عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«الفَنّش..!»

آراء

لابد أن جميعكم قد مرّ بتلك التجربة الجميلة التي يتذكرها بابتسامة عريضة وتنهيدة «راحوا الطيبين» الشهيرة..

تبدأ أعراض الحالة عندما تطلب من شمس الدين، وهو ذلك الشاب الكيرالي الذي يفعل كل شيء في المؤسسة ويتقاضى «شروي نقير»، أن يعد لك كوب «الكرك» اليومي، فتفاجأ بأنه استبدل عبارة «حاضر أرباب» بعبارة «شوي بعد»! هنا تعلم أن الأمور لم تعد كما كانت.

تأخذ جولة في الإدارة فتفاجأ بأن النظرات تجاهك لم تعد كما كانت، هي نظرات من نوع آخر، تدرك مرة أخرى كم كنت أحمق حينما قضيت لياليك في البحلقة في الكتب بدلاً من العيون الكحيلة.. من لي بفهم ما يختبئ خلف هذه العيون.. مزيج من الحزن والشفقة والتحفز والسعادة، تصل إلى مكتبك لترى الظرف الذي يحمل شعار المؤسسة وتوقيع مدير الشؤون الإدارية الذي يكون عادة الرجل الأكثر شعبية، فتعلم بأنك قد وصلت إلى نهاية اللعبة!

كلما ارتفعت في السلم الوظيفي أصبح عدد الكراتين الفارغة التي تحملها معك في اليوم الأخير أكثر، ففي حالة «الفنش» الأولى ستحمل معك عدداً من الأوراق ودباسة «بابا سنفور» الشهيرة، لكنك بعد الترقي الوظيفي ستحتاج إلى حمل عدد كبير من البحوث والدراسات، والملفات والعروض ورحلة العمر، وستلجأ مرة أخرى إلى شمس الدين ليؤدي لك خدمة أخيرة بمساعدتك على حمل كل تلك الذكريات!

في «فنشي» الذي يتكرر كل أربعة أشهر بسبب العين، وسبب آخر، أيهما يأتي أولاً ــ كما تقول «تويوتا» ــ جلست مع أحد الزملاء أخبره بأن سياسة «مكاتب بلا ورق» ستجعل «المفنش» أكثر سعادة ذات يوم، لأنه سيحمل معه «صبع يو إس بي» فقط..

كنت حزيناً، أو أدعي الحزن لأكسب تعاطفه فيدفع الحساب، ففاجأني بقصة قوية، يقول صاحبي: «عملت خمس سنوات في دائرة حكومية، ولم تقم الدائرة بإتمام إجراءات تقاعدي ونهاية الخدمة، ثم انتقلت إلى القطاع شبه الحكومي سبع سنوات أخرى، لأكتشف عدم ضم الخدمة، وبقيت أجري بين المؤسسات المختلفة وصندوق المعاشات لمدة أربعة أشهر، ودخلت ثلاث واسطات ونصف (لم أسأله عن النصف) لكي أتسلم في النهاية 60 ألف درهم بسبب الراتب الأساسي في الماضي، وقيل لي إن عليّ أن أدفع 500 ألف درهم (يتكرر هذا الرقم كثيراً هذه الأيام) لكي أضم سنوات الخدمة، ولهذا فقد وكلت الأمر إلى الخالق وتخليت عن ضم الخدمة لكي لا أفسد خطتي للتقاعد، وإلى هذا اليوم كل جهة ترمي بي إلى الأخرى، ولا أعلم ما الجهة الفصل التي يجب أن ألجأ إليها».

من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته! سألته عن ما فعله بعدها، فكشف عن ساعده لأرى وشماً مكتوباً عليه «إحنه آسفين يا ريس»، لم أفهم، فأوضح لي أنه يريد أن يريني الساعة لا الوشم.. كافأ زميلي نفسه بشراء «رولكس» بالـ60 ألفاً سالفة الذكر!

من نافلة القول إنني دفعت الحساب عنه بالطبع!

المصدر: الإمارات اليوم