د. علي بن حمد الخشيبان
د. علي بن حمد الخشيبان
كاتب وصحفي سعودي

احترام الإسلام يجب أن يبدأ من المسلمين

آراء

الدين الإسلامي لم يتوقف بوجود نبي وتكوين الجيش الإسلامي فقط بل تحول عبر الزمن الى ثقافة عالمية اجتاحت الكرة الأرضية بأكملها، فخلال خمسة عشر قرنا مضت تغيرت وتطورت معطيات هذا الدين فمن مجموعة من الأشخاص يعدون على الأصابع بمن فيهم الرسول محمد عليه السلام انطلق الإسلام، ليشكل اليوم أكثر من مليار مسلم هم ربع العالم تقريبا وهم في تصاعد كبير فمن المتوقع بحسب الدراسات أن يتصاعد عدد المسلمين في العالم خلال العقدين القادمين ليشكل حوالي 35% من سكان العالم.

عبر التاريخ الطويل لهذا الدين كانت المواجهات كبيرة ومتعددة وقد أتت في البداية من عشيرة النبي محمد عليه السلام الذين حاولوا السخرية من نبوءته واستخدموا كل الأساليب السياسية والاقتصادية والثقافية من اجل تغيير مسار هذا النبي، وكان الهدف الأساسي يتركز في قلقهم على التكوين السياسي لمكة وكذلك المؤسسات التجارية التي يرتكزون في سلطتهم عليها.

لقد كانت تلك المحاولات كفيلة بالقضاء على هذه الرسالة لو لم تكن قضية أكبر من كونها ظاهرة انشقاق سياسي او بحث عن السلطة او المال، لقد كان هناك نبي مرسل من السماء ودين يجب ان ينتشر في الأرض لذلك عجزت المحاولات لتغيير مسار هذا الدين لأن الانبياء عبر التاريخ ليس لهم مطامع دنيوية بل هم رسل لديهم مهام سماوية مكلفون بها.

انطلق الإسلام واستطاع النبي محمد عليه السلام ان يشكل مجتمعا مختلفا وفق معايير ثقافية واجتماعية محورها الأساسي تعاليم الدين، ومع أن الإمكانات والموارد الاقتصادية لم تكن متوفرة بالشكل الأكبر إلا ان مجتمع المدينة بناه الرسول الكريم عليه السلام بإمكانات اقتصادية محدودة وكانت غاية النبي محمد أن يؤسس مجتمعا مختلفا من حيث الرؤية والتكوين الاجتماعي، فعمل على إعادة بناء العلاقات الاجتماعية والتكوين الطبقي في المجتمع مستندا في كل ذلك على تعاليم الوحي الذي ينزل اليه.

في فترة وجيزة أصبح الإسلام ظاهرة تستحق التقدير من العالم المحيط بها في ذلك الزمان، وأصبحت الجزيرة العربية وجهة جديدة للعالم وحل الإسلام في جزيرة العرب وتضاعف عدد المنتمين اليه وتكاثرت المجتمعات الراغبة في وصول الإسلام اليها وأصبحت يثرب مثالا دوليا لما تتمتع به من تشكيلات مجتمعية وثقافية واقتصادية تدار عبر منهج ديني يقوده النبي محمد من اجل ترسيخ هذا الدين وإيصال الرسالة.

ففي المدينة المنورة بنى محمد عليه السلام الأسس لأعظم الأديان البشرية هذه الأسس القوية هي التي ضمنت تلك المسيرة الراسخة للدين الإسلامي، فقد وصل اليوم وهو في قرنه الخامس عشر ليكون دينا يعتنقه حوالي ربع العالم تقريبا، لقد استطاع الدين الإسلامي البقاء في هذه العظمة والتقدير من قبل البشرية التي ظل جزء كبير منها يسعى لاعتناق الإسلام عبر التاريخ بل اصبح يتضاعف عدد المنتمين للإسلام بشكل كبير.

ليس هناك شك في عظمة هذا الدين مع كل هؤلاء الاتباع المعتنقين للإسلام ومع كل هذه الإنجازات التاريخية التي حققها الإسلام، كما انه ليس هناك شك في اننا نحن العرب نعتبر أنفسنا محظوظين بهذا النبي كونه من بني جلدتنا ويتكلم لغتنا، ومع كل هذه الميزات لنا نحن العرب، الا اننا في القرن العشرين تغيرت الكثير من المعادلات التي يجب أن يتحمل فيها اتباع الإسلام من العرب وغير العرب من المسلمين الأخطاء الجسيمة نحو إيصال الإسلام الى هذه المرحلة من عدم انصاف الإسلام بشكل كامل، وهذا ما ساهم في استثمار الاخرين لهذا الارتباك الذي نعاني منه حول تقديم الإسلام بصورته التاريخية الرائعة التي بناها محمد عليه السلام.

في بدايات القرن العشرين بدأت ظاهرة جديدة من التكوينات السياسية التي اعتبرت نفسها مسؤولة عن إعادة التشكيل السياسي للإسلام، حيث تم تأصيل هذه الفكرة وساهم ذلك في ظهور اول مؤشرات الإسلام السياسي وانحسر الإسلام الدعوي تدريجيا في فكرة الإسلام السياسي وبنيت الكثير من الجماعات الإسلامية تحت هذا الغطاء.

لقد كان العرب المسلمون تحديدا في منطقة الشرق الأوسط يعانون من ضعف فكري ساهم في ترسيخ ستة قرون اسلامية سبقت القرن العشرين الذي سمح لظاهرة جديدة من الدعوة للإسلام في اوطان الإسلام أن تنشأ تحت غطاء سياسي.

إن نشأة الإسلام السياسي مرورا بالحركات الإسلامية والظواهر الجهادية والصحوية خلال القرن الماضي وبدايات هذا القرن تحت غطاء الدعوة للدين والإصلاح الاجتماعي هي المسؤول الأول بلا منازع عن تدني مستويات احترام الدين الإسلامي وتحول صورته الذهنية لدى الشعوب والثقافات الأخرى.

صورة المسلم الذي انتجه الإسلام السياسي خلال التسعين سنة الماضية وأصبح العالم يتعاطى مع الدين بموجبها ليست صورة حقيقية عن مسلمي القرون الأولى من تاريخ الإسلام، كما يتصور الكثيرون، الصورة الذهنية للمسلم اليوم في وسائل الاعلام والقنوات السياسية والدولية تشكلت من خلال ثقافة أشبعها الإسلام السياسي بتكرار صورة كئيبة للمسلم بعيون تتضور للعنف ومظهر هزيل بشعر أشعث ولباس اسود ورايات سوداء وبنادق وخناجر واحزمة ناسفة.

المسلمون اليوم بحاجة الى الاعتراف ان هذه الصورة الذهنية التي خلقها الإسلام السياسي وساهم في تسويقها عن المسلم يجب أن تتغير في كل ارجاء العالم فهذه الصورة التي يسقطها أعداء الإسلام على رموز الإسلام ومقدساته نحن السبب الرئيس فيها مهما حاولنا أن نقول غير ذلك بل نحن من اعطى الفرصة للآخرين لترسيخ هذه الصورة، لذلك علينا أن نتعلم كيف نحمي الإسلام من مظاهر سلبية تشكلت في العقل السياسي والإعلامي العالمي.

إن التصور السلبي القائم عن المسلم في العالم اليوم هو منبع المشكلة واساسها الذي ساهم في جرأة الكثير من الافراد والمؤسسات الإعلامية وجعلت من حكمهم على الإسلام مبنيا على تصورهم الذي بنوه في اذهانهم عن المسلم الذي يظهر لهم من خلال عمليات إرهابية او عنف او رسائل مرئية او مكتوبة.

ليس امام المسلمين اليوم لكي يحافظوا على صورة إيجابية عن دينهم سوى مسارات محدودة أولا: نبذ العنف في ممارساتهم وثقافتهم المجتمعية من خلال طرح مشروعات تربوية وثقافية تنتشر عبر العالم العربي تحديدا الذي يتحمل جل مشكلة الصورة الذهنية السلبية عن الإسلام، مع الاستمرار في مشروعات محاربة الإرهاب.

ثانيا: الجرأة على طرح فكرة تجديد الخطاب الديني بشكل واسع وعلى جميع المستويات السياسية والاجتماعية ونشر ثقافة الحوار وإقامة المؤتمرات بشكل كبير لمناقشة التصورات والأفكار المحتملة حول تجديد الخطاب الديني.

ثالثا: لابد من تبني مشروعات إعلامية محلية ودولية لتغيير الصورة الذهنية التي رسمت عن المسلم وشخصيته من خلال الوسائل الإعلامية والعمل على تشويه صورة الإرهابي وانه لا يمثل الإسلام بل هو ممثل للعنف والاجرام والإرهاب.

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/1014332