عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

الصور ذاكرة الأيام!

آراء

من يسكن الآخر: هل تسكننا الصور التي نلتقطها، أم نحن من نسكن الصور؟ لماذا يلتقط الناس الصور بكل هذا الحرص والإصرار؟ ففي كل الأمكنة والمواقف واللحظات، قد ينسى الناس أموراً ذات أهمية لكنهم ينتبهون دائماً لالتقاط الصور! في الأسفار، في حفلات الزفاف وأعياد الميلاد، في المطارات والطائرات، في شوارع المدن البعيدة، في الحدائق والمطاعم، وفي كل مكان!

يصور الناس أنفسهم، أصدقاءهم، مقتنياتهم، يصورون الأزهار والأشجار والأطفال، والكتب وزملاء العمل، والأمكنة التي يزورونها حين يسافرون، يصورون البحار والأنهار والغرائب والطرائف … يصور الناس كل شيء، لأن التصوير حسب ظني له ارتباط وثيق بإشكالية عميقة هي علاقة الإنسان بمفهومي الخلود والزمن!

نحن نلتقط الصور ونحتفظ بها، قديماً نحتفظ بنسخ مطبوعة منها، اليوم حل الهاتف محل الكاميرا والفيلم التقليدي وصارت كل صورنا وذكرياتنا في أحشاء الهاتف، إذا فقدناه شعرنا بالحسرة ليس على جهاز الهاتف ولكن على محتوياته التي لا تقدر بثمن وخاصة صورنا! صورنا بصحبة أهلنا وأحبتنا وأصدقائنا، صور ذكرياتنا وأسفارنا ومنجزاتنا وأجمل لحظات حياتنا، صورنا التي هي باختصار ذاكرتنا التي نخلدها بمحبة ونحافظ عليها بحرص، لأننا نعلم أنها ليست مجرد انعكاس ضوئي فيزيائي لأشكال ووجوه وخيالات!

بل هي مرايانا الحقيقية والجميلة، خزانة اللحظات التي تدخرها الأيام التي سنجلس لنستعيد ما كان، هذه الصور هي لحظات أفراحنا وأعمارنا التي تمكنا من اقتناصها في غفلة من المتاعب والانشغالات، إنها المحاولة الأنجح التي تمكن بها الإنسان من تخليد الزمن العابر ركضا كالريح، والقبض عليه داخل صندوق الكاميرا وإطار الصورة!

وكلما عدنا وطالعنا تلك الصور مجدداً، حتى بعد مضي سنوات نشعر بكل ما كان، نتذكر الموقف والطعام والطقس والمطر والبرد وضحكات من كانوا معنا، والطرائف التي حدثت، لذلك نعشق الصور، لأنها تعيدنا إلى تلك اللحظات والأيام البعيدة، إنها الحيلة الإنسانية الوحيدة التي ابتكرها الإنسان ليقفز عبر الزمن بخفة وفرح، فينجح في أن يلغي حاجز الزمن دون أن يشعر بوطأته الثقيلة!

المصدر: البيان