عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

«صندقة واحدة».. للأكل والنوم والطبخ

آراء

قرأتُ في مجلة «إنسان»، الصادرة عن جمعية إنسان قصة «أم منيف» من خلال حوارها معها، إذ تسكن في صندقة في أحد أحياء الرياض، وهي – كما تقول المجلة – امرأة مكافحة تعمل مستخدمة في إحدى الإدارات الحكومية، وهي إنسانة دارت عليها دوائر الزمن فلم ينفعها عملها وكدها وكرامتها من الفقر وشروره، فهي تسكن مع أبنائها في «صندقة» هي بيتهم ومبيتهم ودورة مياههم، ولا تملك وسيلة نقل للوصول إلى عملها، وهذا يكلفها جزءاً كبيراً من راتبها.

وبعد وفاة زوجها وكبر أبنائها عظمت مشكلتها، فلم يجد الأولاد لهم وظائف، وهو ما دفع بعضهم إلى براثن المخدرات والسجون والصحة النفسية. مثل هذه القصص تُدمي القلب من قلة الحيلة، فالمشكلة ليست فردية لهذه الإنسانة التي قد تحل مشكلتها عن طريق الجمعية التي نشرت قصتها في المجلة التي تصدرها، ولكن ماذا عن آلاف الحالات التي قد لا نعرف عنها الكثير؟ نقطة سلبية في مسيرتنا التنموية أن يكون لدينا فقراء تصل بهم الحال إلى هذه الدرجة من المأسوية، ونحن لا نعرف الطريقة المثلى لانتشالهم من أوضاعهم المزرية. فكل يوم نسمع ونقرأ عن حالات مماثلة لحالة «أم منيف» وقيام بعض المسؤولين بمساعدتهم، وهم مشكورون على تلك الجهود، ولو أن بعضهم يرى أن تلك الفزعات منهم هي لتجميل صورتهم في المجتمع، ولكن لا يهمنا إذا كان ما يقومون به ينقذ أسرة في الوطن.

لا شك أن لدينا خللاً في خططنا التنموية التي أفرزت مثل هذه الحالات، ولا أعرف إن كان من المفترض أن أقول إنها وصلت إلى حال الظاهرة، ولاسيما مع غياب الأرقام الرسمية عن نسبة الفقر في مجتمعنا، ولكننا نسمع بين فترة وأخرى بعض المعلومات عنها من قبل أجهزتنا الرسمية. فقبل أسابيع ناقش مجلس الشورى مسألة تحديد خط الفقر لدينا، وأمضى فترة في مناقشتها، لرفعها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية حتى تنبني خططها الاجتماعية لمقارعة الفقر.

إن المهم – باعتقادي – هو معالجة أسباب الفقر هنا، فنحن دولة غنية تعد من الدول الـ20 في اقتصادها وفي مداخليها النفطية وغيرها، وقبل ذلك دولة قائمة على أساس الشرع الإسلامي. فكيف يكون بيننا فقراء إلى هذه الدرجة المدقعة؟ أعتقد بأن برامج التعليم والصحة والبرامج الاجتماعية المجانية التي تقدمها الدولة هي مقدرة، ولكنها ليست الحل لهذه المشكلة، فكلنا يعلم أن مستوى البطالة لدينا وبحسب الإحصاءات الرسمية في حدود 12 في المئة، ومعظم العاطلين عن العمل هم من فئة الشباب.

غالبية الراغبين في العمل – كما أشار أحد التقارير الرسمية من سيرهم الذاتية – يحملون درجة البكالوريوس، وهذا يضاعف المشكلة، فهؤلاء هم عماد التنمية في كل دول العالم، فإذا لم يجدوا وظائف تناسبهم ومداخيل معقولة فإنهم يصبحون عالة على مجتمعاتهم، بل إن كثيراً منهم سيسلك طرق العنف والجريمة والمخدرات والإرهاب.

والسؤال: لماذا لا يجد شبابنا وظائف في بلدهم الغني اقتصادياً؟ هل السبب – كما يقال – مخرجات التعليم؟ ولكن الحال تتكرر مع بعضهم والعائدين بشهادات من جامعات غربية بعد إنهاء دراستهم في برامج الابتعاث.

قد أميل إلى الحصول على وظيفة ليست لها علاقة غالباً بالتخصص والخبرة واللغة الأجنبية، بل لها علاقة بالفساد الإداري. فمن يملكون الواسطة تجد أقاربهم وأبناءهم يحصلون على أكثر من وظيفة، ويحتارون في أي وظيفة يعملون. أما من لا يملكون الواسطة فمصيرهم البطالة وإعانات الصناديق الحكومية. وعلى رغم الشكر لمثل تلك الصناديق إلا أنها – برأيي – تكرس البطالة وتجعلها ظاهرة مؤسساتية. نحن بحاجة إلى الشفافية بتطبيق الأنظمة في حق الحصول على وظائف، بعيداً عن المحسوبية مهما كان مصدرها. فهل يعقل أن تكون لدينا بطالة بهذه الدرجة ويعمل لدينا الملايين من الوافدين في أعمال يمكن أن يقوم بها أبناء الوطن وبناته؟

كلنا يتذكر عندما تفقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بعض الأحياء الفقيرة في الرياض، حينما كان ولياً للعهد، وهي زيارة لم نعهدها من مسؤولينا، ولكنها كانت بداية للتعاطي مع هذه المشكلة والاعتراف بها، ولكن السؤال هو: أين وصلت جهود أجهزتنا الرسمية بعد تلك الزيارة لحل تلك المشكلة أم أنها في ازدياد؟

أعتقد بأن الحل ليس بشراء منزل لذلك الفقير أو وظيفة للآخر. إنها مشكلة كبيرة، علينا التعاطي معها في شكل أكثر وضوحاً وشفافيةً، وهي تبدأ بالحصول على وظيفة وفرصة عمل لكل مستحق، بعيداً عن العراقيل التي نسمع بها حتى نساعد «أم منيف» في حياتها المعذبة، ونعمل على ألّا نستنسخ حالات مثلها في المستقبل.

المصدر: الحياة