محمد اليامي
محمد اليامي
كاتب سعودي

نظرة الطالبات للانحراف

آراء

ممتعة هي الدراسات الاجتماعية، وعلى رغم أن متعتها أحياناً تتحول إلى وجع، إلا أن وجع المعرفة خير من مسكنات الجهل، وكنت – وما زلت – أعتقد بأن أحد أهم أسباب تفاقم المشكلات الاجتماعية لدينا هو إغفال كنوز من الدراسات والأبحاث، بعضها بسيط لكنه عميق، وبعضها يعطيك المؤشرات التي تقودك للمشكلة، وتساعدك على الحل.

من الدراسات التي اطلعت عليها أخيراً بحث لدرجة الماجستير في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنجزته الباحثة منيرة بنت سعد العتيبي بعنوان: «اتجاه طالبات المرحلة الجامعية نحو بعض الانحرافات السلوكية» وهو دراسة ميدانية بدت لي أنها قريبة من الواقع، ونفذت بجهد واضح ودقة معقولة.

في البدء لا بد من التنبيه إلى أن الباحثة تدرس اتجاه الطالبات نحو هذه الانحرافات، ولا تدل الأرقام التي أظهرتها الدراسة على وجود هذه الانحرافات، بل تدل على قناعات الطالبات الشخصية وتقديرهن لمدى انتشار أو خطورة بعض السلوكيات.

الاتجاه في قاموس علم الاجتماع «توجيه نحو مواضيع معينة أو مواقف معينة ذات صبغة انفعالية وذات دوام نسبي»، وهو في علم النفس الاجتماعي «ميل نفسي لتقويم كيان بدرجة من التفضيل أو عدم التفضيل».

الطالبات اللاتي مثلن عينة الدراسة يرين أن أكثر الانحرافات السلوكية انتشاراً هي: التشبه بالرجال بنسبة 73.8 في المئة، يليها ارتداء الملابس الضيقة بنسبة 63 في المئة، ثم الإعجاب المثلي بين الفتيات بنسبة 59.6 في المئة.

شخصياً لا أعرف كيف يمكن وضع ارتداء الملابس الضيقة بين انحرافين سلوكيين كبيرين؟ لكنها وجهة نظر، وربما هي سياق متوارث أكثر منه نظرة للانحراف، لأن في هذا تفصيل كثير.

تخيلت أن البحث جرى بين الشباب لمعرفة اتجاههم نحو انحرافات بني جنسهم، وأتخيل أن النتائج لن تبتعد كثيراً، وأقرأ بين سطور نتائج الطالبات أعلاه تمحور المشكلات الانحرافية حول العلاقة بين الجنسين، وبين الطرفين من الجنس نفسه، وفي هذا إيماءات عميقة وكثيرة ربما لا تستطيع طالبة في جامعة سعودية الخوض فيها في دراسة رسمية تبتغي بها درجة علمية.

البحث الذي أنصح الكثيرين بقراءته قيم جداً، إنه قراءة في عقول الطالبات، شريحة عشوائية معينة من الطالبات ذوات الاتجاه الفكري والاجتماعي المتقارب، وأقول ذلك من نتائج الدراسة عن أسباب وجود هذه الانحرافات التي حددتها العينة بنسبة 68.4 في المئة لضعف الوازع الديني، و58.7 في المئة لغياب الرقابة الأسرية، و53.3 في المئة لوجود الحرمان العاطفي، وهذا الأخير أقر بأنه الأكبر، ولديّ قناعة أن قلة الحنان على البنات من الأهل من أهم أسباب أي مشكلة نفسية أو اجتماعية تصيبهن في الكبر.

أهم اقتراح قدمته الطالبات هو إنشاء وحدة استشارات نفسية واجتماعية، وهو اقتراح جميل إذا طبق بحياد علمي وفكري وتعامل بموضوعية ومن دون أحكام مسبقة.

المصدر: صحيفة الحياة