د. علي بن حمد الخشيبان
د. علي بن حمد الخشيبان
كاتب وصحفي سعودي

مستقبل الإعلام يبدأ من دبي

آراء

في الحدث الإعلامي السنوي منتدى الإعلام العربي الذي يقيمه المكتب الإعلامي بحكومة دبي بمشاركة نادي دبي للصحافة كان العنوان هذا العام (مستقبل الإعلام يبدأ اليوم) هذا العنوان جاذب بشكل كبير فهو يعبر عن تلك الموجة الهائلة من الطاقة التقنية البشرية التي تحرك الإعلام في كل مكان في العالم فما بالك في عالمنا العربي الذي يعتبر مستهلكا دائما لمنتجات الإعلام التقنية والاجتماعية.

الإعلام كما يريد أن يقول لنا هذا المنتدى وخصوصا في هذا العام لم يعد محتكرا على مؤسسات الإعلام الحكومية او الخاصة فالمجتمع وبكل افراده اصبح مشاركا في منتج إعلامي يخصه عبر وسائل التواصل والتقنية التي سمحت لكل فرد بأن ينشئ مؤسسته الإعلامية ويديرها عبر قيامه بالحصول على حساب شخصي في أي من تلك الوسائل المتاحة على سبيل المثال (تويتر، انستغرام، يوتيوب، فيسبوك.. الخ).

فلسفة الإعلام لم تعد قادرة على انتظار النظريات التي توجه مسيرتها او تجدد منهجها لأن الإعلام اليوم بشكله التقني والسريع يتقاطع مع شريحة جماهيرية يصعب التحكم بها وتوجيهها، فمن وجهة نظري الإعلام اليوم يدخل في ظاهرة يمكن تسميتها (الذوبان الإعلامي في منظومة الجماهير)، فكل التوقعات اليوم تشير الى قرب نهاية محتملة للكثير من وسائل الإعلام التقليدية فهناك توقعات جريئة ومبنية على اسس علمية تتوقع موت التلفزيون وموت الصحافة الورقية والمجلات وانهيار المؤسسات الحكومية الإعلامية في دول كثيرة.

مستقبل الإعلام الذي يبدأ اليوم كما رسمه منتدى الإعلام العربي في دبي فلسفة تنبؤية لواقع الإعلام التقليدي الذي لم يعد مستقر الاركان فمن يدخل في مشتركات مع الجماهير والشعوب العريضة بحيث أصبح متأثرا بدلا من أن يكون مؤثرا يصعب عليه تقنين مساره بشكل واضح، ويمكن القول ان الإعلام التقليدي الذي يذوب في منظومة جماهير جدد في الإعلام يمثلون الشعوب ويؤمنون بالحركة الجماهيرية غير المستقرة في وجهتها ومسارها.

في الحقيقة موضوعات المنتدى وجلساته وانشطته كانت مميزة وقد شاركتُ شخصيا في ادارة الجلسة الثالثة من جلسات هذا المنتدى وكانت تحت عنوان (الحروب الافتراضية) فمقترح جلسة الحروب الافتراضية سمعتها للمرة الاولى من الاستاذة منى المري مسؤولة المكتب الإعلامي بحكومة دبي ورئيس نادي دبي للصحافة وقد ناقشت معها في جلسة مختصرة فكرة الحروب الافتراضية وكيف يمكن قراءة تأثيرها في المشهد الإعلامي الجماهيري.

كل موضوعات المنتدى لهذا العام من وجهة نظري أطلقت تحذيرا مباشرا للإعلام التقليدي ومتخصصيه حول القادم الاسرع في منظومة الإعلام، هذا القادم الجديد يمكن قراءته عبر مشهد فكري نستطيع ان نطلق عليه (تحالف التقنية مع الجماهير) هذا التحالف خلق مشهدا إعلاميا جديدا ومبتكرا لا يمكن تجاوزه بل انه مشهد اصبحت مؤسسات الإعلام التقليدية تعتمد عليه وهذا ما حدث فعلا خلال مرحلة الثورات العربية التي ادارها ونظمها وأنجحها الإعلام الجديد، حيث كل فرد من الشعب استطاع ان يجعل من أفكاره منتجا إعلاميا مارست من خلاله الجماهير تنظيم تطلعاتها الثورية.

شعار المنتدى هذا العام يطرح سؤالا مهماً ومعقداً حول مستقبل إعلامي لن يكون الإعلام التقليدي فيه مصدرا للأفكار والاتجاهات الجماهيرية، وصانعا للآراء والمسارات، فعلى سبيل المثال أثبتت لنا الثورات العربية في بعض الدول أن فكرة الجماهير تصنعها الجماهير فبرغم كل الإعلام المضاد استطاعت هذه الجماهير ان تنشئ فلسفتها وتشكل آراءها بمساعدة ليس من الإعلام التقليدي بل بمساعدة من إعلام المستقبل الذي يخترق الشعوب والجماهير.

إن اول احتكاك طبيعي حدث بين الإعلام التقليدي، والإعلام الحديث هو غياب فكرة التخصص في مجال الإعلام فإعلام المستقبل لن يشترط التخصص فصناعة النجوم في إعلام المستقبل سوف تتلاشى لأن متطلباتها التقليدية سوف تنتهي، فالجمهور الشعبي هو المصدر الوحيد لإنتاج نجوم جدد وليس مقاعد الدراسة ونظريات الإعلام هي من سوف يحدد..

والمتابع للتاريخ الفني في المنطقة العربية تحديدا يلحظ ما حدث خلال السنوات الماضية من صعود اصوات فنية جاءت من مواقع جماهيرية وفي مستويات شعبية جماهيرية معظمها غير مؤهل فكريا وثقافيا ليصبح نجما.

إعلام المستقبل كما تحدث عنه المنتدى الإعلامي في دبي بجلساته التي اختارت المستقبل عنوانا لها تطرق بشكل مباشر الى مجال السيطرة التي من الممكن ان يقدمها الإعلام التقليدي لقيادة دفة إعلام المستقبل او على الاقل مشاركته المباشرة في صناعة إعلام المستقبل.

إن سؤالا مهماً طرحته موضوعات منتدى الإعلام حول تلك المفاهيم المقلقة عن دور الإعلام في مستقبل الجماهير العربية تحديدا وصناعة نجوم تتحدث بكل شفافية عن موقفها السياسي او الاجتماعي دون ان تكون مرت على تجربة إعلامية متخصصة.

مستقبل الإعلام الذي يبدأ في دبي كما اخترته عنوانا لهذا المقال يجب ان يكون مثار اسئلة كثيرة فلقد وقف في هذا المنتدى مشاهير الإعلام التقليدي ومفكروه وأساتذته محللين حول مستقبل الإعلام وعلى الجانب الاخر تنافس معهم فئات مجتمعية صعدت من درجات المجتمع الاولى ووضعت لنفسها خطابا إعلاميا نشرته الجماهير وتم تسويقه بطرق تناقلية ماهرة.

هذه الفلسفة تدعونا الى طرح سؤال مهم حول ماهية إعلام المستقبل وهل هو إعلام شهرة مفتعلة ومؤقتة ام هو شكل جديد من صناعة الإعلام سوف تحدث ثورة حقيقية في صناعة الإعلام ومؤسساته العريقة..؟

منتدى الإعلام العربي الذي احتضنته دبي هذا العام استطاع أن يجمع المستقبل مع التقليدي ليشهد مواجهة تحدث لأول مرة في صناعة الإعلام التقليدي والذي لم يعد محصنا من إعلام الشعوب والجماهير التي استطاعت ان تقتحم قلاع الإعلام التقليدي وتفرض نفسها ونجومها بكل قوة.

في الحقيقة يجب على الإعلام والمهتمين به تقديم الشكر لدبي والرجل الاول فيها الشيخ محمد بن راشد وفريقه في المكتب الإعلامي بحكومة دبي على أن جعل من دبي منبرا إعلاميا يقرأ مستقبل الإعلام العربي، ويستشرفه ويصنع من دبي منطلقاً لهذا المستقبل القادم دون شك..

 المصدر: الرياض