصر المهمة (الإمكانات، الموارد البشرية، الثقافة المجتمعية).

هل نحن نعيش في ثقافة مقاومة للتغيير مما يعني تأخراً في عمليات التطور..؟، الحقيقة أننا يجب أن نعترف أن ثقافتنا المجتمعية تعاني كغيرها من الثقافات من داء المقاومة للتغيير ولكن الأزمة تكمن في ضرورة إدراكنا أن كل ثقافة لها أمراضها الخاصة وأعراضها المستقلة التي تساهم في انتشار داء مقاومة التغيير.

هذه المقدمة تثبت لنا أن سبب تأخرنا في إحداث عمليات التغيير المطلوبة على المستوى التنموي تتطلب منا رؤية واضحة وتشخيصاً دقيقاً للأمراض التي يمكن أن تصيب الثقافة وتجعلها غير قادرة على أن تستسيغ طعم التغيير ونكهته، فالتجربة الدولية من حولنا تقودنا إلى أن دولة مثل كوريا الجنوبية أو ماليزيا استطاعت أن تعالج أمراض الثقافة المجتمعية عبر تشخيص دقيق لأعراضها ومن ثم وصف القرارات المناسبة والتحولات المناسبة والاتجاهات المناسبة القادرة على علاج هذه الثقافة ومن ثم قيادتها طوعاً نحو التغيير المسبب للتطور.

على سبيل المثال محلياً تعاني مؤسسة التعليم في المجتمع من أزمات متتالية في إحداث عمليات تغيير مؤدية إلى التطوير مع وجود مكثف للعنصر البشري ووجود مكثف للموارد المادية، فلماذا لم يستطع مشروع تطوير التعليم أن يحدث نقلة نوعية في مجال التعليم تساهم في تغيير حقيقي في المجتمع..؟، هذا السؤال يطرحه المجتمع ويتساءل عنه القرار السياسي ويراجعه الإعلام والمثقفون، ولكن لأن الزاوية الصحيحة المسببة للمشكلة لا تناقش لماذا تحول الحديث عن مشروع تطوير التعليم إلى حديث تنظيري فقط، وهذا المثال ينطبق على الصحة وعلى غيرها الكثير من مكونات التغيير الرئيسة في المجتمع.

لكي تصنع مجتمعاً متغيراً فعليك محاربة (الجهل والمرض، والفقر) هكذا يقول علماء الاجتماع، ولكن يجب علينا أن ندرك أن محاربة الجهل لا تنتهي بالقضاء على الأمية لأن تعلم القراءة والكتابة لا يعني محاربة الجهل، كما أن إعطاء المال وتوزيعه لا يعني محاربة الفقر، كما أن صرف الأدوية لمرض أصاب الجسم لا يعني القضاء على المرض.

في تاريخنا المجتمعي تحدث التحولات والمراحل بتغيير الموارد البشرية والمادية ثم تدور عجلة جديدة بهدف العمل على إحداث شيء في المجتمع، ولكن تُفاجئنا الأيام بالكثير من النتائج غير المرغوبة لنا وخاصة عند اكتشافنا أن عمليات التغيير المنطوقة عبر القرارات لم تصل إلى غايتها ولم تحقق أهدافها المتوخاة لنعود مرة أخرى إلى تكرار ذات السؤال لماذا..؟

لماذا تقاوم الثقافة التغيير المؤدي إلى تطورها ومن يساهم في ذلك..؟، هذا السؤال مهم وليس له إجابة محددة فكل مجتمع لديه من المسببات ما يجعله مختلفاً تماماً عن الآخرين، في مجتمعنا هناك أسباب متعددة وكثيرة يمكن سردها ولكن هنا تكمن الخطورة أيضاً، فنحن مجتمع يجب أن تقوده نحو عملية التغيير دون تفسيرات كبرى لماذا يجب الذهاب إلى هناك.

التجارب الدولية التي ساهمت في إحداث نقلة نوعية لدول كانت في المراكز الخلفية هي المطلوب قراءتها بشكل صحيح ففي تجارب هذه الدول أفكار رئيسة وعناصر مهمة ساهمت في إعادة تشكيل تلك المجتمعات عبر صناعة قيم جديدة وأهداف واضحة لعمليات التطور والتغير.

السلوك المجتمعي الهادف للتغيير والتطور في أي مجتمع ينبع أولا من الرغبات المجتمعة عبر الأفراد وهذا طبيعي حيث تكثر المطالبات وتتكرر عبر الإعلام والقنوات الرسمية وغير الرسمية ويستجيب المجتمع وقد يصدر القرارات ويغير في الإمكانات البشرية، ولكن الأزمة تحدث في أن استجابة المجتمع للتغيير والتطور لا تتحقق بذات الصورة التي يطالب بها المجتمع.

أخطر ما يواجه أي مجتمع في العالم كله هو عدم القدرة على فهم المجتمع وثقافته وكيف يطالب المجتمع بالتغيير ثم يقاوم هذا التغيير لمجرد أن يحدث تماس مباشر بين عمليات التغيير المطلوبة مجتمعياً وبين مصالح الأفراد الذاتية أو مصالح المجتمع العامة لأن تضارب المصالح هو المجال الأكثر أهمية لصناعة مقاومة التغيير المؤدي إلى التطور.

إن إحداث التغيير في أي مجتمع ليس عملية سهلة بل هو عملية معقدة إلى درجة كبيرة، ولكنه أي إحداث التغيير ممكن إذا تمت صياغة قيم وطنية صارمة تفرض المصلحة الوطنية بشعاراتها التنموية لتفرض التغيير بشكل يتجاوز التفسيرات الفردية للمصلحة المجتمعية والتفسيرات التأويلية لعناصر الثقافة المجتمعية.

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/1024186