هيفاء المعشي
هيفاء المعشي
مديرة إدارة الدراسات الجيوسياسية في مركز "بحوث" - دبي

اللاعنف في الإسلام في مواجهة عنف داعش!

آراء

في مقالاته المعنونة “الهند الفتية” التي كتبها ما بين 1924-1926، يقول المهاتما غاندي: “أصبحت مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى أنه ليس السيف الذي أعطى الإسلام مكانة هذه الأيام في هذه الحياة ولكنها البساطة الخالصة ومحو الذات للنبي (ص) والتزامه بتعهداته والتفاني الشديد لأتباعه وأصدقائه”.

رغم هذه الشهادة، لا تزال مقولة “الإسلام انتشر بحد السيف” تُطرح في الأوساط الغربية بل تصاعد استخدامها في الفترة الأخيرة في توصيف الإسلام كدين يجنح لاستخدام العنف أكثر من جنوحه نحو السلام والتسامح خصوصا مع ارتفاع حصيلة ضحايا “داعش” ونظرائها من التنظيمات الإرهابية الأخرى.

انطلاقاً من فكرة الجهاد الذي تضمنته العقيدة الإسلامية كفرض عين على كل مسلم لحماية الدعوة الإسلامية ونشرها بالنفس والمال والكلمة، كثر الجدل ما بين فقهاء المسلمين حول دواعي استخدامه وأساليب الاستخدام والتوقيت المناسب له. وهذا الجدل لم يبرز حديثا بل هو مستمر منذ عقود طويلة بين من يرى أن الجهاد حالة دفاعية ومن يرى أنه يستخدم في حالتين للدفاع والهجوم من أجل نشر الدعوة الإسلامية ومن يرى أنه لا يستخدم إلا في مواجهة المشركين. وآخرون يرون أنه قد يشمل مواجهة المشركين وغير المشركين من اليهود والنصارى إذا لم يدفعوا الجزية ويلتزموا بعهودهم للمسلمين. كما يرى البعض أن الجهاد يلي مرحلة الدعوة التي ترتكن إلى الجوانب النظرية للوصول إلى مرحلة العمل والحركة. وهذا الجدل قد يبرز حتى في نطاق الجماعة الإسلامية الواحدة ولعل أوضح مثال على ذلك نلمحه في فكر جماعة الإخوان المسلمين ما بين مؤسس الجماعة حسن البنا الذي أكد أن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع وسيد قطب الذي أكد أن الجهاد يعني إزالة الطواغيت كلها عن الأرض وتعبيد الناس لله وحده. وإذا كان البنا يرى في المسيحيين واليهود أهل ذمة ولا يعدهم أعداء ويعتقد أن بالإمكان فتح أبواب المصالحة معهم، فإن قطب يراهم مشركين ونفس التوجه قد نلمحه في العقائد الدينية للشيعة باختلاف مذاهبهم في اعتبار اليهود والمسيحين مشركين وأعداء للمسلمين ولابد من محاربتهم.

ولا تعد ردود فعل العالم غير الإسلامي  في التحول من الهجوم على “داعش” إلى الهجوم على الإسلام باعثة على الاستغراب أو الاستهجان سواء هجومهم على الإسلام كعقيدة دينية أو كمنهج دنيوي سياسي واقتصادي واجتماعي لكون العالم الإسلامي نفسه غارق حتى أذنيه في انقسامات حادة حول أمور عديدة تتعلق بالإسلام وتصب في ذات المجرى سواء ما يتعلق بالجهاد، الخلافة، تطبيق الشريعة، العلاقة مع اليهود والنصارى أو خلاف ذلك. والبعض قد يرى أن هذه الانقسامات مبعثها السياسة وليس الدين.

التاريخ علمَنا أنه لا توجد قارة أو دولة لم تتعرض خلال حقبة أو فترة زمنية من تاريخها لحروب انطلقت بإسم الدين، وإن اختلفت أهداف الحرب الدينية من دولة لأخرى ومن جماعة سياسية لأخرى. ولكن الدين ظل يُستخدم كأداة سياسية في حروب مختلفة لتحقيق مطامع سياسية وغير سياسية. ولعل الباحث كريستوفر تيرمان طرح من خلال كتابه “الحرب باسم الدين” بعض الأفكار التي قد نطبقها على الفترة الحالية حول انتشار التعصب الديني حتى في نطاق المسيحية، مما يعني أن التعصب والعنف لا يطلقه الدين الإسلامي كعقيدة وفكر ومنهج حياتي وانما تطلقه جماعات وأشخاص تحيط نفسها بالنسيج الإسلامي مثل تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها وتستغل الدين لتحقيق مآرب أخرى. كما أن الحروب الصليبية أثبتت وجود مسيحية متشددة تعكس العداء بين العالمين المسيحي والإسلامي.

والخطر يكمن في تحوير مواجهة الغرب مع “داعش” إلى حرب دينية ضد الإسلام. ليس فقط على مستوى الحكومات والقيادات السياسية والعسكرية ولكن على مستوى الشعوب وهذا ما يثير القلق. والتحوير قد لا يكون فقط من قبل الغرب كما حصل في المواجهة الأولى مع الجماعات الإسلامية المتشددة التي قادت الرئيس الأمريكي بوش إلى إعلان الحرب على القاعدة في أفغانستان والعراق عندما وصف بوش حربه مع القاعدة بالحرب الصليبية فأثار غيرة المسيحيين وأحيا عدائهم للإسلام وحصد كره المسلمين، بل أيضاً تحوير هذه المواجهة قد يبرز من قبل المسلمين أنفسهم وهذا ما تجلى واضحا في ما أسماه أحد قيادات الإخوان المسلمين وجدي غنيم عشية مغادرته قطر إلى تركيا بالبيان الهام الذي أعلن فيه “لا للحرب الصليبية ضد الدولة الإسلامية” منبهاً المسلمين من التحالف مع غير المسلمين.

إن المعضلة في المواجهة المحتملة بين الغرب و”داعش”، تكمن في استخدام الدين سلاحاً في المواجهة. حيث أن “داعش” يعلن الجهاد بإسم الإسلام تحت مزاعم تحرير الدول العربية من أعداء الإسلام ومحاسبة كل من لا ينضوي تحت لوائه سواء مسلمين أو غير مسلمين. ومنح “داعش” هذه الصفة المزيفة حتى وإن كانت بغرض تمييزه عن الإسلام السوي والصحيح قد تدفع العديدين من المسلمين سواء أفراد أو تنظيمات داخل الدول العربية وخارجها للتعاطف معه من منطلق النزعة الدينية الخالصة وليس من منطلق الإيمان بأهداف “داعش” وبتوجهاته السياسية.

من المهم عدم الوقوع في هذا الفخ العويص حتى لا نحول “داعش” إلى ضحية مما قد يوسع من قاعدة دعمها في العالم الإسلامي ولا يساهم في إخماد قوتها على المدى الطويل.

العنف وإن كان يعني إبادة جماعية أو إعدام بغير حق او سفك دماء أبرياء أو نشر الفساد أو نشر الفوضى والإخلال بالأمن او تدمير الحضارات فإنه بعيد عن أهداف الدعوة الإسلامية. فالإسلام عند انطلاقه كان يحض على صور اللاعنف وفي بدايات انطلاق الدعوة كانت الهجرة إلى الحبشة ابتعاداً عن العنف والهجرة إلى المدينة دعوة للبدء في حياة جديدة وآمنة للمسلمين. وما تدعو إليه داعش لا يتضمن وعوداً بحياة جديدة آمنة حتى وإن كانت غايتهم ذلك كما يزعمون، فالطريقة والوسائل المستخدمة خاطئة ولا تقود لتحقيق هذه الغاية ولكن الخلط في الأوراق قد يقود لنتائج كارثية.

نشر صور إعدام الصحفيين الأمريكيين جميس فولي وستيقن سوتولوف وعامل الإغاثة البريطاني ديفيد هاينز قد تكون المحرك الأساسي في إثارة الرأي العام الغربي وتأسيس الجبهة الغربية الموحدة في سرعة قياسية حيث أن خطوات هذا التوجه كانت متباطئة ومفككة قبل ذلك بالرغم من وقوع آلاف الضحايا داخل سوريا والعراق واحتلال داعش لأراضي سورية وعراقية وصولا إلى جبل سنجار. فصور المشاهد الشنيعة ربطت بشكل تلقائي ما بين رجال يدعون الإسلام وضحايا مسيحيين لا يحملون سلاحا وهذا الربط هو ما قد يقحم النزعة الدينية في المشهد السياسي ما بين داعش والغرب ويدفع البعض على مستوى القيادات السياسية الغربية أو على المستويات الإعلامية والشعبية في الغرب لإلصاق تهمة العنف بالإسلام والمسلمين وتحويل الصراع من صراع سياسي بين داعش وأعدائها إلى صراع ديني بين الغرب والإسلام مما قد يساهم في إكساب داعش مؤيدين في العالم الإسلامي بدلا من أن يحصد لهم الأعداء.  

الانشقاقات التي حدثت مؤخرا في التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة، وإعلان بعضها الانضمام لداعش واعتماد نفس الآليات العنيفة،  تشير إلى أن داعش قد بدأت بالفعل في كسب بعض المؤيدين لاستراتيجية العنف التي تنتهجها.

مترجماً عن غلف نيوز – الأحد 28 سبتمبر 2014