ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

السينما تغزو الصحراء

آراء

ليس أحب ولا أجمل من ثيمة الصحراء وعدسة الكاميرا، سواء أكانت فوتوغرافية أم سينمائية، الصحراء مغرية ومشتهاة، تجذب عشاقها من الولوعين بشغف المغامرة والتصوير، ولطالما كانت الصحراء حاضرة في السينما بسحرها وغموضها وبالمعارك الدائرة على رمالها، وبالكنوز المدفونة بين كثبانها، ومثلما الصحراء حاضرة وبقوة في الأفلام، فهي حاضرة على الدوام في الأدب.

ولعل فيلم «الكثيب Dune» في جزئه الأول، والجزء الثاني الذي ستستقبله دور العرض الأسبوع المقبل، والذي صور في صحراء أبوظبي، دليل يوضح كيف يمكن أن تتحول الرمال والكثبان الترابية بألوانها المختلفة إلى حكايات حب وحرب، وأجواء أسطورية لمغامرات غائرة في الماضي، ومخترقة لآفاق المستقبل، الصحراء الكبرى الأفريقية كانت موطن التصوير الأول للصحراء وما يحدث فيها، وشاهدها جمهور العالم، وفي الآونة الأخيرة ظهرت الصحراء في الأردن في الكثير من الأفلام الأميركية وخاصة التي تتحدث عن ما حدث في العراق، ولعل النهضة السينمائية الجديدة، والتي يمكن أن نسميها بالطفرة، لأنها أكبر من القفزة، والتي تجري في المملكة العربية السعودية، سيكون معها لصحراء الربع الخالي نصيب كبير في الحضور السينمائي الدولي.

كل تلك الأمور خرجت متداعية ومنسابة من الذاكرة، وأنا أشارك في المهرجان الأول للسينما والصحراء الدولي في سلطنة عُمان الشقيقة، والذي استضافته مدينة «البديّة» بين كثبانها الرملية، ونخيلها الباسقات، وأفلاجها العذبة النابعة من بين صخور جبالها الشاهدات، والذي حلّت الإمارات فيه ضيف شرف، سعدنا بذاك الحضور، والبشاشة في القول والترحيب وكرم الضيافة، ولطف الكياسة من إخواننا العُمانيين، وكان فرصة للالتقاء بالمنتوج السينمائي والذي استلهم الصحراء في قصصه وتصويره من مختلف بلدان العالم.

أيام جميلة احتضنتنا فيها الصحراء بكل طقوسها وأجواء سحرها، وتلك البساطة التي تميز الأشياء فيها، كانت فرصة أن نمشي حفاة على رمالها في مسألة التطهر من الطاقات السلبية التي تسكن أجسادنا بفضل إسمنت المدينة، وهدير الأشياء فيها، كانت عودة للطبيعة الأولى، ونشأة الطفولة التي هربت بها الأيام بسرعة اندفاع عربات النار، أن تتربعوا مقابل طاسة حليب البوش، وقرص الجمر المدقوق، تتحلّقون مساء حول النار الموقدة بحطب السمر، ودلال القهوة وملال التمر، تشاهدون أفلاماً في العراء، أمر مختلف، وكدت أن تنساه في غمرة حضور قاعات مظلمة، مكيفة، ومقاعد وثيرة، هي أشبه بمقاعد الطيارين، جميل أن تأكل ببساطة الزمن الجميل الذي ولى على حصير، وصينية هنيئة تكفي المئة ببساطها الأحمدي، ومشرب من معدن تغترفه من عامد الفلج بارداً بعد أن شق عروق الصخر، كم تذكرت العين في زمنها الجميل، زمن الطيبين، ونحن نعيش أجواء المكان في «بني خالد»، وذاك الغداء الجماعي، والاغتسال بعده في فلج الماء الجاري، وأن هناك صغاراً ما زالت تستهويهم تلك الشيطنة الصبيانية في المساحات الفارغة خارج المنازل نحو الأشياء والأماكن والناس، ويكاد الفضول أن يطير بهم، مثلما تسرع نحوهم سنوات الرجولة المبكرة، وتكليفاتها.

شكراً لمهرجان السينما والصحراء في عُمان، لأنه استطاع أن ينتزعنا لأيام من ضجر ما نحن فيه، نحو آفاق الصحراء، وما تولّد من انثيالات مثل كثبانها الناعمة، باتجاه الحنين للفرح الطفولي، وما تحتاجه النفس في سنين الحكمة والاتزان والحب الكبير.

المصدر: الاتحاد