محمد اليامي
محمد اليامي
كاتب سعودي

الصحوة السعودية

آراء

من حيث لا يعلم الجهلة الإرهابيون الذين أحب أن استرجع دوماً تسمية داود الشريان لهم بأنهم «داشرين الحروب»، و«الداشر» في المحكية السعودية هو «الصايع الضايع»، من حيث لا يعلمون جاءت جريمتهم بنتائج إيجابية على مستوى التأثير النفسي والذهني للمجتمع السعودي.

وعلى رغم فداحة الخسارة وعظمها في فقد رجال الأمن الأشاوس الأبطال، أسكنهم الله فسيح جناته وقبلهم مع الشهداء والصدّيقين في عليين، إلا أن جريمتهم الأخيرة أيقظت أحاسيس أمنية ونفسية عميقة هذه المرة، فلقد تجرأوا على شهر كريم، وفي يوم فاضل على دماء المسلمين.

تصاعدت حدة الانتباه إلى رجال الأمن إجمالاً ورجال حرس الحدود على وجه الخصوص، وبدأ الناس يتبادلون صورهم صائمين محتسبين وهم على الثغور، ويوجهون رسائل لبعضهم بعضاً، تستشعر مرابطتهم وأهمية عملهم للبلاد والعباد، ثم تتذكر الأمن والأمان والرغد وأجهزة التكييف والفرش الناعمة، والأهم الاجتماع بالعائلة كل أذان مغرب وقبيل كل أذان فجر في شهر الرحمات والخيرات، شهر يؤذن المؤذن كل يوم فيه بالعفو والإحسان والمسامحة، لمن كانت قلوبهم تعرفها، فعرف الناس ماذا يحرس هؤلاء، إنهم يحرسون أسلوب العيش السعودي، وما هو أسلوب العيش السعودي؟ إنه الأسلوب القائم أولاً على الأمان مهما اختلفنا على أشياء وتفاصيل أخرى.

صحا الناس صحوة ذهنية، وهم يركزون في أفكار الفئات المختلفة التي يدعي كل منها وصلاً بالإسلام، واستنهاض الرشد في الخلافة والقيادة، وانتبهوا إلى أن سبي الجواري، ووضع إحداهن في مجلس الخليفة صاغرة، أحد ملامح هذا الحلم «الداعشي»، حلم كل «داشر» حرب أن يسبي ما شاء من النساء، انتبهوا فالتفتوا إلى بُنيّاتهم وأخواتهم، وعرفوا أن ما يجب محاربته ليس غازياً للحدود فقط، إنه أيضاً متجاوز غزا الأفكار والتعليم ونهج وأسلوب الحياة، وسيّسه باكراً لأجل هذه الأيام والنزالات.

إذا نظر السعوديون عميقاً إلى أنفسهم، وحال مجتمعهم، وتصنيفاتهم التي كانت تتكئ على مظاهر خادعة لزمن طويل، فهذه هي الصحوة التي تعيد «الأفكار» إلى نصابها، أما التدين والتقرب إلى الله، وعلاقتنا بهما أن نعبد إلهاً واحداً بدين واحد، فهو شأن نعرفه ولا نحتاج فيه إلى قيادات تروم السياسة أو غيرها. نحتاج إلى أهل علم يرومون الجنة، ويموتون قرب مساجدهم وحلقات تحفيظ قرآنهم وأوقافهم الثقافية الخيرية.

الصحوة أن يكون العقل قائد المرحلة، محرراً من كل القيود والأقنعة التي تلبسته لفترة طويلة، موهمة إياه إن كان صاحب «مظهر» متدين هو صاحب دين حقيقي، والدين عنده قطرة الدم الواحدة لذمي بين ظهرانينا غالية ومقدسة، فما القول وهي لمسلم صاحب أرض من أهلنا وأحبتنا؟

لا يصحو إلا من غفا. وأخطأنا في اعتبار أنفسنا غافلين، وتقلبنا صحوة من الصحوات، بينما الآن نحن نصحو فعلاً من الغفلة، نفقد ثمناً غالياً ربما، لكننا نحافظ على وطن جميل بأرواح جميلة.

المصدر: الحياة