هيفاء المعشي
هيفاء المعشي
مديرة إدارة الدراسات الجيوسياسية في مركز "بحوث" - دبي

اليمن تدمرها طائفية زائفة

آراء

أمام حشد جماهيري كبير من قبائل حضرموت ألقى الشيخ صالح الشرفي ممثل علماء ومشايخ حضرموت خطبة خلال مهرجان إعلان اتحاد قبائل نوح وسيبان الحضرمية ليؤكد على مناصرة أهل السنة والجماعة ومواجهة الحوثيين “الرافضة” كما وصفهم. مما دفع البعض لتصنيفه ضمن تيار السلفية الجهادية والتشكيك في انتماءاته السياسية على الرغم من تأكيد الشيخ على محاربة العناصر الإرهابية ومن ضمنها “القاعدة”.

وقد اعتاد الشرفي مثل بقية مشايخ حضرموت ان يلقي مثل هذه الخطب وتحديداً خطب الجمعة في جامع الشهداء ومسجد عمر في مدينة المكلا الساحلية كما أن خطبته لم تكن هي الخطبة الوحيدة في المهرجان ولكنها كانت الخطبة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي ومنافذ إعلامية عديدة داخل اليمن وفي دول الخليج لتعكس موقفاً عاماً غير رسمياً بأن النزاع في اليمن هو نزاع طائفي بين سنة وشيعة.

على الرغم من أن الحوثيين قد تجنبوا استخدام المصطلحات الطائفية قبل دخول صنعاء تحت وهم أنهم يمثلون الشعب اليمني بمجمله سواء المنتمين للمذهب الشافعي أو المنتمين للمذهب الزيدي، إلا أن القناع سقط عن الجماعة وأظهر حقائق أخرى بعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة وتحرك قواتهم نحو الأقاليم الجنوبية والشمالية. وتم استبدال شعار “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” بشعار جديد هو “الموت للتكفيريين والدواعش” !

حاول الحوثيون وحلفاؤهم تكريس قوتهم الإعلامية عبر منافذها المختلفة للربط ما بين المقاومة الشعبية في الجنوب أو الشمال وتنظيم القاعدة لمنحهم الضوء الأخضر دولياً للقضاء على المقاومة وكسب الأطراف الدولية إلى جانبهم. والتوجهات الأخيرة للحكومة الأمريكية داخل اليمن قد تعزز بشكل غير مباشر من موقف الحوثيين من خلال إصرارها على المضي قدماً في برنامج الطيران بدون طيار على الرغم من ضبابية المشهد السياسي في اليمن نتيجة للحرب الدائرة. وقد نجحت ضرباتها الأخيرة في قتل  أربعة عناصر من تنظيم القاعدة في القصر الرئاسي في المكلا وآخرين يماثلونهم في العدد تقريباً في مدينة المصينعة في شبوة بعد فترة قصيرة من نجاح المقاومة الشعبية في تحريرها من القوات الحوثية.

إن الاستمرار في هجمات الطائرة بدون طيار قد يقلل من أخطار القاعدة في اليمن ويحد من عملياتها في الخارج ولكنه بالتأكيد لن ينهي تواجدها في اليمن. كما أن نجاح الحوثيين في السيطرة على المحافظات الجنوبية لا يعني إلغاء تواجد القاعدة وأنصار الشريعة داخل اليمن.

الدخول المفاجئ لأنصار الشريعة في مدينة المكلا بصحبة صواريخ الكاتيوشا ومدافع الهاون وانسحاب قيادة المنطقة العسكرية الثانية تحت قيادة عبد الكريم صبري وقائد لواء 27 المكلا يؤكد بأن توقف نشاط القاعدة أو إخمادها لا يتوقف على الأمريكان او الحوثيين. فهي كتنظيم إرهابي تُستغل وتحديداً عبر أفرعها المختلفة من قبل موالين للرئيس السابق علي صالح ومن قبل جماعات سياسية متنفذة داخل اليمن لحماية مصالحهم السياسية في الجنوب.

“الوحدة لا تعني محاربة أهل السنة والجماعة” هذا ما صرح به بعض الخطباء في المكلا وهي بمثابة رسالة تحذير وتنبيه من علماء حضرموت بأن هناك توجه لمحاربة السنة داخل اليمن وتأكيد على أن الصراع الدائر هو صراع طائفي.

إلا أن المقاومة الشعبية داخل عدن والتي تضم رموزا من الحراك الجنوبي وشباب مدنيين وقادة عسكريين جنوبيين سابقين وقادة آخرين موالين للشرعية لا تحارب من منطلق ديني وانما من منطلقات سياسية ترتكز على منع الحوثي من السيطرة على عدن ونفس الأمر ينطبق على المقاومة في الشمال بينما أعدائهم من القادة الحوثيين وحلفائهم ينطلقون في حربهم الإعلامية والعسكرية من منطلقات طائفية للتأكيد أنهم أتوا ليحاربوا التكفيريين والدواعش. وهي مفارقة غريبة لا تقوم على منطق عقلاني.

وهذا قد يدفع إلى استبعاد صفة الطائفية عن الحرب في اليمن واعتبارها حرب سياسية تتمحور حول أهداف سياسية والطائفية ما هي إلا أحد العوامل المغذية لهذا النزاع.

هذه التناقضات الغريبة بين الأطراف المختلفة المتنازعة داخل اليمن حتى بالنسبة لمن يحاربون من داخل خندق واحد تزيد من تعقيد الأزمة في اليمن لعدم وضوح معالمها مما يزيد من صعوبة تشخيصها ووضع الحل المناسب لها.

ما يجري الآن في حضرموت من انقسامات في القوة على الأرض ما بين أطراف مختلفة داخل المكلا بدءا من القاعدة إلى المجلس الأهلي إلى السلطة المحلية إلى القوة العسكرية الداعمة للشرعية قد تشير بأن قاعدة المكلا المزعومة تحت قيادة خالد باطرفي لا تملك اليد الطولى في تحريك الأمور داخل حضرموت وليس من المتوقع أن تملكها في المستقبل القريب.

إن تحركات التنظيمات الإرهابية في اليمن قد يطرح أكثر من علامة استفهام حول أعداد تلك التنظيمات وحدود انتشارها ودورها الحالي في المواجهات العسكرية الدائرة داخل اليمن، وخصوصاًفيتغذية وتعزيز العاملالطائفي.

فمحاولات تنظيم الدولة الإسلامية غير الناجحة من خلال فيديوهات مصورة مشكوك فيها وإعلانات غامضة بالولاء للبغدادي على مواقع تويتر هي خطط موجهة لـلتأكيد على امتداد داعش للأراضي اليمنية لجذب زخم جماهيري من الشباب المسلم المستهدف خصوصاً في استغلال عنصر المواجهات في اليمن والتركيز على دور داعش في محاربة الشيعة. وخبر إعلان التنظيم مسؤوليته عن ذبح مجموعة من الجنود اليمنيين المنتمين للحوثيين في شبوة في نهاية ابريل 2015 قد يعكس صحة هذا التفسير.

تنظيم الدولة الإسلامية كهيكل تنظيمي وآلية تنفيذية عسكرية وقاعدة إعلامية غير قائم في اليمن ولكن ذلك لا ينفي احتمالات وجود أفراد أو جماعات مصغرة تدين بالولاء لداعش منتشرة في أنحاء متفرقة من اليمن وإن كانت لا تشكل أساساً مستقبلياً لانتشار التنظيم وبروزه كقوة إرهابية منافسة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. لذا من الصعب على التنظيم أن يؤسس استراتيجية “للبقاء والتوسع” داخل اليمن وهي الاستراتيجية التي ترى الباحثة وضابط المخابرات الأميركية السابقة جيسيكا لويس ماكفيت([1]) أن داعش يتبناها وخصوصاً في سياسته الحالية في العراق.

توعد قاسم الريمي في أبين ونبيل الذهب في رداع والاثنين ينتميان لتنظيم ما يسمى بأنصار الشريعة التابع للقاعدة، قبل فترة بشن هجمات ضد الحوثيين قد يشير لوجود عامل مشترك ما بين التنظيمات الجهادية المختلفة داخل اليمن للقضاء على الحوثيين باعتبارهم العدو الأساسي في الوقت الحالي ولكن المعضلة قد تبرز في محاولة البعض خلط الأوراق واستغلال هذا التوجه من الجهاديين لوضع المقاومة الشعبية في نفس الخندق مع الإرهابيين وهذا ما يفعله الحوثيون أنفسهم لتسهيل طريقهم نحو الجنوب واحتلاله بدعوى التخلص من الإرهابيين والدواعش.

إن إدارة الحوثيين لمعركتهم الحالية سواء في جنوب اليمن أو شماله قائمة على منطق ضعيف من خلال توصيفهم للمواطنين اليمنيين المعارضين لهم بالتكفيريين مما قد يدفع النزاع إلى مستويات غاية في الخطورة على المدى الطويل. وفي الجبهة المقابلة للحوثيين وحلفائهم هناك عناصر توجه الصراع من منطلقات طائفية.ومما يؤسف له أن هذا النهج السلبي بدأ ينتشر تدريجيا بين أبناء الشعب اليمني نفسه. إنإنهاء هذا التوجه المدمر في التعامل بين الطرفين سيساهم في القضاء على التعصب في إطار هذا الصراع وقد يفتح الباب لإيجاد مخرج للصراع في اليمن كما يحث المتنازعين على التنازل لإيجاد أرضية مشتركة وحلول توفيقية في أية حوار سياسي محتمل في المستقبل القريب.

مترجما عن غلف نيوز 1 يونيو 2015

(1) انظر:  http://www.businessinsider.com/isis-is-a-state-breaker–heres-the-islamic-states-strategy-for-the-rest-of-2015-2015-5