إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

تسجنون الوزير.. ما هذا التهور؟!

آراء

“أورد جوال منطقة الرياض الخبر التالي: السجن ثلاثة أعوام لوزير التجارة العماني السابق بتهمة الفساد”
ليتك عزيزي القارئ رأيت حالتي أثناء قراءتي هذا الخبر.. حواجبي ارتفعت إلى أعلى نقطة في جبهتي، ثم وضعت يدي على عقالي حتى لا يسقط.. تمكنت من ضبـط نفسي، ثم واصلت إعادة قراءة الخبر مندهشا.

كيف يحدث هذا في منطقتنا؟!

وكيف تمس الذات العالية لمعالي الوزير؟!

ما هذا التهور يا عمان؟!

ما الذي سيبقى لهذا الوزير من قيمة بعد سجنه؟

أين الحصانة.. والمصانة.. والرصانة التي تعطى عندنا للوزير، وتبقى كحق مكتسب لا يزول حتى لو زال المنصب؟
أجل.. مازلت أعرف رجالا أكل عليهم دهر التقاعد وشرب، ومازالوا يتمسكون باللقب، حتى ولو كانت فترة صاحب المعالي الوزارية من أقل الفترات إنتاجا وأكثرها تعاليا.

وعليه، فإن سجن وزير التجارة العماني السابق ثلاث سنوات بتهمة الفساد، سابقة خطيرة تدنس قداسة المنصب وعلو المرتبة والمقام، بل إن هذا الإجراء سيجر إلى ويلات لا أول لها ولا آخر، فمن ذلك أن الأداء الحكومي من بعد هذا القرار سيضعف؛ بسبب الحذر والارتباك الذي سيصيب بقية أصحاب المعالي من الوزراء، مما يعطل عجلة التنمية والسؤال الكبير الذي يبطح نفسه: كيف سيبدعون في بيئة “مقيّده” وعيون مفتحة؟ ورقابة حازمة؟ وعقوبة جازمة؟ كيف بالله عليكم سينتجون في بيئة عمل ليست مطمئنة؟

كان عليكم التأني وتقديم حسن النية.. والستر على أخوكم العالي، والتحري عمن غرر به، وإن وجد هذا المغرر فهو الأولى بهذا العقاب والسجن؛ لأنه غرر بمعالي الوزير من حيث لا يحتسب، ثم عليكم بالتدقيق الرقيق والتحقيق الوثيق، ثم مراجعة النتائج، ثم مساءلة الشهود، وإن بدا لكم ما قد يثبت أن يده “الكريمة” قد امتدت واختلست أو ارتشت، أو طففت في الكيل، أو قبضت عمولة محرزة، أو زورت صكوكا أو حررت أرضا، فإن الأمر ـ وهو من سعة ـ يقتضي مناصحة هذا المسكين الذي سولت له نفسه الأمارة بالسوء أن يعلم ويدرك ويوقن بأن ما صنعه، وما أقدم عليه من اختلاس إنما هو من عمل الشيطان، وعليه بالتالي أن يتعوذ منه، وأن يستغفر، وأن يتعهد بألا يصاحب رفقاء السوء بما فيهم نفسه التي كانت “تأمره بالسوء”، وعليه أن يسجنها في زنزانة التعذيب النفسي وتأنيب الضمير، وأن يحتجزها في قفص النفس اللوامة، ونظن أن كل هذه الإجراءات كفيلة بأن تردعه من أن يعود إلى السرقة، أو أن يقترف الاختلاس مرة أخرى، وسنضمن هكذا أن يكتفي بما أخذ، وألا يعود مرة أخرى إلى مناكحة الفساد، فإن هذا الفعل لا ينجب إلا الخزي والعار.

وبالتالي، فإننا بهذه الطريقة نردع الوزير ونضمن بقاءه بعد التطهير الذاتي، ولا نخسر هذه الطاقات والقدرات البشرية لمجرد أن أحدهم اختلس مئة أو مئتي مليون أو حتى أكثر من ذلك.

ما الذي يضيرنا إذا تجرأ أحدهم في لحظة من موت الضمير واختلس مبلغا وقدره..؟! إنها وربي مجرد “فكة” في ظل مداخيلنا المليارية الفائضة بحمد الله.

وبصراحة لا تقبل المهادنة، أظن أنهم قد تهوروا في “عمان” عندما أقدموا على سجن الوزير السابق!

كان عليهم أن يبدؤوا بالتدريج مثلما تفعل “نزاهة” عندنا، إذ تبدأ بالمرحلة التمهيدية لصغار “الحرامية”، وهكذا فهي تشهر بالذين يسرقون بعض “المحايات أو أقلام الرصاص أو دفاتر أبو عشرين”.

قد تسألني لماذا؟ وأقول لك: إن “نزاهة” تعمدت بهذا الفعل إرسال الإشارات التحذيرية لكبار الفاسدين على منهج “إياك أعني واسمع يا هامور”، وهي رسالة واضحة جدا بأنكم أيها الفاسدون الكبار تحت السيطرة والأفضل أنكم تعقلون وإلا ترى “مهوب أحسن لكم”، وهذا الأسلوب هو من باب أن اللبيب “بالدشارة” يفهم!

قد يحتج عليّ أحدهم بأننا لم نتخذ هنا إجراء حازما تجاه كارثة جدة، وأقول لكل من يراوده هذا الظن السقيم، إن النية كانت عازمة على سجن “الأمطار” التي تسببت في تلك الكارثة لكنها للأسف ـ أقصد الأمطار ـ لم تعد مرة أخرى إلى جدة بنفس تلك الكمية الهدارة.

..”ويا ويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل”!

المصدر: الوطن أون لاين