حليمة مظفر
حليمة مظفر
كاتبة سعودية

المسرح السعودي.. مطلوب حيا

آراء

يقول الأديب والمسرحي المعروف جورج برنارد شو: “النوم ضرب من النقد، خاصة في المسرح”، هذا يعني أن نوم الجمهور وهو يشاهد مسرحية، يقدم أهم رسائله النقدية تجاه ما شاهد، كذلك الحال حين يصمت النقد عما يقدمه المسرح السعودي، على الأقل هذا ما أفعله كمتخصصة فيه، فهل ما يُقدم على الساحة من فن درامي ومسرحي سعودي يستحق الوقوف النقدي عنده، إذ الأعمال لا تخرج غالبا عن فئتين، الأولى التجريب وفي معظمه “تقليد” أو “خلط بين المدارس الدرامية” !! وهذه الفئة تحسب التجريب مجرد تقديم خلطة رمزية “خلطبيطة” والسلام، ولا يُستثنى من ذلك إلا أقل القليل من المسرحيين السعوديين.

أما الفئة الثانية، فهم من يقومون بممارسة “الخبل المسرحي” ويقدمه بعض المنتجين فيما يعرضونه من مسرحيات خلال فترات الأعياد، خاصة المسرح النسائي، فلا نص ولا فكرة ولا مضمون ولا هندسة للوعي! فقط “تهريج” يستغل تعطش الناس إلى شيء في حياتهم هو “المسرح”. والمؤسف أننا نرى بعض النجوم من الفن الخليجي والعربي يقدمون أعمالا على مسرحنا مقابل المادة، ويتبجحون بأنهم يفعلون ذلك لتأسيس المسرح السعودي، ولهؤلاء أقول “المسرح السعودي في غنى عنكم”، لأن ما يقدمونه لا يختلف عما يقدمه المهرجون في السيرك، فهؤلاء النجوم أنفسهم يرفضون رفضا شديدا أن يقدموا الأعمال التي ينفذونها على مسرحنا في بلادهم، لأنها متواضعة، فهل الجمهور السعودي يستحق هكذا بضاعة رخيصة هي لا تعمل على هندسة الوعي؟!.

نعم، المجتمع متعطش للمسرح وللسينما، لأنه كبقية المجتمعات الإنسانية يريد أن يعيش روافد الحضارة المعاصرة، والناس يرغبون ذلك بشدة، والدليل ما ينفقونه على أسفارهم للخارج من مبالغ طائلة، كي تستمتع الأسرة السعودية بمشاهدة مسرحية وبدخول السينما، لكن في ظلّ هذه الرغبة الاجتماعية الملحة لا يعني أن يتم استغلالها بتقديم الساذج والغبي والمستهلك من بضاعة فاشلة على المسرح، لأن المطلوب هو أن يُولد المسرح السعودي حيّا.. لا ميتا، ولدينا كل الإمكانات لذلك، لكننا نفتقد الرغبة والإخلاص لها، فلماذا لا نتوجه إلى صناعة المسرح احترافا، وتسمح وزارة التعليم العالي في ظل عدم وجود أكاديميات أو أقسام جامعية متخصصة بالابتعاث والدراسة في الخارج لمن لديهم هذه الرغبة، وبالتالي نقوم بصناعة الكاتب والمخرج والممثل المسرحي المحترف!! ليس هذا فقط، بل إدارة ذلك من قبل وزارة الثقافة والإعلام وتخصيص ميزانيات تهتم فعلا بصناعة المسرحيات، ولكن بشرط أن يُوكل أمرها إلى أهل المعرفة والتخصص وليس إلى مجرد موظفين لا يعرفون ماذا يعني مسرح ولا كيف يُصنع، وإلا سيصدق المثل القائل “تي تي تي تي.. زي ما رحتي زي ما جيتي”!

باختصار، المسرح من أهم الوسائل الإعلامية والإنسانية التي تعمل على هندسة الوعي بما تحتاجه النهضة لاستشراف المستقبل وتغيير الواقع إلى نهضة حقيقية، كونه قادرا على كشف العلاقة بين الفرد والمجتمع، ولكن ماذا أقول “قاتل الله الجهل”، فهو ألد أعداء الفن.

المصدر: الوطن أون لاين