سطام المقرن
سطام المقرن
خبير، قطاع الرقابة على الأداء الحكومي ومدرب في ديوان المراقبة العامة والأمانة العامة لدول الخليج والمجموعة العربية لأجهزة الرقابة العليا (آربوساي). - مدرب مشارك في الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وعضو في لجنة تطوير النظام المحاسبي في المملكة ، لدي العديد من البحوث والدراسات المنشورة في مجال المحاسبة والرقابة.

مشاريع من تحت الطاولة!

آراء

أسباب تعثر المشاريع متعددة الألوان مختلفة الأشكال، وليس من السهل فصلها أو تقسيمها إلى مجالات حتى يصنف سبب معين أن يقع في هذا المجال أو ذاك، نظرا لارتباط بعضها ببواعث البعض الآخر نفسها، وكذلك لتعدد الزوايا التي ينظر منها إلى تلك المجالات.

اختلاف وتفاوت أسباب تعثر المشاريع تختلف باختلاف الجهات الحكومية، فالتعثر الذي يحدث في مشاريع “الصحة” يختلف في شكله عن ذلك التعثر الذي يحدث في المشاريع التعليمية والجامعية، ومع ذلك هناك شبه إجماع على أسباب معينة طرحت في أكثر من ندوة أو مؤتمر.

هذه الأسباب تتمحور حول “غياب التخطيط، وعدم وضوح الرؤية أثناء مرحلة الدراسة والتصميم، وعدم الاعتناء بإعداد وثائق المشروع قبل طرحها للمنافسة، وضعف كفاءة جهاز الإشراف الفني التابع للجهة الحكومية، إلى جانب ضعف الإمكانات المادية والفنية لبعض المقاولين، والتوسع في التعاقد مع مقاولين من الباطن دون موافقة الجهة مالكة المشروع، وعدم تطبيق الأجهزة الحكومية نظام سحب المشروع من المقاول”.

إضافة إلى الأسباب السابقة، تطرق بعض الباحثين إلى سبب آخر وهو “الفساد الذي قد يصاحب المشروع من ألفه إلى يائه”، وهذا السبب تم اختزاله في مظهر واحد فقط من مظاهر الفساد، والمتمثل في التواطؤ بين المكاتب الاستشارية الهندسية المشرفة على المشاريع والمقاولين.

بينما هناك مظاهر أخرى للفساد في المشاريع لم تأخذ حقها من الدراسة والمناقشة الكافية، ومن أخطرها أخذ العمولات المقدمة للمسؤولين الذين بأيديهم توقيع العقود نيابة عن الجهات الحكومية التي يمثلونها، وتخولهم مناصبهم الوظيفية التوقيع نيابة عنها للصفقات وعقود الإنشاءات والمقاولات أو التوريد، وذلك بأخذ نسبة مئوية أو غيرها من قيمة الصفقة أو العقد.

فكلما كانت قيمة المشاريع أعلى كانت العمولة أعلى، فتدفع أعلى المبالغ وأبهظها أضعافا مضاعفة لمشاريع تكلفتها عالية لارتفاع أرقام عمولاتها، وقد تكون هذه المشاريع وهمية لا تنفذ على أرض الواقع، أو يكون حجمها وتكلفتها الفعلية أقل مما قدم في المستندات الرسمية.

وبالطبع فإن أخذ العمولات يحتاج إلى فريق عمل يعملون كوسطاء بين المسؤول وبين المقاولين المنفذين للمشاريع، ما قبل الترسية وبعدها، وعند متابعة التنفيذ، ومن مهام هذا الفريق غض البصر عن الغش والتزوير أثناء تقديم العطاءات للمنافسة، وتجاهل سوء التنفيذ، وإجازة العيوب وضعف الجودة.

يتحدث الباحثون ومعهم الأجهزة الرقابية عن غياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية أثناء مرحلة الدراسة والتصميم قبل طلب اعتماد المشروع وإدراجه في الموازنة، ولكن لا أحد يبحث عن سبب إنشاء المشروع من أساسه، والجدوى الاقتصادية له وعن كيفية تقدير تكاليفه، فقد تتذرع بعض الجهات الحكومية على سبيل المثال بالحاجة الملحة للمشروع وسرعة التنفيذ لأسباب معينة، مثل تهالك البنية التحتية ووجود مخاطر تهدد الأرواح وسلامة الناس، فيتم التغاضي عن شروط الجودة، وعدم الالتزام بشروط العقد، فيتم التلاعب، وتكثر ظاهرة العمولات والامتيازات.

يتحدث الباحثون عن سوء التخطيط للمشاريع ويقولون إن ذلك يؤدي إلى إحداث تغيرات وتعديلات وإضافات عند التنفيذ، وبالتالي زيادة أوامر التغيير، التي حتما ستؤدي إلى زيادة تكاليف المشروع وبالتالي زيادة العمولات!

هل لاحظ الباحثون وكذلك الأجهزة الرقابية، أن من يقوم بإعداد الشروط والمواصفات هو أحد الموظفين بالجهة ويكون في نفس الوقت عضوا في لجنة التحليل الفني، وكذلك عضوا في لجنة فحص العروض؟، وهل لاحظوا أيضا أن لجان فحص العروض لا تتأكد في الغالب من صحة المستندات التي تقدمها الشركات والمؤسسات؟

تشتكي بعض الجهات الحكومية من وجود شركات مقاولات وهمية تتسبب في تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية، وتقول عنها إنها “تتحايل في رفع تصنيفها بشكل غير حقيقي ويفوق إمكاناتها لتدخل في منافسات كبيرة، وبعرض أسعار متدنية لا تتناسب مع واقع التكلفة للفوز بالمشاريع والاستفادة منها في الحصول على تأشيرات تتاجر فيها”!

وهنا أتساءل: لماذا لم يتم إبلاغ وزارة المالية بتحايل وتلاعب هذه الشركات، لاتخاذ اللازم ومنع التعامل معها؟ وذلك حسب نص المادة 77 من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، التي تنص: “على الوزارات والمصالح الحكومية والأجهزة ذات الشخصية المعنوية المستقلة إبلاغ وزارة المالية بحالات الغش والتحايل والتلاعب فور اكتشافها، وكذلك تزويدها بالقرارات التي تتخذ في هذا الخصوص، بما في ذلك قرارات سحب العمل”.

من المضحك المبكي، أن نجد بعض الجهات الحكومية تقوم بسحب بعض المشاريع بسبب تعثر أو تأخر المقاول في التنفيذ، وترسيتها على مقاول آخر بمبلغ يفوق مبلغ العقد الأصلي، ليتعثر هذا المقاول أيضا في التنفيذ! كما لا يتم تزويد وزارة المالية بقرارات سحب العمل!

يتحدث الباحثون والمراقبون أيضا عن ضعف لجان التسليم الابتدائي والنهائي للمشاريع، والمتمثل في جهل بعض أعضاء اللجنة بالنواحي الفنية، وعدم استطاعتهم كشف الأخطاء والعيوب الهندسية في التنفيذ، ولكن ماذا لو كان أعضاء اللجنة في الحقيقة مجبرون على الاستلام، أو وسطاء لمسؤول ما، وبالتالي عدم إثارة أية ملاحظات جوهرية على المشاريع؟

نشرت الصحف المحلية أخيرا تصريحا لرئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين عن اكتشاف الهيئة تزويرا في مؤهل مهندس مقيم، عمل لسنوات طويلة في جهات حكومية، تولى خلالها الإشراف على عدد من المشاريع الكبيرة، وتسبب في تعثر الكثير منها، وعند مواجهة هذا المهندس “تحدى كائنا من كان في أن يعاقبه على جريمته”!

فحينما تضعف الأجهزة الرقابية بمختلف أنواعها ومراحلها السابقة والمصاحبة واللاحقة كافة، حينها ينشط الفساد ويكثر أتباعه، إذ ليس من رقيب عليهم، خاصة إذا كانت الجهات الحكومية نفسها تعاني ضعفا في أنظمتها وهياكلها وإداراتها المالية، بالتزامن مع ضعف مواردها البشرية، فقد تختلف وتتفاوت أسباب تعثر المشاريع، ولكن يظل الفساد القاسم المشترك بينها جميعا.

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=24132