سطام المقرن
سطام المقرن
خبير، قطاع الرقابة على الأداء الحكومي ومدرب في ديوان المراقبة العامة والأمانة العامة لدول الخليج والمجموعة العربية لأجهزة الرقابة العليا (آربوساي). - مدرب مشارك في الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وعضو في لجنة تطوير النظام المحاسبي في المملكة ، لدي العديد من البحوث والدراسات المنشورة في مجال المحاسبة والرقابة.

ثغرة خطيرة في الأنظمة واللوائح الحكومية!

آراء

يصف أحد الباحثين الأنظمة واللوائح في الجهات الحكومية بأن معظمها قديمة وتقليدية، ولم تخضع لتعديلات مهمة استجابة للمتغيرات التي طرأت على الوظيفة الحكومية، بالإضافة إلى إغراقها بالتفاصيل وعدم ترك مساحة أو مرونة للإبداع والتجديد.

كما ذكر الباحث نقطة مهمة وخطيرة تتعلق بالأنظمة واللوائح لم يتم الالتفات إليها ولم تأخذ حقها في النقاش والدراسة رغم أنها تتكرر في كثير من الدراسات والأبحاث والمؤلفات، وهي أن الأنظمة واللوائح تحمل بذورا تاريخية من نظم إدارية في بلاد أخرى ولم تستطع التخلص من تبعات هذا الإرث حتى مع ظهور “الحاجة العملية لوجود مرونة أكثر في مواجهة المستجدات”!.

قد اختلف مع زملائي الباحثين حول عدم مرونة الأنظمة وجمودها رغم وجاهة ومنطقية هذه النتيجة نظريا، ولكن في واقع بعض الجهات الحكومية، أستطيع القول بأن هناك مرونة كاملة للجهات الحكومية في تطبيق هذه الأنظمة، بل وبصلاحيات مطلقة دون أدنى مسؤولية؟!.

فالأنظمة واللوائح تتسم بالغموض وعدم الوضوح ولها تفسيرات متعددة متروكة لاجتهادات الموظفين كيفما شاءوا، وبالتالي فإن بعض المسؤولين يسخّرون هذه الأنظمة لخدمة أهدافهم الشخصية، وذلك من خلال الإدارة القانونية التي يركن إليها الرئيس البيروقراطي الذي يحرص كل الحرص على اختيار الأشخاص الذين يستطيعون وضع الأنظمة واللوائح في خدمة الرئيس!

في كل جهة حكومية إدارة قانونية تؤدي مهاماً متعددة تتمثل في دراسة المعاملات والتقارير وصياغة العقود والقرارات وإبداء وجهة النظر القانونية في القضايا التي يطلب منها دراستها، وهذه المهام في الغالب أعمال روتينية لا تتطلب مهارات ومؤهلات عالية متخصصة، حيث إن العمل في الإدارة لا يتطلب سوى الرجوع إلى المجلدات الضخمة للأنظمة واللوائح، والاستناد حرفيا إلى نصوصها وموادها، فتأخذها الإدارة القانونية على ظاهرها حتى وإن كانت مخالفة لتفسيرها الحقيقي.

وفي كثير من الأحيان تقوم الإدارة القانونية بتفسير النصوص واللوائح التفسير الذي يتلاءم مع توجه المسؤول وأهدافه، وهذا هو المرتكز الذي يجعل معالجة أية قضية ممكنة من الناحية القانونية، فإذا كانت الإجراءات والأعمال مخالفة للأنظمة واللوائح تحاول الإدارة تأطيرها قانونيا من خلال الديباجة والصياغة التي تعتمد على الفذلكة اللغوية الخادعة والمضللة، فتصبح تلك الأعمال المخالفة مشروعة ونظامية!.

وبناء على ما سبق، فإن الإدارات القانونية في بعض الجهات الحكومية تمارس جزءا كبيرا من الفساد الإداري من خلال جعل هذا الفساد نظاميا ومشروعا عن طريق تفسير الأنظمة وتحويرها على الأعمال والأنشطة المشبوهة، وهذا ما ينعكس سلبا على الموظفين التنفيذيين.

وكنتيجة طبيعية لتلك الممارسات، فإذا نزلنا من أعلى إلى أسفل السلم الإداري فإن الموظف التنفيذي المسؤول عن تطبيق الأنظمة واللوائح، أيضا يجتهد في تفسيرها حسب فهمه وحسب اجتهاده، فالتوجيه عادة لا يخرج عن هذه العبارة “اتخاذ اللازم نظاما”!، فالأمر متروك لقرار الموظف ورؤيته الشخصية، وفي هذا الصدد أوضحت دراسة ميدانية لأحد الدارسين لمرحلة الماجستير في “جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية” أن التعليمات والتعاميم الإدارية الخاصة بالأنظمة واللوائح التي ترد للموظف التنفيذي “لا تقرأ وإن قرئت لا تستوعب وهنا ننتهي إلى الوجه الآخر للموظف الصغير ودوره في التنفيذ، وهو هنا دور سلبي غير فاعل، والسبب الأهم هو عدم تأهيله وتدريبه ومتابعته”.

وأضيف إلى الدراسة السابقة أن الموظف الصغير يرى تلاعب وتحايل الموظف الكبير على الأنظمة والتعليمات وبطرق قانونية، فيتعلم تلك الحيل ويتخذ قرارات إدارية فاسدة إما للمحسوبية أو الواسطة أو لأهداف الموظف الشخصية، وعلى أثر ذلك قد تنتشر جرائم الرشوة والاختلاس والابتزاز وإساءة استعمال السلطة.

وتأسيسا على ما تقدم، فإن الثغرة الموجودة في الأنظمة واللوائح والتي أود لفت انتباه الباحثين والدارسين وكذلك المسؤولين والموظفين إليها، تتمثل في أن نصوص ومواد هذه الأنظمة لا تعرف أسبابها ولا أهدافها، ولا المشاكل التي تحاول معالجتها أو تنظيمها، فهل هي إشرافية ورقابية أم تنظيمية أم فنية أم وضعت لمعالجة مشاكل معينة في الإدارة الحكومية؟!.

الإشكالية التي طرحها أحد الباحثين والتي أشرت إليها آنفاً، والمتعلقة بوجود أثر لأنظمة أخرى في الأنظمة المحلية، فإن السؤال المطروح هنا: كيف يتم تصميم الأنظمة الإدارية في الجهات الحكومية؟ هل يتم استيرادها من بلاد أخرى كما هي وبالتالي عدم معرفة علاتها وأسبابها القانونية؟ وهل هذا هو السبب في عدم وضوحها واحتمالها لتفسيرات قانونية متعددة؟ من هذه الأسئلة تتضح الثغرة الخطيرة الموجودة في القانون الإداري بشكل عام.

في الغالب تقوم بعض الجهات الحكومية بوضع مشاريع الأنظمة من نفسها عن طريق المسؤولين، أو يقوم بعض الخبراء بتصميمها من خلال الاستعانة بالأنظمة وبعض التجارب الدولية، أو قيام بعض أعضاء مجلس الشورى بذلك، ويلاحظ هنا أن وضع الأنظمة يتم دون مرجعية تشريعية واضحة، بالإضافة إلى غياب واضح لمشاركة الموظفين والمواطنين وكذلك الباحثين والدارسين والهيئات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني في صياغتها.

وللأسف فإن بعض البيروقراطيين يتذرع بأن تصميم الأنظمة ووضع اللوائح عملية فنية تخصصية، تخصهم وحدهم ولا يحق لأحد آخر غيرهم التدخل فيها أو في قراراتهم الإدارية، بل لا يحق لأحد تفسيرها أو التطرق إليها!، وعليه يتفرّد بعض البيروقراطيين بوضع الأنظمة وتنفيذها دون وجود رقابة اجتماعية، أو حتى محاسبة أو مساءلة.

نتحدث كثيرا عن قدم الأنظمة واللوائح، ونطالب بأنظمة جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية وتستجيب للمستجدات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية، ونتحدث أيضاً عن أهمية الثقافة القانونية ومعرفة الأنظمة والحقوق والواجبات، ولكن البيروقراطية لنا بالمرصاد؟!.

وكأن لسان حال البيروقراطية يقول: “جددوا وبدلوا في الأنظمة واللوائح، فمهما تغيرت الأنظمة، فإن الإدارة القانونية موجودة، وهي مستعدة لتكييف الإجراءات والأعمال وفق الإطار القانوني الذي يريده المسؤول، وسوف تشهد وزارة الخدمة المدنية أيضا بالسلامة القانونية لتلك الإجراءات”!.

المصدر: الوطن أون لاين