عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان
كاتب ومحلل سياسي- لندن

العراق وسوريا: ضرب «داعش» لضرب المعارضة

آراء

من المسؤول عن عودة تنظيم «القاعدة» إلى الانتشار واستعادة «الحاضنة» الشعبية في الأنبار عبر فرعه الذي زاد «الشام» إلى عنوانه ليصبح تنظيم «الدولة الإسلامية للعراق والشام» أو «داعش» اختصاراً؟ لو أن الحكومة العراقية تصرفت، غداة الانسحاب الأميركي، كحكومة لجميع العراقيين، ولو أنها أرفقت الإجراءات الأمنية الضرورية لمجابهة الإرهاب بمبادرات سياسية أتيحت لها بموجب «اتفاق أربيل» (ديسمبر 2010)، لما تسببت بهذه الأزمة التي زادت الشرخ المذهبي بين الشيعة والسنّة، ولما جازفت بالجيش العراقي الحالي ووضعه في حال استهداف لأحد مكوّنات المجتمع، والأهم لما أوجدت بيئة وظروفاً يضطر معها السُنّة للمفاضلة المستحيلة بين عدوّين: الجيش و«القاعدة».

الأزمة لم تبدأ قبل أسبوعين، أي بعد مقتل قائد الفرقة السابعة في الجيش محمد الكروي، ليتخذه رئيس الوزراء نوري المالكي ذريعة للإعلان، من كربلاء، عن تجريد حملة «ثأر القائد محمد» ضد «داعش». كان هذا مجرد فصل مأساوي مؤلم في مواجهة لم يكن لها أن تكون أصلاً، لكن الأزمة بدأت في 2010 غداة الانتخابات والخلاف على من يتولّى منصب رئيس الوزراء، وكانت الفرصة سانحة للانطلاق في بناء النظام «الديموقراطي» الجديد أو بالأحرى «دولة المؤسسات» المناقضة للنظام الذي أسقطه الغزو الأميركي.

خسر العراق هذه الفرصة، وتولّى رئاسة الوزراء من اختاره التفاهم الضمني بين الولايات المتحدة وإيران. ورغم مساوئ هذا الاختيار، مغزىً وأسلوباً، كان يمكنه أن يعني ضماناً لـ «مرحلة انتقالية» لترميم التعايش بين مختلف الفئات، إلا أن تطبيقه ذهب في اتجاه معاكس تماماً، إذ أدّى إلى إعادة الحكم الفردي معتمداً واقعياً على حزب المالكي (وميليشياه) وعلى مهاراته في لعبة «فرّق تسُد».

غداة الانسحاب الأميركي أطاح المالكي بنائب الرئيس طارق الهاشمي بقضية «تورّط في الإرهاب» غلب عليها التلفيق والافتراء، ثم عطّل استكمال تشكيل الحكومة وفقاً لاتفاق أربيل مستحوذاً على الحقائب الأمنية في يده وفارضاً إرادته على الوزارات والمؤسسات.

لم يخلُ عاما 2011 و2012 من تفجيرات لـ «القاعدة» واضطرابات أمنية ظلّت محدودة، لكن توالى مسلسل الخلافات بينه ويبن الأكراد كاد يشعل مواجهات عسكرية، ثم مع المحافظات ذات الغالبية السنيّة التي شكت من التمييز ضدّها في مشاريع الحكومة وميزانيتها.

وبعد تعايش متقلّب مع عدد من الوزراء السنّة ما لبث المالكي أن مسّ عصباً عشائرياً حسّاساً عندما حاول تكرار سيناريو الهاشمي بقضية أخرى ملفقة لاستهداف وزير المال رافع العيساوي، ما أشعل الاحتجاجات فالاعتصامات منذ ديسمبر 2012.

وطوال سنة كاملة، لم يتوصّل المالكي إلى طرح أي مبادرة سياسية ذات مصداقية للتعامل مع مطالب المعتصمين مراهناً على اختراقهم وبث الخلافات في ما بينهم ومهدداً بضربهم وإنهاء حراكهم بالقوة.

هذا هو المناخ الذي أعاد إنتاج «الحاضنة» وفتح لتنظيم «القاعدة» أو «داعش» أبواب العودة إلى الواجهة، وقد انتظره المالكي ليتأبط الذريعة مستفيداً أيضاً من الجو الإقليمي المتخوّف من تعاظم نفوذ هذا التنظيم في سوريا، حتى أن زيارتيه الأخيرتين كانتا لواشنطن ثم لطهران، وركّزتا على «محاربة الإرهاب» إذ وافق الأميركيون على تقديم صواريخ متطورة وطائرات ومعدّات جوية للاستطلاع والمراقبة وتحديد مواقع “الداعشيين”. وهكذا شكلت حملة «ثأر القائد محمد» تمهيداً تجريبياً لما يفترض أن يكون لاحقاً في سوريا وحتى في لبنان، أي إغراق المنطقة في حرب على الإرهاب يصعب تحديد نهاية لها.

وكما أن مسؤولية استنهاض «القاعدة» بل مؤازرتها واضحة في العراق، فإنها أكثر وضوحاً في سوريا حيث تتحرك «داعش» وفقاً لخطّة النظام إذ تخطف نشطاء الثورة وتقتلهم تحت التعذيب وتهاجم قوى المعارضة للاستيلاء على مواقعها. ففي الحالين كانت هناك حكومة تُغلّب الشأن الأمني وتتعمّد إفشال السياسة حيث يمكنها أن تحدّ من الوباء الإرهابي، وحين تتحوّل المشكلة من احتجاجات سلمية إلى حالٍ إرهابية تكسب الحكومة أفضلية دولية للقضاء عليها. غير أن القاسم المشترك بين نوري المالكي وبشار الأسد ليس في تحالفهما مع إيران فحسب بل في كونهما مستعدّين للتفاني في «محاربة الارهاب» بغية تحقيق الهدف الأساسي وهو القضاء على معارضيهما.

وإذ أعطى المالكي نموذجاً أول لذلك بإنهاء اعتصام “الرمادي”، إلا أنه قاد بقية المناطق السُنّية إلى حال حرب أهلية فعلية أسوأ ما فيها أنها في صدد إدخال «داعش» في نسيج الاحتجاج الأهلي المشروع، رغم أن للإرهابيين أجندتهم الخاصة التي تناقض طموحات السُنّة والشيعة على السواء.

المصدر: الإتحاد