محمد اليامي
محمد اليامي
كاتب سعودي

صباح الحرف (التضحية بروح العيد)

الجمعة ٢٥ سبتمبر ٢٠١٥

انتهى عيد الأضحى المبارك أعاده الله على الإنسان والمكان بالخير والمحبة، وانتهى موسم الأضاحي، الذي غابت عنه الإبل بقرار حكومي حكيم، وحضرت الأغنام غالباً، لكن حضورها يقل عاماً بعد عام. قبل ثلاث سنوات، قال وزير الزراعة السعودي - آنذاك - الدكتور فهد بالغنيم، بصراحة ووضوح، في تصريح إلى صحيفتنا «الحياة»: «متوسطو الدخل لا يستطيعون شراء اللحوم الحمراء»، بسبب ارتفاع أسعارها، وعاماً بعد عام نجد متوسطي ومحدودي الدخل لا يستطيعون شراء الأضاحي للسبب نفسه.  وجاءت «الكوبونات» من بعض الجهات لتحل الإشكال نسبياً، فأسعارها أقل من أسعار الأغنام، ربما لأنها تعتمد على شراء أنواع أغنام مستوردة أو من الخارج نفسه، لا تحظى بشعبية كبيرة لدى السعوديين، لكنها تفقد أصحابها أجواء الأضحية، سواء دلالات النحر كما جاءت في الدين الحنيف، أو أجواءها العائلية المتمثلة بأكل الثلث، والاجتماعية المتمثلة بإهداء ثلث، والإنسانية المتمثلة بالتصدق بثلث الأضحية. أحد الإشكالات أن الأسرة الواحدة تذبح عدداً كبيراً، لأن كل فرد كبير فيها يرغب في الأجر والثواب، ثم يود أن يضحي عن أحد أقربائه الأموات أو الأحياء، ويجب علينا توحيد ذلك في أضحية - أو اثنتين - ترمز إلى كل هذا، وتقلل الهدر والاستهلاك الهائل، وتوحّد المشاعر الأسرية.  مشكلة غلاء الأغنام واللحوم الحمراء لدينا ليست اقتصادية بحتة، فعلى رغم ارتفاع أسعار الأعلاف، المتسبب الرئيس في غلاء اللحوم، تظل…

الصحوة السعودية

الأربعاء ٠٩ يوليو ٢٠١٤

من حيث لا يعلم الجهلة الإرهابيون الذين أحب أن استرجع دوماً تسمية داود الشريان لهم بأنهم «داشرين الحروب»، و«الداشر» في المحكية السعودية هو «الصايع الضايع»، من حيث لا يعلمون جاءت جريمتهم بنتائج إيجابية على مستوى التأثير النفسي والذهني للمجتمع السعودي. وعلى رغم فداحة الخسارة وعظمها في فقد رجال الأمن الأشاوس الأبطال، أسكنهم الله فسيح جناته وقبلهم مع الشهداء والصدّيقين في عليين، إلا أن جريمتهم الأخيرة أيقظت أحاسيس أمنية ونفسية عميقة هذه المرة، فلقد تجرأوا على شهر كريم، وفي يوم فاضل على دماء المسلمين. تصاعدت حدة الانتباه إلى رجال الأمن إجمالاً ورجال حرس الحدود على وجه الخصوص، وبدأ الناس يتبادلون صورهم صائمين محتسبين وهم على الثغور، ويوجهون رسائل لبعضهم بعضاً، تستشعر مرابطتهم وأهمية عملهم للبلاد والعباد، ثم تتذكر الأمن والأمان والرغد وأجهزة التكييف والفرش الناعمة، والأهم الاجتماع بالعائلة كل أذان مغرب وقبيل كل أذان فجر في شهر الرحمات والخيرات، شهر يؤذن المؤذن كل يوم فيه بالعفو والإحسان والمسامحة، لمن كانت قلوبهم تعرفها، فعرف الناس ماذا يحرس هؤلاء، إنهم يحرسون أسلوب العيش السعودي، وما هو أسلوب العيش السعودي؟ إنه الأسلوب القائم أولاً على الأمان مهما اختلفنا على أشياء وتفاصيل أخرى. صحا الناس صحوة ذهنية، وهم يركزون في أفكار الفئات المختلفة التي يدعي كل منها وصلاً بالإسلام، واستنهاض الرشد في الخلافة والقيادة، وانتبهوا…

نظرة الطالبات للانحراف

الإثنين ٣٠ ديسمبر ٢٠١٣

ممتعة هي الدراسات الاجتماعية، وعلى رغم أن متعتها أحياناً تتحول إلى وجع، إلا أن وجع المعرفة خير من مسكنات الجهل، وكنت - وما زلت - أعتقد بأن أحد أهم أسباب تفاقم المشكلات الاجتماعية لدينا هو إغفال كنوز من الدراسات والأبحاث، بعضها بسيط لكنه عميق، وبعضها يعطيك المؤشرات التي تقودك للمشكلة، وتساعدك على الحل. من الدراسات التي اطلعت عليها أخيراً بحث لدرجة الماجستير في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنجزته الباحثة منيرة بنت سعد العتيبي بعنوان: «اتجاه طالبات المرحلة الجامعية نحو بعض الانحرافات السلوكية» وهو دراسة ميدانية بدت لي أنها قريبة من الواقع، ونفذت بجهد واضح ودقة معقولة. في البدء لا بد من التنبيه إلى أن الباحثة تدرس اتجاه الطالبات نحو هذه الانحرافات، ولا تدل الأرقام التي أظهرتها الدراسة على وجود هذه الانحرافات، بل تدل على قناعات الطالبات الشخصية وتقديرهن لمدى انتشار أو خطورة بعض السلوكيات. الاتجاه في قاموس علم الاجتماع «توجيه نحو مواضيع معينة أو مواقف معينة ذات صبغة انفعالية وذات دوام نسبي»، وهو في علم النفس الاجتماعي «ميل نفسي لتقويم كيان بدرجة من التفضيل أو عدم التفضيل». الطالبات اللاتي مثلن عينة الدراسة يرين أن أكثر الانحرافات السلوكية انتشاراً هي: التشبه بالرجال بنسبة 73.8 في المئة، يليها ارتداء الملابس الضيقة بنسبة 63 في المئة، ثم…

عدنان جابر

السبت ٢٤ أغسطس ٢٠١٣

انتقل الزميل الصحافي الاقتصادي عدنان محمد خالد جابر الشهير جداً باسم عدنان جابر إلى رحمة بارئه عز وجل وهو في أولى سنين «الرشد» التي تبدأها الـ40، وفي حالات كثيرة تستعجلها الـ30، كما في حالته - يرحمه الله، وترى بوادرها في الـ20 كما رأيته المرة الأولى في ردهات جامعة الملك سعود، يجوب أروقة صحيفتها «رسالة الجامعة» مرتدياً ذلك المعطف اتقاء للبرد، ومن تحته ارتدى شخصية سعودية يرى من خلالها الأشياء التي نراها، وعلى رغم جنسيته الأردنية، إلا أنك تحسبه من شباب «شمال المربع» قريباً من مراتع صباه بالقرب من شارع الوشم وشارع التلفزيون. ارتعش صوت أخيه سلمان وهو ينقل لي خبر رحيله بعد معاناة طويلة مع المرض، ذكرني بارتعاش صوت الزميل محمد البسام، الصحافي «شبه المتقاعد» على رغم شبابه الذي تابع حالة الفقيد «أبوطلال» أولاً بأول، وكان مصدري، وربما مصدر كل من تابع حاله الصحية من الأصدقاء والإعلاميين. شاركنا نحن «بعض» الصحافيين القدامى، والإعلاميين والمذيعين والمستشارين الحاليين المنافسة الشرسة، وتعرفنا على الشخصية التي يعتقد من يراها للوهلة الأولى أنها صعبة المراس، والصحافي الذي تضع أسئلته الأولى للمسؤول أو المصدر الصحافي ملامح قصة أو خبر لا يمكن لأي رئيس تحرير إلا إبرازها وجعلها المادة الرئيسة في الاقتصاد، الصفحات التي كانت مكان إبداعه في «الاقتصادية»، و«الشرق الأوسط»، و«الوطن»، وكادت أن تكون كذلك ذات…

طباخ الكبريت: جريمة وطنية

الأربعاء ١٧ يوليو ٢٠١٣

الرطب وصل باكراً هذا العام، هو فعل في أعوام سابقة، ولم ينتبه الرأي العام أو إعلامه، وحدهم «الشيبان» والخبراء كانوا يعرفون أن هذا «اللون» غير طبيعي. وعرفنا - بفضل من الله ثم بفضل الإعلام والاتصال السريعين - أن هناك طريقتين لإنزال الرطب الملوّن قبل أوانه، الأولى بإشعال النيران تحت النخلة فترتفع درجة الحرارة فيتم طبخ الرطب أسرع، والثانية ما يسمى بـ«الطبخ بالكبريت»، ولا أعرف تفاصيله، لكني رأيت صوراً على الإنترنت لأحواض يقال إن فيها مادة الكبريت «ربما حمض الكبريت» يوضع فيها البسر فينضج خلال دقائق، قاتل الله كل مَن يفعل ذلك. الهدف بالطبع مادي بحت، فنزول الرطب مع إطلالة الشهر الكريم يجعل الناس تدفع فيه الغالي والثمين. ولارتباط الرطب الطازج تحديداً بروحانية الإفطار وطقوس رمضان، يدفع حتى محدود الدخل وضعيف الحال أي ثمن للحصول على هذه المتعة الوجدانية، وهنا أحسب الجريمة مضاعفة وتجب مضاعفة عقوبتيها. أي جريمة غذائية هي جريمة خيانة عظمى، لأمانة الله، وعهد خلقه، ونظم وقوانين ولاة آمر الناس، وعندما يتعلق الأمر بالرطب والتمر في المملكة فأعتقد أن الجريمة تأخذ بُعداً أعمق وأسوأ، فالتمر والرطب على كل مائدة وله مكانة وجدانية أصيلة، فهو مذكور في القرآن غذاء لمريم البتول - عليها السلام -، والنخل من أشجار الجنة ولا توجد مائدة تخلو منه، طعام الفقير وحلوى الغني، وهو من…

لماذا النساء؟

الإثنين ١٠ يونيو ٢٠١٣

كان أبرز عنوان يستوقف العين وأنا أتصفح التقرير السنوي 2012 لمركز بناء الأسر المنتجة (جنى) هو:«لماذا النساء»؟، ومن قبل أعجبتني التسمية، وما فيها من اختصار لمبدأ مهم وهو «بناء» الأسر المنتجة، وهو ما ثبت أن المركز ينفذه بنجاح ومرحلية يستحقان الإشادة. أما الإجابة على سؤال: «لماذا النساء»؟ فجاءت - بحسب التقرير -: «تمكين المرأة وتدعيم دورها داخل الأسرة والمجتمع، وتوفير فرص علم لها بسبب قلة الفرص المتاحة في السوق، وتعد المرأة في كثير من الحالات العائل الوحيد للأسرة، وندرة الجهات التي تقدم مثل هذه الخدمات لهذه الشريحة المهمة في المجتمع، قدرة المرأة على إجادة الكثير من الأعمال اليدوية والحرفية وتسويقها». أما أنا فأضيف للإجابة أعلاه أن المرأة أكثر وفاء من الرجل، بالمعنيين العاطفي والعملي، فنسبة سداد القروض التي يمنحها المركز للنساء بلغت العام الماضي 99 في المئة! هل تتخيلون هذا الرقم في عالم الإقراض والسداد؟ وهي نسبة من دون كفيل أو كفيل غارم أو أي من الضمانات، فطبيعة القروض متناهية الصغر منذ نشأتها كمبدأ اقتصادي اجتماعي في العالم هي «عدم وجود الضمانات». وأزيد بأن المرأة أكثر جلداً، فنسبة نجاح المشاريع بلغت 92 في المئة، ومرة أخرى تخيلوا الحرص والجدية اللذين ربما انبثقا عن الحاجة، لكنهما حلقا بالطموح، والرغبة في إثبات الذات، والأهم الرغبة الأعمق في الاستعفاف عن المساعدة والاستقلال بالنفس،…

يا ليت قومي «يراجعون»

الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠١٣

سأبدأ برسالة وردتني مع خمس رسائل تتحدث عن الفساد وإهمال المراجعة الداخلية في الحكومة بعد مقالتي «أفصحوا يا نزاهة»، تقول المرسلة: «أنا كنت واحدة من منسوبي قسم المراجعة الداخلية، ولما بدأت أكتشف أخطاء أو أحاول كشفها حوربت وأدركت أني أحارب طواحين الهواء، وفي الأخير طلبت نقلي لجهة أخرى بعيدة عن المراجعة الداخلية، وبمنتهى الحزن تخليت عنها ونقلت إلى قسم التحقيقات، وهناك أيضاً فوجئت بأن الخطوط الحمراء موجودة أيضاً، مع العلم أن التحقيق كان في مسائل أخلاقية لكن لا بد من الحذر أيضاً، وتم إصدار قرار بعدم التحقيق مع من هم في مرتبة معينة وأعلى، ولا بد من الرجوع إلى المدير العام إذا ما تقدم أحد بشكوى ضد أي شخص يقع في هذه الفئة». اختصرت الرسالة التي تعمل صاحبتها في أحد المستشفيات، وأربطها مع كثير من العناوين، آخرها كشف اختلاس 150 مليوناً في تعليم الرياض، وصدور الأحكام على الفاسدين في تعليم حائل، ثم عنوان تصريح للمدير العام للمراجعة الداخلية في ديوان المراقبة العامة عبدالعزيز الفارس، يقول فيه إن 39 جهة حكومية تتجاهل قرارات مجلس الوزراء ولم تنشئ وحدات للمراجعة الداخلية، على رغم مرور تسع سنوات على قرار مجلس الوزراء القاضي بتأسيس إدارة للمراجعة الداخلية في كل جهاز حكومي. حسناً، في البدء لا بد من إشارة صغيرة إلى ثقافة الكثير من الموظفين…

هل يجوز قتله؟

الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢

تقول الطرفة التي ينقلها المهندس خالد الدريس «امرأة سعودية تسأل الشيخ: في نهار رمضان في المطبخ بين الزيوت ورائحتي كلها زيت، وأعاني من الحر الشديد، وأتلفّت خوفاً على الأطفال، ثم ينزل «أبو فنيلة وسراول» قبل المغرب عيناه منتفختان من كثرة النوم، ويفتح القدور والفرن ويقول: بس هذا اللي طبختوه، السؤال يا شيخ: هل يجوز قتله؟». الطرفة نسائية المنشأ، خيالية الصورة، فلو كانت النساء تغرق في رائحة الزيت، لما وصلت بورصة العاملات المنزليات إلى آلاف الريالات في هذا الشهر الفضيل، ثم إنهن يتحملن مسؤولية إيصال المذكور إلى هذه الحالة الغذائية الهستيرية بتنافسهن الذي أدى إلى وجود أوانٍ وتجهيزات منزلية للمطبخ خاصة بالشهر الفضيل. لا أدري هل هو التنافس بينهن، أم أنها خدعة رجالية جعلتهن يصدقن أن صيامه يكاد يميته من الجوع، أو هي أصبحت ثقافة مشتركة بينهما، جعلت كميات زيوت القلي المستهلكة في هذا الشهر الفضيل تكفي لتشغيل نصف محركات الطاقة التي تمد مراكز الأبحاث الغذائية والدوائية في الدول المتقدمة، بل وأقول في الدول الإسلامية المتقدمة، التي قدمت إشباع العقل على إشباع البطون، وتأكل لتعيش وليس العكس. وعوداً على طلب الفتوى أعلاه، فلا بد من الاعتراف بأن الرجال يسجلون أعلى معدلات الأنانية في هذا الشهر الفضيل، فيكفي أنه «مداوم» في رمضان، وكأنه يقوم بالأشغال الشاقة المؤبدة في مكتبه الذي يقضي نصف…