ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

العين تدمع ثلجاً

آراء

منذ وقت طويل جداً لم تشهد العين نزول بَرَد بهذه الكثافة، وهذا الوضوح، في صغرنا كان ينزل بين فترة وأخرى، وبشكل متفرق، ولا يحدث ذاك الضرر، لأنه لم يكن هناك شيء نخاف عليه من الضرر إلا الزرع، أما أمهات الضرع، فكانت تشاركنا سكننا وقت الشدة والخطر، بالأمس حين أرسلت لي أختي صور ومشاهد بيتنا في العين، والله ما عرفته، أتحسبته مدخل بيت في أوروبا عشية عيد الميلاد، قصورنا بس نجلس كأطفال مهذبين ونظاف في رياض ومدارس خاصة، ننتظر عمنا «بابا نويل» وهداياه، البَرَد والثلج خربط العين وأجواء البر والمزيون، يعني معقول نحط أغاني «ميحد حمد» القديمة في هذا الجو المتشح بالبياض الذي يحيط بالمكان، ويغري الناس بالدهشة والاكتشاف، لذا خرجت نوادر ومِلَح وتعليقات من الناس الذين خرجهم الجنرال الأبيض من بيوتهم، ومن مزاجهم، ومن طورهم، وكثير منهم لم يعرفوا كيف يتصرفون، فاجتهدوا وارتجلوا، فجأة أصبح الجميع مثل الأطفال يريدون أن يلعبوا بهذا القادم الأبيض، وخرجت ضحكاتهم بريئة وبيضاء؛ أحدهم يقترح على الناس أن لا يسحبوا نقوداً من جهاز الصراف الآلي، فربما أخرج لهم «يورو» بسبب الأجواء الأوروبية.

بصراحة أمس الجو، جو لندني بامتياز، ذكرنا بـ «كريسمس» كيف كنا نقضيه في طفولتنا في برور العين، ونحن متعقطين ومتزربلين، خوف الشحف والحفاء؛ وأتذكر أصدقاء من ذاك الزمن الجميل أنا مع رشود وسعود وعبود، وكيف كنا نصنع دمى من الثرى، أقصد من الثلج، وخلفنا تصدح أغاني عيد الميلاد.

بالأمس كدنا نرى عربات الثلج أو الزلاجات تجرها كلاب الجليد المندفعة، وهي متوجهة من «الصاروي إلى ملاقط» أو باتجاه «خطم الشكلة»، حتى ريوق أهل العين أمس كان غير، بدال الخبيصة والعصيدة والبلاليط، تهيأ لي أنه كان «كرواسان أوو شوكولا، باغيت بزبدة وموتارد ديجون، وتوست جبنة امنتال مع الأفوكا»، وبعد ذلك الفطور «ألا فرنسييز» ما «يوز» يكون عشاؤنا غير «فوندو أو راكليت»، هكذا تعودنا في أكلاتنا أثناء الشتاء القارس، لا قرص جمر ولا قرص عقيلي، ما عليكم من الكلام.

طبعاً يقوم جماعتنا أهل العين الطيبون يتمشون على الثلج، وهم «حفّاي»، أعتقد أنه غلط، تراه الجو والأجواء غير عن «الكشته» في رملة العين، وإلا سيارة في هالبر «بتربخ على توايرها»، علشان تطلع هالطعوس، الآن.. الأجواء الباردة المثلجة هذه يبالها أولاً «جواتي» غير نمونه، يعني شغل «المندوس» ما يمشي معها، وإلا وطّيَة العيد تلائمها، لأن الزلق بـ «بيزة»، شوفوا إذا بعدكم متذخرين في الشنط القديمة أيام «قارمش الألمانية، وانترلاكن السويسرية، وآنسي الفرنسية» بشيء يصلح للمشي على بقعة صارت جديدة علينا، ويمكن نتعود عليها في الأيام القادمة.

وبالمناسبة.. من الأشياء التي أتذكرها أنه مرة نزل علينا بَرَد في العين في الستينيات، وقمنا نحن الصغار حينها، نقرض البَرَد قرضاً، يعني ما واحا له يذوب، تدرون.. ثلج ببلاش، ويختلف عن ثلج الصلافة المغطاة بـ «يونية عيش» خرسانة، عند دكان حسون، ويبيعها علينا بالقطع، ما صدقنا ولقيناه في «الحوي»، وعند الباب، وقمنا «نلايمه ملايم»، نحن في ذاك الزمن البعيد أي شيء يفد علينا نطحنه، جراد نخطف عليه، بَرَد نقرضه.

صباحكم أبيض جميل مثل قلوب أهل العين التي كساها أمس بياض من زمان لم نره، ولأول مرة يشاهده أولاد هذا الوطن.