هيفاء المعشي
هيفاء المعشي
مديرة إدارة الدراسات الجيوسياسية في مركز "بحوث" - دبي

القضاء على القاعدة في اليمن

آراء

من القصر الجمهوري في المكلا إلى القصر الجمهوري في صنعاء، خطوط ممتدة لعمليات إرهابية محتملة من تخطيط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وبين القصرين تجمعات عسكرية للجيش اليمني وهجوم واسع للقوات الأمنية اليمنية والطائرات الأمريكية بدون طيار على مواقع ومعسكرات تدريب القاعدة  في محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين حيث انطلق الهجوم بشكل مركز منذ نهاية إبريل 2014 ووصل عدد القتلى إلى المئات. لكن القتلى ليسوا جميعاً من القاعدة!

وفق تصريحات وبيانات وزارة الداخلية اليمنية فلم يتم التعرف حتى الآن إلا على قلائل وبقية الضحايا لا يزالون مجهولي الهوية ولا تزال الحكومة اليمنية تبحث عن هويات الضحايا وباعتراف صريح من قبلها أن هناك مدنيين ضمن القتلى.

أبو بصير أو ناصر الوحيشي الذي استطاع بعد حفر نفق طويل في سجن الأمن السياسي في صنعاء أن يهرب في 2006 ويتقلد إمارة تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية بمباركة الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري في 2009 ويحمل لقب “أمير المجاهدين”، كان قد أُعلن أنه ضمن القتلى خلال غارة شنتها طائرات أمريكية بدون طيار خلال هجوم إبريل إلا أن تقارير لاحقة أثبتت أن فحص “الحمض النووي – DNA” أكد أنه لا يزال حياً مما يعنى أن ملاحقة قيادات القاعدة في اليمن ستستمر سواء من قبل السلطة أو الحكومة الأمريكية عبر الطائرات بدون طيار ودعم البحرية الأمريكية حتى يتم القضاء على هذه القيادات وعلى رأسها كما حددت قوائم الحكومة الأمريكية: الوحيشي وابراهيم العسيري وقاسم الريمي.

اليمن هي “الجنة الآمنة” لعناصر القاعدة أو هذا على الأقل ما تعتقده المخابرات الأمريكية التي ما انفكت تطارد عناصر القاعدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ومصطلح الجنة الآمنة قد استخدم من قبل الحكومة الأميركية للتأكيد على أن أغلب العناصر البارزة في القاعدة سواء تلك التي كانت تحارب في باكستان وأفغانستان أو التي أطلق سراحها من سجن غوانتانامو لجأت لليمن بعد إعلان تنظيم القاعدة للجزيرة العربية في 2009. حيث وجدت في اليمن ملاذاً آمناً لها بعيدا عن مطاردة الأجهزة الأمنية المختلفة.

وهي حقيقة أن قاعدة اليمن لا تحتضن عناصر يمنية خالصة بل خليطاً من أجناس مختلفة من ضمنهم سعوديون وشيشانيون وباكستانيون ومصريون وغيرهم. ولعل التأكيد على تواجد هذا المزيج بمثابة تدليل على أن تنظيم القاعدة في اليمن أضحى مركزاً اقليمياً وليس مجرد فرعاً من فروع القاعدة وأن القيادات المتواجدة في هذا التنظيم تملك حق التخطيط والتوجيه ليس فقط داخل حدود اليمن ولكن في العالم ككل لتحقيق أهداف التنظيم. وحادث النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي تم التخطيط له داخل اليمن بمساعدة القيادي الروحي السابق للقاعدة في اليمن أنور العولقي والسعودي إبراهيم العسيري لتفجير طائرة أمريكية في ديترويت يؤكد على ذلك. كما أن الشعار الذي انطلق مع إعلان تأسيس تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية عبر شريط فيديو حمل عنوان “من هنا نبدأ وفي الأقصى نلتقي” تضمن تلخيصاً واضحاً لحدود أنشطة التنظيم.

إن أيديولوجية التنظيم كما يصفها أعضاؤه تستهدف تأسيس جيش ينطلق من اليمن ليدير معارك “الملاحم” في بلاد الشام حاملاً شعار ” اليمن أرض المدد” ووفق هذه الأيديولوجية يخرج من أبين وعدن “اثنا عشر ألف مقاتل!”.

ولعل تلك الوقائع منحت النظام اليمني ما قبل ثورة 2011 وما بعدها الشرعية الكاملة للقضاء على التنظيم والتخلص من رموزه سواء بالاعتقال والسجن أو الإعدام خلال محاكمة أو فتح الأجواء اليمنية أمام الطائرات بدون طيار الأمريكية لاستهدافهم.

وهي حقيقة أيضاً أن التنظيم قام بعمليات إرهابية منذ انفجار السفينة “يو أس أس كول” عام 2000 وحتى تفجيرات صنعاء الأخيرة وأبرزها حادثة مستشفى العرضي في مجمع وزارة الدفاع في ديسمبر 2013 وتخللت هذه الفترة الزمنية الطويلة أحداث عنف وخطف واغتيالات في مختلف محافظات اليمن.

إلا أن تصاعد المواجهات في الفترة الأخيرة وبشكل سريع وحاد ما بين تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وقوات الأمن اليمنية واستخدام الحكومة اليمنية لوسائل سياسية وعسكرية وإعلامية  مختلفة وواسعة للقضاء على القاعدة وتحديدا في المحافظات الجنوبية قد يشير إلى أن الحقائق قد بدأت تختلط مع مغالطات من قبل النظام اليمني لتضخيم شبح القاعدة داخل اليمن بشكل قد لا يطابق الواقع ولا يعكس حقيقة ما يحدث من أحداث سياسية داخل اليمن مما قد يعود بنتائج عكسية قد تدعم قوة القاعدة في اليمن بدلاً من القضاء عليها.

مطالبة لجنة حماية الصحفيين للحكومة اليمنية بمنح الصحفيين آدم بارون وتيد روك حق دخول اليمن وكتابة تقاريرهم الصحفية بحرية قد يكون إدانة عالمية أولية لقرارات الحكومة اليمنية غير المنطقية في معركتها الحالية مع القاعدة وهي تشكيك علني بأن الحكومة اليمنية تستخدم ورقة القاعدة لحماية مصالحها والحصول على دعم خارجي سواء كان سياسياً أو مالياً أو عسكرياً ولا تستهدف القضاء على الإرهاب بالدرجة الأولى.

آدم بارون أحد الصحفيين المرحلين من اليمن كان قد أشار في مقالة لهقبل عام أنه “غالباً ما يتم الربط بين أية اضطرابات في جنوب اليمن بشكل فوري بتنظيم القاعدة وهذا لا يخلو من أسباب حيث أن مقاتلي القاعدة منتشرون في مدن جنوبية لكن القلق الحاصل بالنسبة للوضع الحالي في الجنوب ليس له علاقة واضحة بالقاعدة”. مما قد يوحي بأن الحكومة اليمنية تستخدم السرد الخاص بالقاعدة للتغطية على أحداث سياسية أخرى في اليمن ليس لها علاقة بالقاعدة مثل مطالبة الجنوبيين بالانفصال أو المواجهات مع الحوثيين في الشمال أو تجاوز فشل تطبيق قرارات مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم في يناير من هذا العام.

بل إن البعض يرى أن الحكومة الأمريكية تدعم توجه الحكومة اليمنية في هذا الصدد فوفق تحليل لرؤية أمريكية لموقف الحكومة الأمريكية أشارت كريكتال تريت أن “مطالبات الانفصال في الجنوب والمواجهات العسكرية بين الحوثيين والنظام في الشمال قد تعرض استراتيجية الحكومة الأمريكية للقضاء على الإرهاب في اليمن للخطر”.

وهذا التحليل للموقف الأمريكي لما هو حاصل في اليمن قد يبدو تحليلاً سطحياً ولا يعكس رؤية واضحة وصادقة للصورة المعقدة والمتشابكة للواقع السياسي اليمني الحالي بل يؤكد أن الولايات المتحدة تضع مصالحها بالدرجة الأولى ومصالح الشعب اليمني في الدرجات الدنيا وقد يكون ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر قد لعب دوراً رئيسياً في خلط الأوراق وضياع الحقائق وهو ما منح النظام اليمني السابق أو الحالي الضوء الأخضر دولياً لاستخدام ورقة القاعدة بشكل سلبي.

إذا كان ما تفعله الحكومة اليمنية داخل اليمن هو القضاء على الإرهاب من أجل تصفية عناصر القاعدة فإن وسائلها المستخدمة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً قد لا تحظى بإجماع المراقبين الدوليين على شرعيتها وانسجامها مع حماية حقوق الانسان بل أنها قد تضعف من موقف الحكومة اليمنية وتثير الشكوك في حجم وحدود معركتها مع القاعدة.

ليس كل الجنوب قاعدة. وليس جميع عناصر القاعدة جنوبيين. ولكن التواجد العسكري الواسع للجيش اليمني في المحافظات الجنوبية سواء جهاز الأمن القومي أو قوات الاحتياطي التي تتبع رئيس الدولة أو الدفاع الجوي اليمني أو التعزيزات العسكرية من الحكومة الامريكية وقبائل محلية داخل محافظتي أبين وشبوة قد يوصل رسائل خاطئة للرأي العام العربي والعالمي بأن الجنوب هو مرتع القاعدة وأن كل ما يحدث في الجنوب من حراك سياسي أو شعبي هو امتداد لفوران بركان القاعدة.

التاريخ السياسي للجنوب ما قبل الوحدة اليمنية يشير بأن الحزب الاشتراكي في الجنوب كان العدو اللدود للقاعدة وهذا ما عكسته مواقف القاعدة خلال التسعينيات من القرن الماضي بل أن المشروع الجهادي ضد الاشتراكي كان أحدث حركة جهادية تبنتها القاعدة في اليمن الجنوبي قبل الوحدة واستمر إلى ما بعد قيام الوحدة حيث أمر أسامة بن لادن أتباعه في اليمن بالدخول في معركة ضد الاشتراكي وإلى جانب جيش اليمن الشمالي للإطاحة “بالشيوعية”. كما أن دخول القاعدة في هذه المواجهة العسكرية بين الشطر الجنوبي والشطر الشمالي في حرب 1994 قد يثير العديد من الشكوك حول وجود تحالفات سياسية خفية ما بين قاعدة اليمن وعناصر من النظام السياسي آنذاك لتحقيق مصالح ومطامع سياسية لكلا الجانبين وهو ما ينعكس بشكل سلبي على مصداقية السلطة السابقة ودورها المعلن سياسيا حول محاربة القاعدة كما قد تمتد هذه الشكوك لتشمل عناصر وقيادات سياسية فاعلة في النظام السياسي الحالي داخل اليمن.

والحراك الجنوبي أبرز فصائل الحراك السياسي الحالي في المحافظات الجنوبية حالياً يزعم أنه يتبنى نهجاً سياسياً معتدلاً وسلمياً يهدف بشكل أساسي استرجاع دولة الجنوب. ولعل مطالبات المتقاعدين العسكريين الجنوبيين للحصول على حقوقهم بشكل مماثل لنظرائهم في المحافظات الشمالية في 2007 كانت الشرارة الأولى في العمل نحو تحقيق هذا الهدف.

هناك مخاوف من أن الحكومة اليمنية تستمر في مواجهة القاعدة لا كحقيقة وفق حدودها وحجمها الحقيقي في الواقع اليمني ولكن كرواية تمزج ما بين الواقع والخيال لتبرير اكتساح المحافظات الجنوبية عسكرياً وقتل مواطنين ابرياء. قد يحقق هذا نتائج محدودة للنظام اليمني على المدى القصير في معركته ضد القاعدة، لكن على المدى الطويل فهو يسيئ للمواجهة مع القاعدة بل قد يوفر وقوداً لها لتزداد اشتعالاً. فالنظام يفترض أحداثا وهمية وضحايا وهميين في ظل أجندة سياسية بالية لم تحقق الهدف المنشود في القضاء على القاعدة منذ ابتدأ النظام اليمني معركته معها في نهاية القرن العشرين. لقد آن الأوان لتغيير هذه الأجندات المهترئة وتصحيح السياسات الخاطئة لتكسب اليمن معركتها مع القاعدة.

مترجماً عن غلف نيوز الجمعة 20 يونيو 2014